اسرائيل في المعادلة السورية

 صلاح بدرالدين
  كان الموقف الاسرائيلي يسوده الحذر الى درجة القلق بجلاء ومنذ اندلاع الانتفاضة السورية ( وثورات الربيع عموما ) قبل خمسة أعوام بأهدافها وشعارتها من اجل اسقاط الاستبداد والتغيير الديموقراطي واعادة بناء سوريا التعددية التشاركية الجديدة بين كل مكوناتها القومية والدينية والمذهبية على قاعدة العقد الاجتماعي الدستوري الراسخ والمساواة واحقاق حقوق المحرومين والعيش المشترك لأن التطور السوري هذا لم يكن يناسب الاسترتيجية التقليدية لمنظومة الحكم في تل أبيب تجاه دول الجوار والمنطقة عموما منذ أن أرسى معالمها الرواد الأوائل لقيام الدولة العبرية من ( بن غوريون وكولدا مائير وموشي دايان ) التي كانت ومازالت تعتمد على ضعف وتشرذم وانقسام وتقاتل الآخرين وتبقى هي الأقوى الأشد مراسا . 
كان ومازال هاجس منظومة الحكم الاسرائيلية الأول الحفاظ على الوجود وتأمين وسائل الاستمرارية والبقاء البعيدة المدى منها والآنية وهو أمر جد طبيعي ضمن غريزة حب البقاء وتسخير كل شيء من أجل ذلك وعلى هذا المنوال عملت بكل ثقلها في المجالين الدولي والاقليمي مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحلفائها في الشرق الأوسط على اطالة أمد الصراع في سوريا وعدم مد الثوار السوريين بالسلاح النوعي وعرقلة مشروع الثورة في اقامة المنطقة الآمنة أو العازلة على الحدود السورية المشتركة شمالا وجنوبا واضعاف كل الأطراف وازالة مايقلقها من ترسانات أسلحة وجيش سوري نموذجي قد يأتمر يوما ما وبعد اسقاط نظام الأسد تحت ظل قيادة وطنية تسترجع الجولان المحتل والحد من شحن السلاح الايراني الى ميليشيات حزب الله اللبناني .
  كانت لعبة ادارة الأزمة في الساحة السورية في الأعوام الثلاثة الأولى من جانب اللاعبين الرئيسيين : ادارة الرئيس الأمريكي أوباما ونظام الأسد وايران وتركيا وبعض دول الخليج مناسبة جدا لسياسات اسرائل بل متوافقة لطموحاتها المستقبلية مثل توازن رعب الفناء والدمار وعدم اسقاط النظام ولا انتصار الثورة وتدمير البنية التحتية وتحول غالبية السوريين الى نازحين ومهاجرين وتصاعد وتيرة الموجة الارهابية بظهور وتنامي قدرات منظمات القاعدة ثم النصرة وداعش وبمساهمة مباشرة وغير مباشرة من اللاعبين الكبار والصغار مع ازدياد حدة الصراعات العنصرية والدينية والمذهبية واندفاعتها نحو مشارف الحرب الأهلية المدمرة .
 شكل التدخل الروسي العسكري مؤخرا وانتقالها من الدعم الدبلوماسي والعسكري لنظام الأسد الى العدوان المباشر وبناء القواعد البحرية والبرية وارسال الجنود والمعدات الحديثة وصولا الى الامساك بالملف السوري على حساب تفاقم الصراع الداخلي وخيانة أصدقاء الشعب السوري !! وتباطؤ وتراجع الدور الأمريكي والغربي والعربي عموما مرحلة ذهبية للدور الاسرائلي المستجد بعد التفاهم بين تل أبيب وموسكو حول القضايا الأساسية العسكرية والأمنية والسياسية من خلال الزيارات المتتالية لرئيس الحكومة الاسرائلية الى روسيا ويتردد في هذا المجال أن الطرفين توصلا الى اتفاقات متعددة الجوانب من بينها تمديد أمد النزيف وآفاق الحل المناسب ومستقبل النظام القادم وكل النتائج لن تكون لصالح الشعب السوري في حال نجاح تلك الخطط .
  وبموازاة ذلك هناك تحسن في العلاقات الاسرائلية التركية الى درجة تدخل حكومة الرئيس أردوغان لمصالحة حركة حماس وحكومة نتانياهو الى جانب علاقات في غاية السرية مع ايران ورسائل متبادلة مع الأسد وعلاقات غير مرئية مع بلدان الخليج وحوار متواصل مع النظام المصري وهذا يعني أن اسرائيل ترى من مصلحتها – وهي محقة – التفاهم مع النظام العربي والاقليمي الرسمي ضاربة عرض الحائط قضايا الشعوب المضطهدة والمغلوبة على أمرها التي ترضخ لاستبداد الأنظمة الحاكمة في المنطقة .
 قبل أيام عقد في مدينة – فرانكفورت – المؤتمر السنوي الألماني – الاسرائلي الذي يبحث عادة مسائل مشتركة بين البلدين باتجاه الحوار والتفاهم وازالة آثار الماضي وقد شد انتباهي حضور عدد من الكرد السوريين بحماس منقطع النظير وكأن الاجتماع يخص الكرد وليس الألمان والاسرائليين أقول لهؤلاء الاخوة من كردنا السوريين أن موقع شعبنا الطبيعي هو الى جانب شركائنا العرب السوريين وثورتنا الوطنية لأن مصيرنا الجغرافي الميداني والتاريخي والسياسي مرتبط بشركائنا من العرب والمكونات الأخرى أيا كان هذا المصير الآن وفي المستقبل وحتى لو قدر للكرد أن يعلنوا عن دولتهم في يوم ما وهو حق طبيعي فسنبقى نرضخ لواقع الجيرة والعيش المشترك والصداقة والتواصل الى جانب أننا لسنا معادون لأي شعب وقوم بمافيهم اليهود .
 نعود أخيرا كما في كل مرة الى القول أن الحل الحاسم يكمن أولا وأخيرا في اعادة بناء ثورتنا عبر المؤتمر الوطني السوري الشامل لكل المكونات والأطياف والتيارات والخروج ببرنامج سياسي واضح ومجلس سياسي – عسكري يقود المرحلة القادمة ويواجه تحديات السلم والحرب والحوار والصراع . 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين   منذ أيام يدور سجال حامي الوطيس بين كل من حزب الاتحاد الديموقراطي – ب ي د – والمجلس الوطني الكردي – انكسي – وأحزاب الوحدة الوطنية في القامشلي ، حول مسالة عقد ( المؤتمر الكردي ) وشكل وآلية المشاركة فيه ، وبايجاز صريح بشان الحصص الحزبية ، والتفرد ، والتنازع حول النفوذ ضمن اطار الوليد الذي لم…

