لم أحضر المؤتمر – 1/2

الدكتور محمود عباس  
  من الأخطاء المتداولة، عند الحركة الكردية، تناسيها أو إهمالها المقصود للدراسات المقارنة، بين نفسها والأخرين، وتغييب النقد المنطقي، وتأخير البعد القومي أو الوطني على حساب التباهي أو التفضيل الحزبي، وهي من الأسباب المؤدية إلى تلكؤها، وتكرارها لأخطائها، وخساراتها المتتالية، وتوسيع هوة الخلافات فيما بينها، وزيادة التشتت. والأنكى منها أساليب عرض الذات كمقياس عند نقد الأخرين، على أنه الأمثل والأفضل، وهو في الواقع وباء فكري عندما يبقى منحصراً ضمن المنظور الذاتي ويحجم عنه الوطني أو القومي، رغم غياب الخدمات، الفكرية أو التوجيهية أو العملية الممكنة التباهي بها أمام الشعب.
 الحركة الثقافية هي أول من يتطلب منها الانتباه إلى هذه المعضلة، وفي مقدمتهم منظماتها وكتابها، وهم آخر من يجب أن يتباهوا بالذات عند تقديم الخدمات، ليكونوا المثال ليس فقط أمام الشعب، بل أمام الأحزاب السياسية، والتي لا تزال تجتر الأساليب الكلاسيكية المستهلكة في كل شيء، ومنذ أكثر من نصف قرن. فمعظم ما تستخدمه من طرق النضال هي ذاتها المقدمة أو المستعملة من قبل الأعداء، تقلدها، أو تطبقها بحرفيتها، فلذلك أصبحت ومنذ بدايات نشوئها طعماً سهلا للأعداء، توقع بهم، وتجرهم إلى حبائلها، وتسخرهم كأدوات لأجنداتها عن اللزوم، وهم في معظمه لا حول لهم ولا قوة.
   ومن المؤسف انعكس هذا الوضع على الحركة الثقافية الكردية في غربي كردستان، وأدت إلى ظهور الانشقاقات أو لنقل ظهور عدة منظمات، والنتيجة أضعاف الحركة، وتقليص دورها وتأثيرها، وانخفاض صوتها، في الساحتين السياسية وعلى مسيرة الشعب، في الوقت الذي كانت فيه على حركتنا الثقافية أن تكون صاحبة القرار لا تابعة للحركة السياسية، مع ذلك ولنتمكن من إنقاذ حركتنا من براثن الأحزاب الضعيفة بحد ذاتها، وبالتالي أذلال دور القوى الإقليمية على قرارات حركتنا السياسية، يجب ألا تتوقف الحوارات وتبادل الآراء بين الأطراف الثقافية، فعلى قدر ووساعة وشمولية هذه النقاشات تتبين سوية ونباهة وجدارة الحركة الثقافية.
 رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، أو حسب أسمها الجديد (الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا) حاولت منذ نشأتها عام 2004م وحتى مؤتمرها الاستثنائي، المنعقد في مدينة إيسن بألمانيا، في 17 نيسان الجاري 2016م، الخروج من تلك الأطر الكلاسيكية، ب: التخلص من التبعية للقوى السياسية، وعدم التمسك بالتنظيم الكلاسيكي لهيكلها، وإدارة ذاتها كمنظمة ثقافية مستقلة، والقدرة على الاحتفاظ بحرية الرأي، رغم وجود اختلافات فكرية سياسية حول بعض القضايا ضمن الهيئة الإدارية أو بين أعضائها، وتقبلها وبحكمة، كرابطة، النقد وقبول الرأي الأخر. وبهذه: تمكنت من تجاوز الكثير من المصاعب والمطبات التي صادفتها، أو خلقتها الأحزاب السياسية، لجذبها إما إلى جانبها، أو فرض التبعية عليها، وبالتالي مواجهة هيمنة وحبائل القوى الإقليمية الفكرية والثقافية. 
  لم أحضر المؤتمر الاستثنائي، ولأسباب ذاتية، كان مخططاً أن أشارك فيه خلال الأنترنيت (السكاي بي أو البالتاك) كنائب رئيس للرابطة (الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا) ولكن ولأسباب تكنيكية لم تحصل المداخلة، ولا الاستماع أو الاشتراك في جلسات المؤتمر، وعلى الأغلب لم يورد ذكر لأسمي إلا بشكل عرضي. لكن نقل لي معظم التفاصيل، سلبياته وإيجابياته، أين أخطأ الإخوة وأين تم النجاح، والكثير من التفاصيل ومجريات ذاك اليوم، وبناءً عليه وعلى كتابات بعض الإخوة، ومقالاتهم المنشورة، الذين تناولوا المؤتمر من جوانب عديدة، إلى جانب ما وصلني شفهيا كنقد، استنتجت: 
1- أن المؤتمر أو الاتحاد بحد ذاته، كغيره من مؤتمرات الحركة الثقافية لم يتجاوز السقف الطبيعي لما سبقه من المؤتمرات، مع استثناءات بسيطة غير كافية لوضعها كقفزة نوعية في مسيرة الحركة الثقافية، رغم احتلاله حيزا واسعاً بين الأوساط الثقافية الكردية وغير الكردية، ويبنى عليه ك(اتحاد) بعض الآمال.
