كُرد سوريا و«مائة عام من التأخير»..

حسين جلبي
حشدت شخصيات وأحزاب كُردية سورية لفعالية ستقام يوم 14 أيار المقبل في مدينة كولن أقصى غربي ألمانيا، وذلك للتنديد باتفاقية سايكس ـ بيكو، التي جرى توقيعها قبل مئة عام بين ممثلي فرنسا وبريطانيا، عندما كانت الحرب العالمية الأولى في أواخر أيامها، وهي الاتفاقية التي لا زالت الخرائط التي انتجتها صامدة، رغم محاولات خجولة لكسرها، عبر ثورات أو عمليات وحدوية لم يكتب لها النجاح.
إن احياء هذه المناسبة كُردياً بهذا الشكل، يثير سؤال “الزمان والمكان المناسبين”، فالاحتجاج على الاتفاقية، التي مضى على توقيعها مئة عام، وكان من المفترض أن يقوم به الآباء والأجداد حينها يتأخر إذاً قرناً كاملاً، ويقوم به الأبناء والأحفاد، كما أن لا علاقة لألمانيا، ومدينة كولن تحديداً بالاتفاقية التي كتبها ووقع عليها ممثلي بريطانيا العظمى وفرنسا حينذاك، وهما الدولتين المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى، في حين كانت ألمانيا جزءاً من الهزيمة خلالها، 
من جهة أُخرى فالاتفاقية نفذت في مكان يبعد آلاف الكيلومترات عن المكان الذي سيجري فيه الاحتجاج، وهو المكان الذي أدار المحتجون له ظهورهم لهذا السبب أو ذاك، بحيث يمكن القول بأنهم بعيدون حتى رمزياً عن الحدود التي رسمتها تلك الاتفاقية، وفي قلب المكان الذي ارتبط مؤخراً في الذاكرة الألمانية بأسوأ اعتداء جنسي، جرى خلال أعياد الميلاد الماضية، وكان يقف خلفه أشخاص معظمهم من خلفيات مهاجرة.
الاحتجاج ضد سايكس و بيكو الغائبَين، يقتضي الاحتجاج ضد ورثتهم الحاضِرين، وإذا ما تتبعنا ما يجري في المناطق الكُردية في السنوات الأخيرة، خاصة في سوريا وتركيا نجد بأن حزب العمال الكُردستاني وتفرعاته هم من أشد المعادين للدولة القومية الكُردية، وبالتالي هم الوحيدون ـ ربما ـ كُردياً الذين يسعون إلى الحفاظ على الحدود التي رسمتها الاتفاقية والدفاع عنها، فهم الذين يقولون بأنهم “ألقوا فكرة الدولة القومية في حاوية الزبالة”، وهم الذين يقولون بأنهم يناضلون من أجل تحقيق الديمقراطية لتركبا بحدودها الحالية، وهي الدولة التي انطلقت منها حركتهم التحررية، وهم الذين يرفعون شعار “أخوة الشعوب” الذي يعني تكريس حدود الدول التي يعيش فيها الكُرد، واقتصار عملهم فيها على تقديم القرابين من أجل التقرب من الحكومات التي يعيشون تحت ظلها، وهم الذين يقولون بأنه ليس من أخلاقهم التفكير باقامة كيان قومي كُردي، لا بل يذهبون إلى حد القول بأن استقلال كُردستان ليس من مشروعهم، وبأنهم لن يسمحوا بتقسيم سوريا والعراق، ولن يسمحوا بإقامة دولة قومية كُردية حتى في إقليم كُردستان العراق، ويذهبون إلى حد الانخراط في التحالفات التي تستهدف تحطيم تلك التجربة، هذا عدا عن احاطتهم المناطق الكُردية السورية، بسوار ناري خاصةً من جهة إقليم كُردستان، يضيقون فيه على كل كُردي يحاول عبوره، وقد قتل بعضهم بنيران حرس الحدود المتواجدين هناك، وتعرض الكثيرون لاجراءات مهينة، وعمليات سلب رسمية خلال محاولتهم العبور. 