د. محمود عباس أنقذوا سوريا قبل أن تُطْبِقَ عليها الظُلمات، قبل أن تتحول إلى كيانٍ معلقٍ في الفراغ، تتقاذفه الرياح العقائدية والتجاذبات الإقليمية والصراعات العالمية. كيف لبلدٍ يمتلك إرثًا حضاريًا ضاربًا في جذور التاريخ أن ينحني أمام هذا الطوفان المريع من الابتذال الفكري والانحطاط الثقافي؟ كيف لشعبٍ كان يومًا مركزًا للحضارة والتنوير أن يُختَزل إلى مجرد متلقٍّ لفكرٍ…

درويش محما ظهور حزب العمال الكردستاني في اواخر السبعينات من القرن الماضي، هو أسوء ما حصل للكرد في تاريخهم المعاصر، وأفضل ما قد يحصل لهم في المستقبل القريب هو اختفاء هذا الحزب بكل فروعه ومشتقاته؛ وكلما سألني احدهم عن كيفية التخلص من هذه العاهة المستديمة التي اصابت الكرد في مقتل، كنت اقول: بقاء هذا الحزب من عدمه بيد انقرة….

كنت خلال يوم الجمعة 13/3/2004م مصاباً بكريبٍ شديدٍ، حين اتصل بي محافظ إدلب السيد حسين الهدّار رحمه الله، إذْ علم بأنّني مريضٌ، وأعلمني أنّه سيزورني في منزلي.. هيّأتُ نفسي كي أدعوه لتناول طعام العشاء في مطعم الشلال في حلب، وبينما نحن في طريقنا باتجاه المطعم، وردني اتصالٌ هاتفيٌّ من السيد سليم كبول محافظ الحسكة، رددتُ عليه، وراح يسألني الدكتور سليم:…