درويش محما
لا يختلف اثنان، ان الرئيس التركي اردوغان، لما يقارب القرن من الزمان، من تاريخ دولة آل عثمان، بين اقرانه من الرؤساء واصحاب الشأن، هو الاقرب للكرد والاكثر تجاوبا مع قضاياهم. فبالله عليكم، هل تساءلتم يوما. لما كل هذا العداء والغل والضغينة من قبل حزب العمال الكردستاني الـ(ب ك ك) تجاه الرجل وحزبه وحكومته؟
ففي ظل ادارة اردوغان وقيادته، رئيسا للوزراء تارة ورئيسا للجمهورية تارة اخرى، شهدت المناطق والولايات الكردية ـ كردستان تركيا ـ اكبر نهضة اقتصادية، حيث فتحت الطرق والمطارات، وشيدت المشافي والجامعات، وازدهرت الزراعة والتجارة, واقيمت الصناعات، وتحسنت احوال الناس، وتوافرت الاعمال والاموال، كل هذا بدعم من حكومة حزب العدالة والتنمية وبفضل اردوغان، وتركه لسياسة الافقار والتجويع التقليدية المتبعة من قبل انقرة ضد كردها، تلك السياسة السيئة الصيت، التي كانت تهدف دوما الى ابقاء الكردي في حالة يرثى لها من التخلف والجهل، بغية اخضاعه وطمس هويته القومية.
ايضا، وفي ظل ادارة اردوغان وقيادته، وللمرة الاولى في تاريخ تركيا، لم يعد الكردي ـ التركي يخشى الافصاح عن هويته، والتحدث بصوت عال بلغته، والرقص والغناء على طريقته، واصدار ونشر كل ما يخص ثقافته، والتظاهر من اجل قضيته، واذا رغب الكردي ـ التركي في متابعة التلفاز، ضاع وتاه بين العدد الكبير من القنوات الكردية لكثرتها، حالها حال الكتب والصحف والمجلات الصادرة بالكردية.
أيضا، وحصرا في عهد اردوغان، وللمرة الاولى في تاريخ تركيا، رفع علم كردستان في سماء دياربكر، في قلب (امد)، عاصمة كرد تركيا، عاصمة كردستان الحلم، وفي (امد) استقبل البارزاني بحفاوة منقطعة النظير من قبل رجب طيب اردوغان، وحصرا في عهد السيد اردوغان، لم تعد كلمات مثل الكرد وكردستان من الممنوعات، واختفت قوات الجندرمة التركية من المدن والقرى والطرقات، والتركي ـ التركي لم يعد يخفي عند التحاق ابنه بالجيش وارساله للمناطق الكردية تذمره، ولم يعد كسابق عهده يفتخر امام الكردي ويتشدق بتركيته، وبدأ يتقبل ان تركيا كوطن يتقاسمه الكردي والتركي معا وسواسية، كل ذلك حصل في عهد اردوغان، حتى ان احد الكتاب الاتراك كتب مستغربا في تعليقه على عودة العمال الكردستاني للقتال مجددا: «انهم يسعون لايصال رسالة للاتراك المتعاطفين مع القضية الكردية، مفادها، انتم على خطأ».
تراجع الـ(ب ك ك) عن عملية السلام، وعودته الى القتال من جديد، لا شك انه أمر محير، ولا يوجد في الحقيقة سبب واضح قد يشكل مبررا مقنعا لاقدام هذا الحزب على مثل هذه خطوة، فاذا سلمنا جدلا ان حزب الـ(ب ك ك) يمثل حقا مصالح كرد تركيا، لما تخلى عن عملية السلام، ولو كان الـ( ب ك ك) فعلا يمثل مصالح وتطلعات كرد تركيا، لما دخل في حرب خاسرة معروفة النتائج؟ وقطعا لا احد يصدق ما قاله القيادي البارز «قره يلان»، بانه ورفاقه في جبال قنديل، لم يتوقعوا الرد التركي القوي على مبادرتهم في اعلان ادارتهم الذاتية للمناطق الكردية، بتسليح بضعة مدن كردية، وتحصينها بحفر الخنادق وبناء المتاريس فيها، في خطوة بلهاء غير مسؤولة.
اما الادعاء، بان عملية السلام بينهم وبين الحكومة التركية كانت قد وصلت لمسارت مغلقة، فهو كلام لا يمت الى الحقيقة بصلة، ومن الحجج الواهية التي تتذرع بها قيادات الـ(ب ك ك) في جبال قنديل، وهي من الحجج التسويقية الرخيصة لتبرير جنوحهم للحرب، فعملية السلام بين الطرفين، لا شك انها عملية معقدة وتحتاج لنفس طويل، وجهد بليغ، ونية صادقة، والفوز الذي حققه الجناح السياسي لحزب الـ(ب ك ك)، حزب الشعوب الديمقراطية بقيادة صلاح الدين ديمرتاش في الانتخابات التشريعية التركية الاخيرة، كان بحق فرصة تاريخية نادرة لكرد تركيا، لو تم استثمارها على الوجه الصحيح، ولو توافرت الاردة الحقيقة للسلام عند اهل قنديل، لانجز المزيد من المكتسبات للصالح الكردي، فتركيا اليوم، بصدد اعادة بناء نفسها من جديد، والبلاد مقدمة على تشريع دستور جديد، وكل ذلك سيتم حصرا في قاعة البرلمان التركي.
ما يكنه انصار ومؤيدو واعضاء حزب الـ(ب ك ك)، من عداء مفرط لحزب العدالة والتنمية التركي، ولزعيم هذا الحزب السيد رجب طيب اردوغان على وجه التحديد، امر يصعب فهمه واستيعابه، كذلك الحال بالنسبة لتخلي هذا الحزب عن عملية السلام، وتفضيله للحرب والقتل والدمار، فهو ايضا تصرف يصعب على المرء فهمه واستيعابه، لكن من دون ادنى شك، وبغض النظر عن ضبابية اسباب هذا التحول ودوافعه، يبقى هذا التحول تصرفا غريبا ومستهجنا ولا يخدم مصالح كرد تركيا.
اما في تفسير اسباب ودوافع عودة الـ(ب ك ك) للحرب مجددا، فيقال والله اعلم، ان رجالات الفرقة العلوية الباطنية التركية في قيادة الـ(ب ك ك)، وفي قيادة جناحه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي كذلك، وهم كثر، وبينهم العلوي الكردي كما بينهم العلوي التركي، اصبحوا اليوم يسيطرون على زمام القيادة والقرار في كلا الحزبين، الاصل والتابع، وهم السبب وراء جنوح حركة الـ(ب ك ك) للحرب بدل السلم، واذا صح هذا الرأي واستقام، فان كرد تركيا وهم بغالبيتهم مسلمون سنة، يتعرضون اليوم لخديعة كبرى، ويتم جرهم لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ليكونوا مجرد حطب لحرب علوية باطنية خفية غير معلنة، على رئيس سني طموح وناجح وميوله اسلامية.
كاتب كردي سوري
d.mehma@hotmail.com
عن جريدة السياسة