كوردستان سوريا … والشرعية التاريخية للجغرافيا السياسية .

عبدالرحمن كلو 
في الأيام التي شهدت فيها مدينة جينيف السويسرية  حوارات ماراثونية بين المعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى،  للبحث في حل سياسي للأزمة السورية تصاعدت معها وتيرة المواقف السياسية الانفعالية- سلباً-  تجاه القضية الكردية في سوريا،  خاصة بعد أن تم طرح رؤية كوردية تمثلت في أن يكون نظام الحكم في سوريا المستقبل نظاماً فيدرالياً، وبحسب الرؤية الكوردية: حفاظا على وحدة الدولة الممزقة مجتمعيا وسياسياً وجغرافياً بفعل واقع الحرب القائمة، ومن خلال المواقف المعلنة وتقاطعاتها والمقاربات المطروحة من جانبي النظام والمعارضة، أميط اللثام عن غموض وضبابية الفواصل الحدودية بين موقفين مختلفين متباينين وتبين بوضوح أن القضية  الكوردية كانت ومازالت غائبة عن الحياة السياسية السورية تماماً في الجانب العربي،  وبدت كما وكأنها وليدة لحظة جينيف،
إلا أن هذا المطلق الإلغائي من الجانب العربي نظاماً ومعارضةً، يبدو انه لم يكن وليد جينيف، لأن هذا الموقف الإلغائي يشترك فيه كل الفرقاء ومن الجانبين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مروراً بما يسمون بالليبراليين والوسطيين والقلة القليلة التي لا تنتمي إلى تلك الثقافة فهي تمثل الحالة الاستثنائية الخارجة عن المألوف النمطي للثقافة الواحدة، لذلك فهذا الموقف يمكن وصفه بأنه يمثل الولادة الطبيعية والشرعية لمولود مشوه وممسوخ من رحم التراكم التاريخي لموروث ثقافي عروبي استغرق رعايته وتنشأته  قرنا كاملا من الزمن.
ولأننا الآن ومستقبلاً سنكون أمام موقفين متناقضين تفصلهما مسافات بعيدة ولا يجمعهما أي مشترك، لا أظننا سننجح في الاتفاق على أية صيغ حقوقية للشعب الكردي في سوريا قبل الاتفاق على صيغة الوجود القومي الكردي في شمالي سوريا الحالية، فالمسافة الأبعد للنظر في القضية الكوردية بالنسبة للجانب العربي تبدأ من ما بعد اتفاقية سايكس بيكو التي هو بذاته كان يرفضها حتى الأمس القريب، أو ربما يرفض الجانب العربي قراءة تاريخ الدولة السورية لأبعد من عام 1936 عند انفصال لبنان عن سوريا الاتحادية،  أما بالنسبة  للكورد فالقضية أبعد من سايكس بيكو بكثير بل وأبعد من كل التواريخ المدونة للاتفاقات الاستعمارية ونتائجها، فالقضية متوغلة في عمق التاريخ حيث البداية من الجغرافيا البشرية لمجموع الأقوام من أسلاف الكورد من الهوريين والميتانيين والكاردوخ والميديين الذين أنشأوا على أرض كوردستان الحالية ممالك وامبراطوريات وإمارات في ارجاء الوطن الحالي للكورد.
هذا ولوضع الامور في نصابها القانوني وتصحيحاً للقراءة الجيوسياسية الخاطئة الموروثة، لا بد من البدء بقراءة أخرى مغايرة تماماً عن قراءة وباء الآفة الشوفينية العروبية، لنكون على بينة من لوحة جيوبولوتيكا المنطقة والشرق القديم وتحولاتها التاريخية، والقراءة لا بد لها من أن تكون بلغة الأبحاث والدراسات التخصصية وبمعزل عن المواقف السياسية، أي أننا نحتاج إلى تناول الوجود القومي الكردي في الميزوبوتاميا وكوردستان من خلال الحقائق التاريخية وسياقات متحول الجيوغرافيا البشرية، ومن ثم نتحول إلى تناول الجانب السياسي والحقوقي للقضية الكردية وفق أحكام الشرعية التاريخية للجغرافيا السياسية لكردستان سوريا كاستحقاق مشروع لتاريخية حالة موضوعية مستقلة قائمة، ومن دون ذلك هذا يعني أننا سندخل في  متاهات جدل بيزنطي عقيم تحكمه أيقونات المواقف السياسية المسبقة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…