نظمت جمعية الصداقة الكردية – العربية ندوة بعنوان “العلاقات الكردية – العربية أمام التحديات” في مقر رابطة كاوا للثقافة الكردية بأربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. شارك في الندوة رئيس جمعية الصداقة الكردية العربية صلاح بدرالدين والكاتب والمفكر العراقي د. عبد الحسين شعبان والأستاذ في جامعة صلاح الدين د. شيرزاد نجار.
تحدث السيد صلاح بدرالدين في محاضرته التي كانت بعنوان (العلاقات الكردية – العربية في مواجهة التحديات) عن العلاقة بين العرب والكرد كشعبين وأمتين وتعايشهما وتمازج حضارتيهما منذ فجر التاريخ وذكر على سبيل المثال عهد الأيوبيين واتحاد الكرد والعرب وبقية مكونات المنطقة ضد الحملات الغازية الخارجية وامتزاج دماء هذه الشعوب والأقوام الصديقة دفاعا عن الوجود المشترك
وقال: “بحسب نتائج التقسيم الاستعماري بداية القرن العشرين ضم جزئين من بلاد الكرد الى الدولتين الحديثتين العراق وسوريا من دون ارادة الكرد والعرب ومنذ وضع دستور البلدين التأسيسيين واعلان الاستقلال الذي ساهم فيه الكرد لم يراعى وجود وحقوق الكرد.”
وأكد بدرالدين أن رسم حدود سايكس – بيكو أثر سلبا على الشعبين الكردي والفلسطيني وقال أن وضع الكرد في سوريا والعراق ساء بشكل ملحوظ منذ مجيء حزب البعث الى سدة الحكم في البلدين عبر الانقلابات العسكرية حين تحولت سياسة الانكار الى سياسة ممنهجة لتصفية الكرد خاصة في العراق والامعان في اضطهادهم وحرمانهم كما في سوريا وذكر دور ثورات الربيع العربي التي بدأت قبل 5 سنين على يد الفئات الشبابية المستقلة والتواقة الى الحرية والكرامة في ابراز الحقائق التي كانت مغيبة من قبل أنظمة الاستبداد في المنطقة وقال بدرالدين: “هناك جملة تحديات تواجه مسيرة علاقات الشعبين ومن أبرزها مسألة الاعتراف بالبعض وقبول البعض الآخر وجودا وحقوقا حسب مبدأ حق تقرير المصير. والتحدي الثاني هو مواجهة نوعين من الارهاب الدولتي كما في النظام السوري والداعشي ومدى امكانية التغلب على محور دمشق – طهران – موسكو الذي يحاول استثمار القضية الكردية عبر أنصار حزب العمال الكردستاني لأغراض مصلحية خاصة والتحدي الثالث هو ترتيب البيت الكردي من الداخل والرابع يتعلق بالحالة الكردية في سوريا حيث تطور موقف قوى الثورة والمعارضة ايجابيا حيال حقوق الكرد أمام الموقف الشوفيني العنصري لنظام الأسد الاستبدادي اما التحدي الرابع فهو نظري حيث تظهر مقولات مخالفة لمنطق التاريخ كالقول بفوات أوان مبدأ حق تقرير المصير والتحدي الخامس والأخير هو العمل الجاد من جانب النخب الفكرية والثقافية والسياسية من الكرد والعرب والقوميات الاخرى لتعزيز علاقات الشعبين.”
وأشار بدرالدين الى أن حل القضية الكردية في سوريا بشكل سليم وعادل يخضع لتوفر ثلاثة شروك أولها الاجماع الكردي وثانيها التوافق الكردي العربي السوري وثالثها تحقيق النظام الديموقراطي .
واختتم بدرالدين حديثه بضرورة التحلي بالتسامح وحذو مثال السيد رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني نموذجا في هذا المجال وشدد على أهمية مواجهة الواقع كما هو بمنتهى الصراحة وتغييره نحو الأفضل.
