جان كورد
يعتقد البعض من السياسيين الكورد أن النزاعات الكوردية، وفي مقدمتها ما هو مندلع الآن بين بعض فصائل حركة التحرر الوطني الكوردستاني في جنوب كوردستان، هي مسألة وقتية، يمكن إطفاؤها بمجرد تنازل هذا الطرف لذاك عن بعض الامتيازات والمناصب والأموال، إلا أن المؤامرة أكبر من ذلك بكثير، والكورد في غالبيتهم العظمى غافلون عن حالهم كالمريض الجاهل بمرضه الخطير مع الأسف، وهم منغمسون في تكثير أحزابهم والاستهانة ببعضهم بعضا، والمساهمة في الدسائس ضد هذه القيادة أو تلك، على الرغم من أن الخطر المحدق بهم أشبه بحال سائق عديم الخبرة يقود عربته بسرعة طائشة في ليل معتم صوب جرف عميق لا يدري أنه موجود أصلا.
ملالي إيران الذين يعدمون كل أسبوع شباب الكورد في الساحات العامة وهم يرددون (الله أكبر… والشكر لله) لا يدعمون حكومة العبادي وحشوده الشعبية ومن خلفه الذئب المالكي لتثبيت وتوسيع وتقوية النظام الطائفي الشيعي في العراق فحسب، وإنما هم ساعون لتقسيم جنوب كوردستان واحتلال كركوك وشنكال وسواهما، وحتى نقل مقر حكومة إقليم كوردستان إلى السليمانية عوضا عن هولير (أربيل) لتكون تحت أيديهم وأيدي عملائهم وجحوشهم من بني القوم الكوردي، في محاولة مستميتة لمنع اجراء الاستفتاء المطروح من قبل سيادة رئيس الإقليم بصدد الانفصال عن العراق أو البقاء ضمنه. والرد الوحيد على ذلك يكمن في دعم الثورة الكوردية المندلعة من جديد في شرق إيران من قبل كافة فصائل الحراك السياسي – الثقافي في كوردستان، لا أن يقف بعض الساسة الكورد مع نظام الملالي ضد إرادة شعبهم هناك. وهذه الثورة ستخفف من وطأة التدخل الفارسي في شؤون جنوب كوردستان وفيما إذا تمكن الكورد من كسب تأييد تلك الدول العربية التي ترى في إيران خطرا عظيما على أمنها واستقلالها واستقرارها.
وهؤلاء الملالي يدعمون نظام الأسد الغارق في جرائم فظيعة ضد الإنسانية، لا لمنعه من السقوط فقط، وإنما لتحقيق مشروع “الهلال الشيعي” في المنطقة على حساب العرب (السنة) والكورد، بل وحتى على حساب الترك أيضا، لأن المشروع لا يعترف بالحدود القائمة وسيضم (العلويين) في تركيا للوصول عن طريقهم إلى مناطق جنوب غرب تركيا وبخاصة إلى لواء الاسكندرون (هاتاي). والكورد لم يكونوا في نظر ملالي إيران أصحاب قضية في يوم من الأيام وتاريخهم الدموي في شرق كوردستان معروف جيدا. وإن كل كوردي يظن بأن إيران ستسمح للأسد أو لمن يعقبه على الحكم بمنح الشعب الكوردي حقوقا قومية غافل عما يجري في الخفاء بين مختلف الدول التي تقتسم كوردستان لمنع قيام أي كيان كوردي في المنطقة.
أما تركيا التي يتخبط رئيسها في سياساته المتوترة كراكب ظهر النمر، لا بد في النهاية أن يأكله، على حد تعبير أحد دهاة الخبراء الإسرائيليين، فإنها بعد أن حاربت نظام الأسد بدعمها لمختلف التنظيمات المعادية له، من دون الكورد طبعا، عادت لتتصل بهذا النظام سرا وتعرض عليه السلام والتعاون بشرط أن يقطع علاقاته مع حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يؤكد باستمرار على (لا كورديته) ولا يعادي تركيا ولا يريد أي كيان كوردي قومي ومستعد لمحاربة كل نشاط ساع إلى تحقيق الدولة الكوردية، ورغم ذلك فإنه بالنسبة لتركيا عدو مبين.