الواقع هو أن احتجاج كولن المقبل يترافق مع أسوأ الانتهاكات التي تجري في المنطقة الكُردية السورية، والتي تقابل بالتجاهل من معظم المعنيين بها، خوفاً ربما أو لأسباب أُخرى، فعلاوة عن التهجير الذي بلغ أقصى مداه، وقلب ديمغرافية المنطقة رأساً على عقب، والذي يعتبر الكثير من محتجي كولن من ضحاياه، واضافةً إلى القمع والتجويع، اللذان لم يشهد الكُرد لهما مثيلاً، حتى عندما كان نظام الأسد في أوج قوته فإن مستقبل الكُرد يجري ضربه في الصميم من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وبتشجيع من نظام الأسد نفسه، من خلال تحول الحزب إلى أداة ضاربة، متعددة الاستعمالات بيد ذلك النظام، وكذلك عبر عملية تجهيل وعسكرة المنطقة، وبشكل خاص من خلال تصاعد عمليات اختطاف الأطفال الصغار من مدارسهم مؤخراً، ومنهم بنات صغيرات في السن، تدور أعمارهن حول العاشرة، يجري اجبارهن على حمل السلاح في صفوف قوات حماية الشعب، وقوات حماية المرأة التابعتين لحزب الاتحاد الديمقراطي، أو ارغامهن على أعمال السخرة في معسكرات تلك القوات، كما حدث مؤخراً، دون أن يلقى ذلك سوى احتجاجات خجولة.
يتهرب معظم الناشطين الكُرد عادةً عن تحمل مسؤولياتهم الواقعية، ويهربون منها إلى قضايا سهلة لا تسبب لهم صداعاً، من قبيل الهتاف ضد سايكس و بيكو الميتين منذ قرن وبلغة لا يفهمانها، و في مكان بعيد حتى عن قبريهما، أو عن المكان الذي قاما برسم ملامحه، لكننا إذا وجهنا سؤالاً محدداً يقع ضمن حدود الاختصاص، وطلبنا عليه رداً محدداً، فسنجد أن أقصى أكثر اجابة يمكن أن نحصل عليها هي “لا حول ولا قوة إلا بالله”، بحيث لا يعرف السائل القصد من الإجابة، ومع أي جهة يصطف صاحبها، فقد جرت خلال الأيام الماضية في ريف مدينة كوباني/عين العرب أحداث خطف كثيرة لتلميذات صغيرات في السن من مدارسهن لغاية تجنيدهن، بحيث يمكن صياغة السؤال الكُردي، بالنسبة لإحدى الحالات على الشكل التالي: “كيف كنت ستتصرف لو كنت مكان ذلك الأب – الرهينة “عبدو شيخ بوزان” الذي تحتجزه قوات حماية الشعب في كوباني منذ أربعة أيام بدلاً عن ابنته “سميرة” ذات الثلاثة عشر ربيعاً، والتي كانت جماعة صالح مسلم قد خطفتها من مدرستها لتجنيدها قسرياً في صفوف قوات حماية المرأة، وتمكن هو من تهريبها إلى تركيا بعد حصولها على إجازة لمدة يومين بسبب مرضها، في حين ألقت قوات الحماية الشعب القبض عليه بتهمة اختطاف ابنته، وإلى حين قيامه بإعادتها إلى المعسكر، تحت طائلة محاسبته بإعتبار فعلته جريمة قتل بحقها؟”.
لا إجابة طبعاً، الكل مشغول بالاحتجاج على سايكس ـ بيكو. لكن ربما بعد مائة عام، سيخرج من يحتج ضد ورثة سايكس ـ بيكو، وضد ما يقومون به اليوم، هذا إذا بقي أحد.
12.05.2016

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…