اكرم حسين
لم يكن للمجلس الوطني الكردي طوال الاعوام الخمس الماضية ،أي تصور واضح لحل القضية الكردية في سورية رغم تبنيه للفيدرالية كشكل للدولة السورية القادمة ،وتركزت سياسته على ادارة الازمة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الذي بدأ يسيطر على المنطقة الكردية وتحديدا بعد معركة رأس العين ومواجهته جبهة النصرة ولاحقا تنظيم داعش الذي اعلن عن ولاية البركة في محافظة الحسكة ، ومنذ ذلك الحين اصبحت الكلمة لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي بسط سيطرته وفرض هيمنته على كل المنطقة الكردية ووضع محددات لعمل المجلس الوطني بمنعه من تشكيل اية قوة عسكرية ،أو اشراكه في ادارة المعابر والايرادات الاقتصادية التي اصبحت في متناول يده بسبب عدم مشاركة المجلس في الادارة الذاتية ليتم صرف الواردات في استثمار مشاريع بناء القوة عبر وحدات الحماية الذاتية وتزويدها بالعتاد والسلاح وتامين رواتب موظفي الادارة، التي باتت تترسخ شيئا فشيئا ،
لكن معاينة الاتحاد الديمقراطي للوقائع العنيدة ومعرفته بطبيعة الصراع على الأرض، وكذلك تحليله لتشابك المصالح الدولية والإقليمية و المحلية، وطبيعة القوى القائمة ، جعلته يتظاهر ويستجيب لضغوطات ودعوات رئيس الاقليم بقبول «عملية سياسية كردية » تضبط الوضع الداخلي وتمنعه من التصادم ، وجدها فيما بعد خلفية مناسبة “للتهدئة” بغية «افراغ المجلس وتحويله الى جثة هامدة » وهكذا بدأت سلسلة اتفاقيات بدأت بهولير الاولى والثانية وانتهت بدهوك وملحقها ، بدعم واشراف البارزاني ورغبته الصادقة بترتيب البيت الكردي ومنعه من التشاحن والانفجار، لكنها بقيت حبرا على ورق ولم تجد طريقها للتنفيذ؟ وبالتوازي مع ما جاء، انصب الجهد على اضعاف دور المجلس وبث الفرقة والشقاق بين مكوناته واغراء بعض اطرافه بالمال وممارسة سياسة براغماتية تعتمد على قاعدة “لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ولا حقائق ثابتة “، ورغم ان الشباب قد لعبوا دورا مهما في البداية واحتلوا موقعا متقدما ،فان الاحزاب الكردية ظلت مترددة وحائرة، ولم تكن بحجم التحديات ولا بمستوى اللحظة السياسية ، والى ما كان يطمح اليه الكرد ولم تحقق اية مكاسب ملموسة ، كما فشلت في لعب دور مؤثر وحيوي في اطار المعارضة السورية رغم انها الاكثر تنظيما والاكثر تضررا من السلطة /الطغمة لغياب مشروعها الوطني والقومي ،وتشتتها واختلاف اجنداتها، وعدم قدرتها على توحيد صفوفها وتموضعها، الامر الذي تسبب في فشل اتفاقات هولير ودهوك ، وأدى الى ضعف دور الاحزاب وعدم تأثيرها بشكل يتناسب مع طموح الكرد ورغبتهم في بناء دولة وطنية حديثة تحفظ لكل المكونات حقوقهم القومية والديمقراطية.
يتذرع المجلس الوطني الكردي وينسب عطالته وعدم فعاليته إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يستأ ثر بكل شيء و يمنعه من تقديم الخدمات وتشكيل قوة عسكرية لحماية المنطقة الكردية والدفاع عنها في وجه الغزاة وقوى التطرف والارهاب ؟ لكن العادة جرت ان يضع الفاشلون والمهزومون مسؤولية فشلهم وهزيمتهم على عاتق الغير متذرعين بأعذار واسباب يحفظوا بها ماء وجههم ، ويبرروا تقاعسهم ،ويظهروا أنفسهم كضحايا أو أبرياء عبر شيطنة الطرف الاخر ، بشكل لا يجاري الحقائق ولا يطابق الوقائع ، لأنهم ليسوا أبرياء أو ملائكة ، بل مذنبون لأنهم تقاعسوا وفشلوا في الارتقاء الى مستوى اللحظة التاريخية ، والواجب القومي والإنساني للتخلص من نير الاستبداد الى فضاءات إنسانية أرحب وأوسع، واذا كان كلام الاستئثار حقيقة لكن يراد به باطل ، ففي البداية كان الشعب الكردي الى جانب المجلس الوطني الكردي وأحزابه لكنه لم يستطع توظيفه توظيفا جيدا ، ولا توظيف الدعم المقدم من الرئيس البارزاني شخصيا وعلى كافة الصعد السياسية والاعلامية والدولية والمالية والاغاثية ، كل الامكانات المقدمة لم تستطع ان تجعل المجلس يقوم بدوره التاريخي في تمثيل الشعب الكردي في سوريا وأن يحتل موقعه في المعارضة رغم وجوده في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بسبب تردده ، وعدم وضوح موقفه ومسكه العصا من المنتصف ، وقيادته السياسية التي افتقدت إلى الخبرة والإرادة الثورية واتسمت بسوء التحليل والتخطيط والادارة ، وركوض البعض خلف مصالحه الشخصية ، وانتهازية البعض الاخر، الذي عمل على افتعال صراعات وخلافات داخل المجلس نفسه ، بتغليب التناقضات الثانوية على التناقضات الرئيسية .