نعم، تركيا مستعدة باستمرار لمحاربة كل نشاط كوردي قومي، ليس ضمن برلمانها الذي انتخب الشعب له نوابا كورد فحسب، وإنما بقصف جبال كوردستان، داخل وخارج حدودها، بمختلف الأسلحة الفتاكة وبتدمير المدن الكوردية تدميرا ممنهجا ووحشيا، في ذات الوقت الذي كانت تتباكى على الفلسطينيين بسبب قصف إسرائيل لقطاع ومدينة غزة وتلعن الأسد وحربه على شعبه من على المنابر. كما أن تركيا مستعدة لإقامة العلاقات مع سائر الأطراف الكوردية التي تعلن بصراحة وقوفها ضد مشروع “الاستفتاء” في جنوب كوردستان، بل هي ساعية لنقل قنصليتها من هولير (أربيل) العاصمة إلى مدينة السليمانية لتتمكن من هناك التنسيق مع تلك الأطراف، بل مع عدوتها التاريخية إيران، بشكل أفضل، في مختلف المجالات الأمنية (الاستخباراتية) والاستراتيجية ضد الطموح الكوردي في الاستقلال. كما أنها تحرض وتحث الأحزاب التركمانية لتأييد (الجاش الكورد) ضد مشروع الاستقلال الكوردي، وتتفق سرا مع إيران على إغلاق خط النفط الكوردي العابر لتركيا بهدف الضغط على حكومة الإقليم التي تعاني من أزمة مالية لقطع الحكومة المركزية في بغداد المستحقات المالية عنها، والتي هي في حالة حرب ضد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم.
إن إيران وتركيا مستعدتان لدعم أرتال الجاش أينما كانوا وتقوية إعلامهم ومنحهم الأموال ليتمكنوا من تقسيم جنوب كوردستان وتصفية الثورة في شرقها وإلغاء اسم الكورد وكوردستان في غربها ونسف السلام في شمالها نسفا تاما.
نعم، هذا هو وضع كوردستان اليوم، حيث يتكالب كل الأعداء ويتضامنون من أجل إحباط سائر المحاولات الصادقة لتمتع شعبنا بحقه القومي في حرية.
طبعا، لا نستفيد من الدعوات العالية الصوت لإقناع (جاش) واحد بأن مستقبل أولاده وأهله وقومه وحزبه مرهون بتضافر وتضامن وتعاون الكورد فيما بينهم وليس بلحس صحون الأعداء، فالجاش من شيمتهم خدمة الآخرين، حتى ولو كانوا أعداء، إلا أن علينا تنبيه الغافلين من أبناء وبنات شعبنا إلى أن كل المشاريع الإعلامية والسياسية التي تستهدف مشروع “الاستفتاء الكوردي” بصدد حرية واستقلال كوردستان تخدم أعداء امتنا وحلفهم الشيطاني ضد قيادة الرئيس مسعود البارزاني، الذي يلقى العنت والخيانة من أولئك الذين يعملون على إحباط مشروعه المتفق تماما مع (حق تقرير المصير للشعوب)، وهي في الخندق الأول في الحرب على الإرهاب.
برأيي، إن من واجب كل المثقفين الكوردستانيين اليوم هو الوقوف خلف قيادة البارزاني المقاتلة، ودعمها بقوة، ولكن ليس بالضرورة أن يتم الإعلان عن استقلال جنوب كوردستان بعد إجراء استفتاء، فالشعب الكوردي قد أعطى رأيه في الموضوع قبل الآن بزمن طويل، وما على القيادة إلا تنفيذ قرار الشعب، ليس إلا.
إن إعلان الاستقلال سيكون ضربة موجعة لكل الأعداء والمجتمع الدولي لن يقف ضده كما يعلم القاصي والداني بمجريات الأحداث الدولية اليوم.
01 تموز، 2016