تيار مواطنة
كما هي العادة نعى الكثيرون بيان فيينا 3 حتى قبل أن يصدر فعلياً ، حتى أن بعض المواقع، التي تنتمي إلى المعارضة السورية الديمقراطية ،كانت قد نعته ،و قامت بقص ولصق البيان من إحدى الصفحات دون أن تكلف نفسها عناء مراجعته لتنتبه إلى خطأ ورد فيه نتيجة القص واللصق من مصدر ما.
هذه العقلية التي مازالت تطغى على قسم ليس بالقليل من المعارضة السورية ، والتي اعتادت على الرفض قبل أن تفهم حيثيات الأمر ، وتتفهم الوقائع العنيدة التي تحكمه ، هي بالتأكيد ليست السبب الأساسي للمأزق السوري ولكنها ، أي هذه العقلية ،بلا شك أحد أهم عوامل فشل المعارضة في إدارة الصراع ، بل قل الكارثة السورية ، على مدى السنوات الخمس المنصرمة.
وعلى الرغم من أن بيان فيينا 3 لن يخرج الزير من الببر -كما يقال – إلا أنّ من يبحث مدققاً يمكن أن يجد فيه معطى إيجابياً مفيداً ، فلقد أكّد المجتمعون في فيينا على ضرورة استمرار وقف الأعمال العدائية ،وتوسيع مجال شمولها ، بالترافق مع تهديد مبطن للأطراف التي لن تلتزم بهذا الوقف ،”ويشمل ذلك استبعاد هذه الأطراف من ترتيبات وقف الأعمال العدائية ، ومن الحماية التي يكفلها لهم ” . ” فإن التقاعس عن وقف الأعمال العدائية و/أو عدم السماح بوصول الإغاثة الإنسانية، سوف يزيد من الضغط الدولي على من تقاعسوا عن الوفاء بالتزاماتهم ” لكن البيان أغفل الإشارة إلى الأطراف التي انتهكت الهدنة ، بالرغم من إعادة التأكيد على تصنيف جبهة النصرة وداعش كمنظمتين إرهابيتين، مطالباً أطراف الهدنة بعدم التعاون مع هذين التنظيمين ،وبالمقابل يتعين على الأطراف التي تتخذ إجراءً ضد هذين التنظيمين ، أن تتجنب أية هجمات على المدنيين وعلى أطراف الإتفاق ،وهذه إشارة واضحة إلى النظام السوري والاتحاد الروسي في قصفهم للمدنيين ولبعض فصائل المعارضة.
استفاض البيان في مسألة المساعدات الإغاثية وفي ضرورة إيصالها للمناطق المحاصرة ،وفي وضع خارطة لتنفيذ برنامج المساعدات الفورية ،كما دعا برنامج الغذاء العالمي إلى البدء بتنفيذ هذا البرنامج ،عبر إقامة جسور جوية للمناطق التي يصعب الوصول إليها برياً.
وبالمقابل عبر البيان بشكل ملتبس عن مفهوم الانتقال السياسي الذي حدده المجتمعون ب “هيئة رئاسية انتقالية عريضة وجامعة وغير طائفية ،تتمتع بسلطات تنفيذية كاملة ” وهذه الصياغة الملتبسة مفهومة لجهة تنازع واختلاف المصالح الدولية والإقليمية حول مخارج المأزق السوري ، فمن الواضح تماماً أنه لا توجد خارطة طريق متفق عليها من قبل الأطراف الفاعلة في الوضع السوري هذا من جهة ،ومن جهة ثانية وربما هي الأهم في هذه المرحلة ،لا يزال التشتت العسكري والسياسي في طرف المعارضة السورية ،يرخي بظلاله على كل الجولات التفاوضية ،وحتى الاستشاري منها .
حتى أمد قريب كان النظام لوحده في قفص الاتهام ،وكانت كل الأنظار مركزة على كيفية التخلص منه وتحقيق مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة ، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ، فقد ضاقت دائرة أصدقاء الشعب السوري ،وبات قفص الاتهام أوسع مما كان عليه ، الأمر الذي أعطى النظام متسعاً من حرية الحركة والتنفس العميق ، ونحن إذ لا ننكر دور وأهمية الدعم الروسي والإيراني وحزب الله للنظام الأسدي المارق ، فإننا لا يجب أن نغفل تبعات فشل المعارضة في تقديم قوة سياسية وعسكرية موحدة ومتماسكة ،يستطيع الأصدقاء الاعتماد عليها ،ويهابها الاعداء ،وتشكل بديلاً حقيقياً عن النظام المتوحش .
إن وجود النظام كقوة عسكرية وسياسية متماسكة ، فيما لا تزال المعارضة منقسمة إلى أكثر من 50 مجموعة مسلحة،تتوزع الولاءات فيما بينها داخلياً وخارجياً حسب مصلحة الأطراف الداعمة ،وليس حسب مصلحة السوريين،الأمر الذي زاد من تعقيدات الوضع السوري وعمقها ،وانعكس بشكل كارثي ليس فقط على الثورة السورية ، بل أحرج الأصدقاء أيضاً بمن فيهم الأمريكان والأوربيين ،وهذا ما ظهر جليا في بيان فيينا الأخير .
من الضروري والمفيد تماماً ،أن تعي قوى الثورة أن قضية الارهاب هي التي تحكم مسارات الصراع الدولي والإقليمي بالإضافة إلى المحلي ،فأغلب الأطراف تخوض الصراع تحت شعار مكافحة الاٍرهاب وقد تواجهه ،أو تهادنه أحيانا وفق أولوياتها… وهذا يتطلب من فصائل الثورة وجمهورها موقفاً حصيفاً شجاعاً يعلن التخلي عن جبهة النصرة نهائياً ، مثلما تم التخلي سابقاً عن داعش ، وبتوجه شعبي عبر عن نفسه في عدة مناطق للمعارضة كان آخرها معرة النعمان .
إن الاستمرار في دفن الرأس في الرمال والالتفاف على الحقائق التي تفقأ العيون ،لن يأتي إلا بالمزيد من الدمار والضرر للثورة ، فجبهة النصرة المصنفة إرهابية، كفرع من فروع القاعدة ،حتى وإن حاربت النظام أو داعش أحياناً ، فهي تفعل ذلك بما يخدم أجندتها الخاصة العابرة للجغرافيا السورية والمتجاوزة لقيم ثورة الحرية والكرامة .
تيار مواطنة 23/05/2016