في أولويات اعادة بناء الثورة السورية (مناقشة لتوجهات لفيف من الضباط)

صلاح بدرالدين
  أعلن مجموعة من كبار الضباط المنشقين عن النظام قبل نحو عشرة أيام عن تشكيل جسم عسكري جديد حمل اسم “قوات الردع الثورية”، والتي تضم 11 فصيلا بحسب البيان ومن دون ذكر أسمائها وقد ارتأيت مناقشة ماجاء في حوار لموقع – كلنا شركاء – مع أحد أبرز مؤسسيه وهو الصديق الدكتور اللواء – محمد الحاج علي – كمساهمة للجهود الفكرية والثقافية المبذولة من جانب مختلف الأطياف الوطنية بحثا عن أفضل السبل لتحقيق مانصبو اليه جميعا في تصحيح مسار ثورتنا واعادة بنائها من جديد لمواجهة التحديات الخطيرة الماثلة .
حسب وجهة نظر هؤلاء الاخوة الضباط العسكريين فان انقاذ الثورة يبدأ بتشكيل – قوات الردع الثورية – وتطويرها وتفعيلها ومن ثم يمكن الاستفادة من سياسيين بتعيينهم مستشارين لتلك القوات وأن المهمة الأساسية لها ازالة نظام الأسد وعدم افساح المجال للأدلجة وتنظيف الثورة من المرتزقة والفاسدين والتشكيل غير مدعوم من أي دولة وهذه ميزة إيجابية لأن كل الفصائل التي دعمت من قوى خارجية أصبحت أسيرة الداعمين سواء أكانوا دولاً أو جماعات أو أفراداً، هذا التشكيل تأسس على أساس أن يكون قراره مستقل .
 لاشك أن ماأعلن من أهداف لاغبار عليه كمبدأ عام ولكننا يجب أن نتوقف أمام مسالة الأولويات والعلاقة بين أطراف الثورة وأطيافها اذا علمنا أن الانتفاضة الثورية اندلعت بارادة شعبية عنوانها الحراك الشبابي وبصورة سلمية وبعد تشنج النظام ورفضه لأي نوع من الاصلاح والتطوير واستخدام سلاح الدولة وجيشه وأمنه لصد المتظاهرين المحتجين ومواجهتهم بالحديد والنار بادر أفراد وجماعات بالانسلاخ عن جيش النظام والالتحاق بصفوف الشعب والاعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر والذي تلاحم عمليا مع الحراك الشعبي الوطني ليتم الانتقال بعد ذلك الى مرحلة الثورة المتواصلة حتى الآن تحت شعار اسقاط النظام والتغيير الديموقراطي رغم مالحق بها من انتكاسات وتشرذم الى ماوصلت اليه الحالة راهنا  .
  كان الأولى بالاخوة في – قوات الردع الثورية – أن يبحثوا عن لم شمل مراتب الجيش الحر واعادة الاعتبار لروادها الأوائل الذين أبعدوا واستبعدوا وأهملوا واعادة هيكلة التشكيلات المبعثرة  والعمل سوية على تنظيم الجانب العسكري في الثورة وقبل ذلك أو بالتزامن معه اعادة تنظيم صفوف الثورة التي لايمكن الفصل بين قواها المدنية والعسكرية والجماهيرية والشبابية وأطياف مناضليها من مختلف المكونات السورية واذا كانت ثورات العالم قد واجهت طوال التاريخ اشكالية العلاقة بين جناحيها المدني السياسي والعسكري فان خصوصية وتجربة ثورتنا تؤكد أنه لايمكن لجناح واحد أن يصادر القرار ويستفرد بالقيادة لأن العمل العسكري ماهو الا صورة عن الموقف السياسي ولاشك أن تجربتنا قد أهلت العسكري بالادارة السياسية وزودت السياسي المناضل بالخبرة الدفاعية والجانبان يكملان بعضهما الآخر ولايمكن الفصل بينهما . 
  ان ما قسم صفوف الجيش الحر وجمد طاقات عناصره من الضباط والأفراد وتراجعه أمام موجة الجماعات الارهابية من داعش ونصرة وتغلغل وتوسع صفوف الفصائل المسلحة الاسلامية وطغيانها هو حرمانه من قيادة سياسية – عسكرية مشتركة مستندة الى الشرعيتين الثورية والوطنية فقد أساء ( المجلس الوطني ومن بعده الائتلاف ) التصرف وأرادوا استخدام قوى الجيش الحر والثورة لأغراض آيديولوجية أولا وفي خدمة مواقف الأطراف الاقليمية المانحة فجيش الثورة يجب وبالضرورة وفي الحالة السورية أن يكون انعكاسا لواقع مجتمعنا التعددي المتنوع أن يكون وطني الانتماء والتوجه بعيدا عن النزعات العنصرية والدينية والمذهبية .
  كما أظهرت تجارب ثورتنا منذ أكثر من خمسة أعوام أوجه الخلل والفشل والاحباط حينما بادرت مجموعات مسلحة الى التواصل المباشر من دون وسطاء معارضين مع الأنظمة في دول الاقليم وفتحت أجهزتها المخابراتية أذرعها وأغدقتها بمعونات سخية ولأن متزعمي  تلك الجماعات لم يكونوا محصنين لاسياسيا ولاثقافيا وغير ملتزمين بالبرنامج السياسي ومعزولين عن الجمهور الوطني الواسع فقد فشلوا في تحقيق أي هدف ضد النظام كما خرجوا من وعلى صفوف الثورة بل وتحدى بعضهم الجيش الحر أو استمالوا قسما منه من أموال الدول المانحة مستغلين حالة العوز والحرمان .
  ان الطريق الوحيد الأسلم نحو اعادة بناء صفوف الثورة هو تشكيل لجنة تحضيرية معبرة قدر الامكان عن أطياف ومكونات الشعب السوري للاشراف على عملية تنظيم المؤتمر الوطني الانقاذي السوري من ممثلي الحراك الوطني الثوري والمستقلين وتنسيقيات الشباب والمجتمع المدني وسائر الوطنيين الشرفاء وممثلي تشكيلات الجيش الحر وقوى الثورة المؤمنة بسوريا جديدة تعددية ديموقراطية للخروج ببرنامج سياسي ومجلس سياسي – عسكري مشترك لقيادة المرحلة ومواجهة تحدياتها في السلم والحرب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…