بعد اتفاقية دهوك ، صار المجلس الوطني الكردي شريكا متساويا مع حزب الاتحاد الديمقراطي، كان بامكانه الاستفادة من واقع الاتفاقية ، ومن الأجواء الدولية الضاغطة باتجاه الوحدة الكردية ,بالعمل لبناء الثقة بينه وبين جماهيره التي انفضت من حوله ، وان يتفاعل مع الواقع الجديد الذي أحدثه الانتصار في كوباني من اعتزاز وثقة بالكردي ،للاضطلاع بمسؤولياته التاريخية والدفاع عن الشعب ،بتخفيف معاناته اليومية، فالمجلس مطالب اليوم بعقد مؤتمره الرابع دون ابطاء او تأخير أو تأجيل وحل الخلافات التي تعصف بأطرافه واستيعاب بعض القوى والشخصيات الوطنية الحقيقية التي بقيت خارجه والتأسيس لخطاب جديد وممارسة نضالية ،عبر خطاب نقدي عقلاني لكل الظواهر والحالات التي لا تخدم الشعب الكردي و لا تساهم في تأمين حقوقه القومية والديمقراطية ، وان يعمق اختياراته ويجدد طروحاته ليكون في مستوى المهام المرحلية الجديدة ، وفي هذا الاطار يتطلب من الحزب الديمقراطي الكردستاني-بوصفه القوة الاكثر جماهيرية والاكثر ارتباطا بنهج البارزاني ان يستعيد دوره وان يقوم بمهامه في قيادة العمل الوطني الكردي السوري باعتباره الرافعة الحقيقية لعمل المجلس وتحسين ادائه ، وان يتحرر من عبء بعض الاحزاب الصغيرة التي جعلت المجلس اسيرا لرغباتها ونزواتها الذاتية فالمجلس عيارة عن ائتلاف او تحالف سياسي يضم بين دفتيه احزاب وقوى مختلفة، ولكل منها فكر او ايديولوجيا معينة ، وعلاقات مختلفة وتنتمي الى محاور متعددة ، وليس حزبا سياسا يمتاز بالضبط التنظيمي والحسم السياسي ،
اليوم المجلس الوطني الكردي على المحك تجاه جماهيره التي ربطت مصيرها بمصير المجلس ، وباتت تتخوف من تفرد و “تغول” حزب الاتحاد الديمقراطي في كل مفاصل الحياة بفرض مثاله الاحادي وفكره القائد بشكل “مشابه “لما جرى في كوريا الشمالية ، ويكون له الكلمة الفصل في الشأن الكردي ، رغم تضحيات الاحزاب وتاريخها الطويل بعد ان اختلط الحابل بالنابل
اخيرا على المجلس الوطني الكردي تأكيد حضوره وانتزاع ما يمكن انتزاعه ،والعودة الى الشارع الكردي الذي ابتعد عنه لأن ما هو قائم لا يناسب الا مصلحة البعض من اطرافه التي تتوافق مع شكل الادارة القائمة ورفض حزب الاتحاد الديمقراطي للشراكة والمحاصصة بدون انتخابات او توافقات او قوانين تفتقد الى الشرعية بمعناها الجماهيري او الثوري ، رغم كل النقد والحديث عن الاستفراد والاقصاء والهيمنة والتجنيد الاجباري والعمل “كوكيل “للسلطة وبالتالي انقسام الكرد بين جبهتين متناقضتين جبهة المشروع القومي الكردي وجبهة “العدمية” القومية والامة الديمقراطية ، لكن رغم ذلك المطلوب كرديا هو الحذر؟ لان الرياح العاتية قد تدفع اليوم الى خلل في العلاقة بين قوى المجتمع الكردي وقد تدفع به الى مواجهات كردية -كردية ستدخل الكرد في اتون النار لتوفر الظروف الموضوعية التي تدفع بهذا الاتجاه لان المحاور اصبحت متوازية ان لم نقل متقابلة ، والسؤال الذي يجب ان يحرق اللسان كيف نتعامل مع هذه المسألة؟ وكيف يمكن نزع فتيل الازمة وتحقيق الشراكة وتوسيع دائرة المشاركة والادارة لتشمل جميع المكونات السياسية ؟ ما هي الية الترميم بين قوى المجتمع بجهود متلمسة لمنع الانزلاق الى العنف وتأسيس سلطة كوردية انتقالية توافقية ،بالاستفادة من أخطاء المرحلة السابقة ؟ هذا هو التحدي الذي تقع مسؤوليته على جميع الاطراف بتحديد موقفها والعمل من اجل الوصول الى هذا التوافق الذي قد يكون مصيره النجاح او الفشل !لان المجلس اليوم في مأزق حقيقي بسبب ضعف قواه الذاتية وعدم وضوح رؤيته للحل؟، و حجم الدعم الكردستاني الذي يجب ان يتلقاه لتعزيز وجوده لتعديل موازيين القوى؟ ، اضافة الى سلطة الادارة الذاتية التي اصبحت واقعا لا يمكن تجاوزها عسكريا وسياسيا على الاقل في الداخل الكردي ؟هذه العوامل وغيرها ستؤدي الى صعوبة حضور المجلس في المشهد الكردي السوري الى حين ؟ لأن عدم الاكتفاء بوجود المجلس والحديث عن عدم حضور الكرد في مفاوضات جنيف ومحاولات ضم الاتحاد الديمقراطي الى الوفد المفاوض واشراكه كممثل عن الشعب الكردي في سوريا يؤكد عمق مأزق المجلس؟ هذه التحديات وغيرها من الاسئلة التي لم نطرحها في هذه العجالة هي برسم المؤتمر الرابع للمجلس الوطني الكردي وقيادته العتيدة .!!
____________________
نشرت في صحيفة كوردستان ..العدد (538)15-6-2016 م-2716 ك