ومن ثم تحدث المفكر العراقي د.عبد الحسين شعبان بكلمة تحت عنوان (جيوبوليتيك القضية الكردية من منظور مستقبلي) في محاولة لاستشراف آفاق القضية الكردية وحلها في المنطقة وركز على راهنية ومستقبلية القضية الكردية والحركة التحررية الكردية في كردستان العراق بشكل خاص التي اعتمدت العقلانية ومبدأ اللاعنف لتحقيق أهدافها المشروعة وقال: “هناك وحدة مصير أي مصير مشترك بين العرب والكرد، مثلا ما حدث في اقليم كردستان مؤخرا حيث التجأ الاف العرب العراقيين الذين فروا من التمييز والظلم وإرهاب داعش من مناطقهم وبيوتهم الى إقليم كردستان التي حمت العرب العراقيين ووفرت لهم الملاذ الآمن والأمن والأمان.” وذكر شعبان أن هناك عامل دولي وإقليمي يؤثر على تطور القضية الكردية في المرحلة الراهنة وهناك دور العامل الاقتصادي حيث أن مدينة أربيل حاليا هي مدينة عالمية كبرى مزدهرة اقتصاديا لا يمكن الاعتداء عليها واجتياحها كما كان يحدث في السابق بكل سهولة وهي خط احمر لا يمكن لأحد تجاوزه سيما مع الدور البارز للإقليم ككل في محاربة الارهاب.
ثم تطرق شعبان الى مستقبل القضية الكردية في تركيا وإيران وأكد أنه هناك ثلاث احتمالات لمستقبل هذه القضية وقال: “هناك احتمال أن يبقى الوضع كما هو عليه الآن أو أن يتم الرجوع إلى القديم أي إعادة القديم إلى قدمه وهناك احتمال حدوث تغييرات جيوبوليتيكة راديكالية أي جذرية نحو توثيق كيانية اقليم كردستان والانتقال الى كونفدرالية أو دولة مستقلة في كردستان العراق. ولا يمكن المراوحة في المكان أو التراجع بل يجب حدوث تقدم نحو الامام وهذا يعني أن اتفاقية سايكس – بيكو قد انتهت عمليا واهترأت ولامجال لترقيعها او احيائها لأنها تآكلت سيما بعد ما قامت به داعش بهذه الحدود التي وضعت عام 1916 في سوريا والعراق.”
وأنهى السيد شعبان محاضرته بالحديث عن ثورة ايلول 1961 في كردستان العراق التي جاءت بعد القضاء على الاستعمار اي الكولونيالية وحدوث انبعاث الهويات الفرعية في انحاء العالم وتفكك دول مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا السابقتين.
أما د. شيرزاد نجار فقد ركز في حديثه على العلاقات المتينة بين الشعبين الكردي والعربي وأكد انها ليست علاقات وقتية أو طارئة بل هي علاقات طبيعية لها جذور تاريخية وثقافية ودينية ونفسية وقال: “إن هذه الروابط والأواصر قديمة وعريقة وسوف تستمر وتبقى طالما أن الشعبين العربي والكردي يعيشان متجاورين ومعا. بمعنى أنه لا يمكن الغاء هذه العلاقات وهناك أمثلة تاريخية كثيرة وشواهد عن طبيعة هذه العلاقة القوية والمتجذرة في عمق التاريخ كمثال القائد صلاح الدين الأيوبي ودفاعه عن دين الاسلام المشترك بين الشعبين وعن هذه الروابط.”
وأشار نجار إلى ضرورة تطوير هذه العلاقات عن طريق الحوار الذي لابديل عنه والحوار يجب أن يشمل مثقفي الكرد والعرب وكذلك الفرس والترك وهذه الأقوام تشكل صلب التواجد البشري في هذه المنطقة: “يجب على النخب الثقافية لدى كل شعب ومتنوري هذه الشعوب سيما الشعبين العربي والكردي العمل على ارساء ثقافة الحوار ووضع أسس متينة لتطوير هذه العلاقات والروابط العتيقة والتوجه بها نحو مستقبل أفضل بناء على قراءة متأنية وموضوعية وجديدة لهذه العلاقات بهدف التحرر من سيكولوجية الخوف والقهر والتحول الى التسامح والعفو الذي لا يأتي مجانا وهباء بل لابد من تقديم تضحيات كبيرة في هذا المضمار. أي ابعاد العنصرية والشوفينية وإحلال التسامح والعفو محلها. لكن التسامح يجب أن يأتي بعد المصارحة والاعتراف بما ارتكب سابقا من قبل الأطراف.”
وفي نهاية الندوة التي أدارها د. صاحب قهرمان وحضرها جمهور كبير من المهتمين بموضوعة العلاقات الكردية – العربية، تم فتح باب الحوار والمداخلات حيث قدم الحضور مداخلاتهم وأسئلتهم ورد عليها المحاضرون.
الهيئة الادارية لجمعية الصداقة الكردية – العربية
أربيل – كردستان العراق
10/5/2016