في ذكرى شيخ الشهداء محمد معشوق خزنوي

فدوى كيلاني
أحد عشر عاماً يمر، على ذكرى استشهاد شيخ الشهداء  محمد معشوق خزنوي،  وهوما جعلني وأنا في لحظة استذكاره  أن أتساءل:  ترى ما الذي يمكنني خلال وقفة عاجلة كهذه، ونحن في حضرة روح هذا العلم الكبير؟ ، لاسيما ليس رجل الدين، العالم، أو المفكر كما سماه بعض المقربين منه، أو الباحث، فحسب، وإنما هو-أيضاً- رجل الموقف الصلب، المبدئي الذي استطاع وفي فترة قصيرة من ظهور نشاطه العلني أن يترك أثره في نفوسنا جميعاً، كي نستذكره بعد هذه السنوات، بل بعد هذا الدم السوري الهائل، أو بعد هذا الدم الكردي النفيس والغالي، كعلم بارز، ربما قال القليل بحسب المطلعين على تجربته، لكنه هائل و مؤثر، وهنا مكمن سر ترسخ بصماته على نفوس من عاصروه، وليس من عرفوه عن قرب فقط.
لقد عدت خلال فترة تكليفي بهذه المشاركة إلى بعض أهم وأصدق المصادرالتي كانت جد قريبة من الشيخ الشهيد، وفي مطلعها تلك منهل تفاصيل يوميات فترة اختطافه، وتفاصيل فترة ما بعد استشهاده، وصدمة الملايين من أهله الكرد بما تعرض له من عملية اختطاف مدانة في العاشر من أيار، وامتد ذلك حوالي عشرين يوماً، إلى أن اعترفت أجهزة النظام بأنه قد دفن في مدينة ديرالزور، عبر ما سمته عبر ناطقيها الرسميين، وإعلامه نتيجة جريمة جنائية، فاطلعت على تلك التفاصيل التي تمت، من جديد، بعد أن كنت تابعتها، وإن عن بعد كوني كنت في المغترب، غير أن الشيخ الشهيد كان عضواً في أكثر من هيئة كنت أعمل فيها، حقوقية، ونقابية كتابية، من أوائل هذه الهيئات التي شجع انطلاقتها وانضم لها شرفياً: وفي هذا ما يعني أن ثمة وحدة حال بيننا، ناهيك عن الرابط الأقوى: رابط كرديتنا، رابط موقفنا من آلة النظام، رابط اهتمامنا بالكلمة.
أستطيع القول: إن الشهيد الخزنوي كان شهيد الكلمة بامتياز، فهو لم يقتل كما قال أحد المقربين منه نتيجة عامل ثأرعشائري، أو سواه، بل قضى واقفاً نتيجة الآراء التي طرحها بجرأة كبرى، من دون أن يخشى في قولة الحق لومة لائم.
لقد اطلعت عبرالمرجع الذي وقع بين يدي، أن شيخنا الجليل كان يتمتع بكاريزما حقيقية . هذه الكاريزما كانت وراء هذا المصيرالمفجع الذي تعرض له. إذ اختطف على أيدي بعض أزلام أجهزة أمن النظام، وفق مخطط مرسوم للقضاء على هذا الصوت النظيف
إن خطورة اسم الشهيد الخزنوي على النظام السوري هوأنه قد جاء من خلفية دينية، هذه الخلفية الدينية طالما أقلقت النظام، ناهيك عما يتمتع به من علاقات واسعة في الوسط الثقافي كما السياسي كما الاجتماعي: كردياً وسورياً، وهذا مادفع كثيرين من حوله أن ينبهوه كي يهتم بنفسه، بل أنه وبحسب المصادرالتي وقعت بين يدي كان قد أعلم ذويه بأنه إن حدث له طارئ ما أن يتصل باثنين من المقربين منه، ممن كانت له بهما ثقة كبيرة، وهوماحدث، غيرأن الواقعة وقعت، وأن قاتله يبدولم يصبرعليه، بعد أن استدرجه وفق الرواية الشائعة، مستغلاً عاطفته، وإنسانيته.
كان للهيئات التي يعمل بها إلى جانب أعداد من الناشطين وبعض الأحزاب الكردية: أقول للأسف بعض الأحزاب وليس كلها دورا كبيرا في التضامن معه،، غيرأن الأقدار كانت أقوى، ولذلك فإنه في يوم الأول من حزيران2005 أي بعد حوالي عشرين يوما من اختطافه. تم الإعلان عن استشهاده، النبأ الحزين الذين هز أربعة أجزاء كردستان، وهز الكرد في الوطن والمغتربات، ولعلكم تعرفون كيف أقيمت له مئات حفلات التعازي في أنحاء العالم.
لابد من أن نعترف أن هناك من وقف ضد سطوة اسم الشيخ، وحاربه تحت هذه الذريعة أوتلك، وهومايستمرإلى الآن، أي أن الحرب على الشيخ لماتزل مستمرة حتى إلى هذه اللحظة، وأعفي نفسي من تسمية هؤلاء لأنهم يعيشون بيننا ونعرفهم، ونعرف خلفيات أحقادهم.
وأخيراً، فإنني أقولها أيضاً بدوري:
“إن فرادة – مشروع – الشيخ محمد معشوق الخزنوي ، أتت انطلاقاً من اعتبارات عديدة ، تكاد لم تتهيأ إسلامياً ، وكردياً ، لأحد من أقرانه العلماء المعاصرين ، ذلك لأنه بات يتجاوز مرحلة تشكيل ملامح الظاهرة الخاصة ، لتصل إلى مرتبة تكوين مدرسة تحمل اسم رؤاه ،لدرجة توافر المقومات التي تمنح مثل هذه المدرسة علاماتها الفارقة حقاً، من قبل هذه الشخصية الواحدة في تعددها ، والمتعددة في واحديتها ، وهو نتاج فهم يكاد يكون دقيقاً لها ،بما لها وما عليها،أحاول عبره تغليب العقلاني الموضوعي على جموح العاطفة ،إزاء سطوة هذه الشخصية ،قدر الإمكان ، كي أداني،أو أتبنى – في هذا المقام – آليات الاستقرار لدى شخصية الشيخ معشوق،شخصياً،هذه الشخصية التي لا تشبه إلا ذاتها”.
 
*الكلمة التي ألقيت في احتفالية إسن الألمانية29-5-2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…