2- رغم الرسائل العديدة، من الأحزاب والأدباء والسياسيين والمثقفين المستقلين، ومشاركة عدة أحزاب ومنظمات ثقافية متنوعة، لكنها لم تتناول القضايا الرئيسة في المنطقة بالعمق المطلوب، ولم تبحث في القضايا المؤدية إلى تباعد الحركة الثقافية عن بعضها والخلافات الموجودة، وأسباب عدم قدرتها التأثير على الحركة السياسية الكردية، وغيرها من القضايا المصيرية، والتي كان يجب أن تركز عليها حوارات المؤتمر، خارج الرؤى الحزبية.
3-  ظلت هناك في قاعة المؤتمر طاقة لم تفتعل، فرغم عدم التحضير التام له، كان الحضور ملفتاً، شارك فيه نخبة من الكتاب والمثقفين والفنانين الكرد من غربي كردستان، ورغم ضيق مساحة قاعة المؤتمر إلا أن العديد من الإخوة فضلوا الاستمرار بالبقاء واقفين، لكن الحوارات والنتائج كانت أقل من سوية ذاك التجمع الثقافي، ولربما لهذه أسبابها منها ضيق الوقت، وعدم التحضير المسبق وغيرها من الأسباب الروتينية المؤثرة.
4-  ولا شك، هذه واحدة من الأخطاء الفنية، تحسب على لجنة التحضير للمؤتمر، منها: عدم التناسب، ما بين عدد المدعوين وحجم القاعة، وتبرر لهم من جهة أخرى، بسبب إمكانيات الاتحاد المادية، والتي هي من نتائج استقلالية الرأي في الواقع الكردي، وعوضت الهيئة الإدارية عن هذا النقص بأنها رغم المعاناة لم تتنازل ورفضت التبعية للحصول على دعم مادي، ومن جهات سياسية حاولت استغلال هذا الجانب، لكن الهيئة الإدارية في الرابطة فضلت المعاناة المادية على الهيمنة.
 وإلى جانب هذا الكم من الحضور كانت هناك رسائل اعتذار عمن غاب، مرفقة بالتهنئة والتمنيات بالنجاح. والهيئة الإدارية قدمت وتقدم جل تقديرها واحترامها للحاضرين وممن لم يتمكنوا، وبهم ومعهم وبمشاركتهم فقط، يمكن تجاوز ما سيعترض الاتحاد من المصاعب، وتجاوز الأخطاء في المستقبل، مع الإيمان التام بأنه لا يوجد كمال، والأخطاء تزداد عندما لا تكون هناك: شراكة جماعية، وتبادل في الآراء، وتقبل النقد ودراسته بعمق.
 الرابطة سابقا، والمؤتمر الاستثنائي، تخللهما العديد من الأخطاء، ومن المهم إبرازها ودراستها لتفاديها أثناء المسيرة، ومن جملتها، ضمن المؤتمر: 
1- غياب أطراف ثقافية من جملة الحركة، ومعها أيضا غياب جهات حزبية، متعمدة أو غير مدعوة. وتسلط الخطاب السياسي على الكلمات الملقية وفي بداياته.
2-  والاهم من كل هذا غياب الإخوة من الداخل، ولهذا مبرراته، منها ضعف قدرات الاتحاد المادية والمؤدية إلى عدم تسخير الإمكانيات الانترنيتية ضمن المؤتمر لتقديم الخدمات، إلى جانب أن الداخل أيضا يعيش حالة المعاناة بكل جوانبها، ومنها هذه الخدمة، ولا شك غيابهم لا يعني بالنسبة للهيئة الإدارية أن أراءهم وطروحاتهم ومقترحاتهم ستهمل، بل جميعها ستتم مناقشتها كأوراق من ضمن ملفات المؤتمر، وبدون الداخل لا يكتمل الاتحاد، رغم أن الظروف الجارية تفرض علينا تبادل الواجبات ما بين الداخل والخارج …
يتبع…
الدكتور محمود عباس  
نائب رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
30/4/2016
افتتاحية جريدة بينوسا نو العدد(48) الناطقة باسم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…