لم تكن محاولة اغتيال الناشط الإعلامي هادي العبد الله وصديقه المصور خالد العيسى حدثًا عاديًا في ظل الفوضى الأمنية التي تشهدها المناطق “المحررة“. هادي الذي أصبح نجمًا محبوبًا لدى شريحة واسعة من السوريين، وأطلق عليه البعض لقب “روح الثورة“، يبدو أن هناك جهات لم تعد راغبة بوجوده أو سماع صوته عبر الشاشات.
قرابة الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء الخميس 16 حزيران، هز انفجار كبير حي الشعار في مدينة حلب، ليتبين أنه ناجم عن عبوة ناسفة وضعت على باب منزل يقطن فيه هادي العبد الله وصديقه خالد العيسى.
كان هادي وخالد يهمان بدخول المنزل عندما انفجرت العبوة. هشّم رأس خالد وفقد الوعي مباشرة، بينما استمرت فرق الإنقاذ نحو ربع ساعة حتى استطاعوا إخراج هادي من تحت الأنقاض وهو في حالة يرثى لها، لكنه استطاع أن يتمتم ببضع كلمات دللت على أن وضعه أفضل بقليل من صديقه.
نقل الشابان إلى مشفى ميداني قريب من الحي، وهناك تبين أن خالد يشكو من إصابة عصبية في الرأس، ووضعه الصحي حرجٌ جدًا، بينما يشكو هادي من كسور في القدمين وإصابات في البطن وشظايا في أنحاء متفرقة في جسمه، ما استدعا نقلهما في حدود الساعة الواحدة ليلًا إلى تركيا، وأدخلا إحدى المشافي القريبة من الحدود مع سوريا.
آخر المستجدات على الصعيد الصحي تقول إن هادي تجاوز مرحلة الخطر ووضعه الصحي بات مستقرًا، لكنه بحاجة إلى بعض العمليات الجراحية نتيجة الشظايا والأنقاض، وهو مايزال في العناية المركزة، بينما لم يتجاوز خالد مرحلة الخطر، ووضعه الصحي مازال حرجًا.
محاولة الاغتيال تشعل وسائل التواصل الاجتماعي
منذ الدقائق الأولى لمحاولة الاغتيال وحتى اليوم التالي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالدعاء للشابين، كما تخصصت مجموعات إخبارية ومواقع إعلامية عربية ومحلية بنقل آخر الأنباء حول إصابتهما.
كما انتشرت صور الشابين عقب إصابتهما وهما مضرجان بالدماء، ما أثار حفيظة ناشطين، معتبرين ذلك إساءة لناشط نذر حياته للإعلام الثوري (هادي العبد الله)، ومنتقدين “اللاأخلاقية” التي وصلت إليها بعض وسائل الإعلام في تغطيتها الخبر.
ولهادي شعبية كبيرة حققها من خلال حفاظه على رتم متصاعد من العمل الإعلامي، والتغطية المركزة لأبرز الأحداث الميدانية في الشمال السوري، مواكبًا التقنيات اللازمة لتحقيق الانتشار، من خلال صفحته الرسمية الموثقة رسميًا في “فيس بوك” وتضم نحو 450 ألف إعجاب، وحسابه الرسمي في موقع “تويتر” ويضم نحو 470 ألف متابع، إلى جانب مواكبته النشر عبر “يوتيوب” و”تيلغرام” و”إنستغرام”، ومؤخرًا بدأ ببرامج بث مباشر عبر “فيس بوك” لمناقشة أبرز التطورات الميدانية والسياسية مع متابعيه.
من يقف وراء محاولة الاغتيال؟
ليست هي الحالة المنفردة في مدينة حلب أو المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بالعموم، فالاغتيالات متعددة الأشكال باتت سمة رئيسية في كل منطقة “محررة” بالمفهوم العسكري والمحلي، ومعظم الحوادث التي غصّ بها الشمال السوري مؤخرًا سجّلت ضد مجهولين، بمن فيهم الجناة الذين حاولوا اغتيال هادي وصديقه حتى اللحظة.
من يقف وراء محاولة الاغتيال؟ هو السؤال الأكثر تداولًا من قبل الناشطين السوريين والإعلام المحلي والإقليمي، لا سيما أن العبد الله يحظى بشعبية واسعة وقبول وترحيب من قبل فصائل “الجيش الحر” وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى.
لن تفصح الجهة التي تقف وراء الحادثة عن هويتها أو تعلن مسؤوليتها، فلا ريب أن لها خلايا أعدت وتعد لعمليات اغتيال تطال قادة عسكريين وناشطين مؤثرين، وهو ما ذهب إليه معظم الناشطين والصحفيين السوريين، لكنهم اختلفوا في تسمية هذه الجهة.
ووفق ما رصدت عنب بلدي فإن الاتهامات بمحاولة اغتيال هادي وخالد كانت لأربع جهات رئيسية، أولها هو النظام السوري الذي يعدّ الأكثر استفادة من تغييب هادي، باعتبار أن الأخير ذا تأثير إعلامي كبير، ونجح في تغطية استهداف النظام السوري لحلب بشكل جيد، وهنا نتذكر وثائق تحدثت سابقًا عن أوامر مباشرة من قادة حزب الله بتصفيته خلال معركة القصير قبل ثلاثة أعوام.
أيضًا فإن آخرين ذهبوا لاتهام تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي سبق واغتال ناشطين سوريين في تركيا وسوريا على حد سواء، كسياسة يتبعها مع الإعلام المضاد له، لكن هذا الاتهام قوبل بتشكيك البعض باعتبار أن هادي لم يكن على احتكاك مباشر بالتغطية الإعلامية مع التنظيم.
كذلك رأى ناشطون أن فصائل جهادية اصطدمت سابقًا مع هادي قد يكون لها دورٌ في محاولة تصفيته، ومنها “جند الأقصى” و”جبهة النصرة”، وربط البعض هذه الحادثة بإغلاق راديو “فريش” في مدينة كفرنبل من قبل “جبهة النصرة”، إذ إن هادي كان يقيم في هذه المدينة وعلى علاقة وثيقة بالناشط رائد فارس مؤسس الراديو.
أجهزة الاستخبارات الدولية الموجودة على الأراضي السورية، قد يكون لها يد في الحادثة، بحسب ناشطين، مذكرين بحوادث اغتيال معقدة لا يقدر عليها فصيل أو تنظيم، أبرزها تصفية قادة “أحرار الشام” قبل عام ونصف، والهدف من ذلك خلق فوضى أمنية وتغييب أسماء ذات ثقل في المشهد السوري.
هادي العبد الله في سطور
هادي العبد الله، من مواليد مدينة القصير في ريف حمص الغربي عام 1987، تلقى تعليمه في مدارس مدينة حمص، ثم تابع تحصيله العلمي في كلية التمريض بجامعة اللاذقية.
انتقل العبد الله للعمل مدرسًا في كلية التمريض بمدينة حماة قبل نحو شهرين من انطلاق الثورة السورية، ثم ما لبث أن ترك عمله لينشط في تسليط الضوء على وضع محافظة حمص الملتهبة آنذاك.
اقترن اسم هادي العبد الله بادئ الأمر بالصوت الطفولي الذي كان يسمع يوميًا عبر الفضائيات، حيث اضطر لتغيير صوته كإجراء أمني لازم، أثناء حديثه عن التطورات المتسارعة في حمص، كناشط إعلامي وعضو للهيئة العامة للثورة السورية.
في معركة القصير على الحدود السورية اللبنانية، أيار 2013، خرج هادي (أبو عدنان) بالصوت والصورة ينقل تغطية ميدانية لمجريات معركة استمرت نحو 40 يومًا، وانتهت بسيطرة “حزب الله” اللبناني عليها وانسحاب “الجيش الحر”.
نشط العبد الله في تغطية معارك القلمون في ريف دمشق الشمالي الغربي، كذلك كان له وجود في معارك ريف حمص الجنوبي الشرقي، ثم انتقل قبل نحو عامين إلى محافظة إدلب، ليستقر بداية في مدينة كفرنبل، ويصبح أبرز ناشطي الشمال السوري.
لا تقتصر نشاطات هادي العبد الله على التغطية الحربية، فكانت له نشاطات إنسانية في الشمال السوري، وشارك في فعاليات داعمة للاجئين في تركيا أيضًا، وكان يسعى لإنشاء معاهد تعليمية في محافظة إدلب، حسبما أخبر عنب بلدي سابقًا.
المصدر: عنب بلدي