بانتظار الخطة «ب»

افتتاحية موقع مواطنة 
ما إن تفتح ثغرة صغيرة في جدار الاستعصاء السياسي ، الذي يغلق الأفق أمام الحل السياسي في سورية ، حتى تعود بعض التطورات لتغلق هذه الثغرة وليظهر الوضع السوري من جديد أكثر عناداً في مواجهة كل محاولات الحل .ولا يعود ذلك لإبهام الصورة أكثر مما يعود لتعقيدها الذي يجعل اجتراح الحلول أمراً ليس سهلا . 
الروس، بغض النظر عن عمق إدراكهم للمأزق التاريخي الذي توصل إليه النظام الحاكم في سورية ، يعملون بدأب من أجل إعادة إنتاج هذا النظام وتأهيله للاندماج في المجتمع الدولي من جديد دون تغييرات جوهرية ،وهذا اقتضى توجيه ضربات قوية إلى المعارضة المسلحة ، كان نصيب المعتدلين من هذه الضربات أكبر بكثير من نصيب المتطرفين ، الذين استمد الروس شرعية دولية من شعار محاربتهم ،
 لكن هذه الضربات ليست كافية بعد لإرغام المسلحين المعتدلين ، والمعارضة السياسية ، على قبول حلول جوهرها إعادة إنتاج محسنة ومطورة للنظام الأسدي ودون أن تتضمن رحيل الأسد وزمرته، حتى الآن على الأقل ، والأسد الذي يخشى بدوره أن هناك ثمنا ما يجب أن يدفعه مقابل نجاح الحل السياسي ، يشيح بوجهه قليلا عن الدعم الروسي ليتعلق بالدعم الإيراني الأكثر حميمية ودفئا، متحدثا عن النصر النهائي في حلب ، لكن بالنتيجة لا يستطيع الأسد وطغمته تجاوز ثقل الدب الروسي في سورية .
إذا بعد أن حقق الروس على الأرض حقائق عسكرية كانت استمراراً لسياسات النظام ،وعلى مستوى أكثر عمقا وشمولاً ودقة، وباستخدام سياسة الأرض المحروقة ووسائل الإبادة الجماعية ،هم يريدون الآن استمرار الحرب بوسائل سياسية ،لكن ليس مع النصرة وداعش بطبيعة الأمر،وبالتالي يريدون فرض حلول سياسية تبدو صعبة إن لم نقل مستحيلة التحقيق في سورية طالما هم لا يستطيعون فرض مصير”غروزني” على أكثر من مدينة سورية . وبالمقابل لا يزال الدور الأمريكي، في هذه المرحلة ، مصرا على انسحابية تاريخية ليس في سورية فحسب بل في أجزاء كثيرة من العالم ، عربية خاصة : ليبيا واليمن وربما تشكل العراق استثناء ما،وفي حين تتوافر لأمريكا وسائل العمل الفعال في الوضع السوري عبر غرف عمليات الموك والموب جنوبا وشمالا ويتوافر لها أصدقاء إقليميون مستعدون للعب أدوار حقيقة وفاعلة على الساحة السورية بما يخدم عملية انتقال سياسي حقيقي وهم ينتظرون منها إشارات واضحة لإنشاء منطقة أو مناطق آمنة ، أو لتزويد المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية ترغم النظام على قبول الجهد الدولي وعدم إعاقته، أو للتعاون في أي مجال ممكن يسمح بالضغط الدولي على النظام الأسدي. 
وقد بدت التصريحات الاقليمية والدولية، التي تلت بدء الجولة الأخيرة من اجتماعات جنيف ،مشجعة وتوحي بإمكانية استمرار المفاوضات وعدم السماح لنظام الأسد بإعاقتها لكن مع ذلك ورغم وضوح الموقف السعودي بأن الأسد لا بد أن يرحل سلماً أو حرباً،فإن من الصعب التأكد أن الخطة” ب” الأمريكيةهي فعلا دعم المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية ،أم هي الكف عن السعي لإعادة سورية الموحدة ، وربما الفيدرالية ،والتعاطي معها باعتبارها أصبحت تشكل عدة كيانات واقعية يسمي الأسد حصته منها”سورية المفيدة “. وربما تساهم الفترة الضبابية للأشهر الأخيرة من حكم أوباما في إعطاء مزيد من الغموض وعدم الفاعلية للدور الامريكي الذي يفترض أنه أعطى الروس فرصة للعمل من أجل حل سياسي،وانه بعدها أو بعد شهر آب الذي هو السقف الزمني لوضع دستور جديد، ستكون له كلمته ،لكن ما شاهدناه، حتى الآن، هو تقريبا وضع البيض الأمريكي في السلة الروسية ،فنحن تعودنا على التصريحات الأمريكية المتكررة التي تقول طلبنا من روسيا الضغط على الأسد لعدم قصف المشافي، وطلبنا من الروس الضغط على الأسد لعدم قصف المخيمات والمدنيين والالتزام بالهدنة …..الخ. 
من جهة أخرى لا يزال الإجماع على محاربة داعش هو الخطاب المسيطر إنما كل طرف ينفذه وفق اعتباراته وأولوياته سواء في جانب المعارضة أو في جانب النظام وحلفائه، لكن المسألة الاكثر تعقيداً هي مواجهة النصرة المصنفة إرهابيه، والتي تربطها علاقات صراعية وتحالفية ،مع كتائب أخرى لا تخضع لهذا التصنيف ،ورغم عدم تمايز المشروع الايديولوجي للنصرة عن المشروع الداعشي فإن هناك فروقات هامة بينهما فالنصرة يغلب عليها الطابع المحلي السوري وهي لا تعتبر العالم كله ساحة لصراعها ،وهي أخيرا وحسب تصريح الظواهري مستعدة لفك الارتباط مع القاعدة في حال وجود مشروع دولة إسلامية مع كتائب إسلامية اخرى .لكن الأهم من ذلك كله حجم التأييد الذي اصبحت النصرة تمتلكه ، طبعا هذا المشروع يبعد المشروع الوطني المدني ويضعفه، لكن لا يجب الاستهانة بمؤيديه حتى لو لم يشكلوا أغلبية في المجتمع السوري .من المفيد هنا التذكير أن أمريكا اضطرت الى التفاوض مع طالبان الشبيهة بعد حرب مديدة واعتبرت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية حينها ،ذلك ضروريا لإحلال السلام في أفغانستان.
أخيراً إن كل ادعاء ” وطني ” عن ترك السوريين يحلون مشكلتهم لوحدهم هو ادعاء زائف ، فنحن في سورية بحاجة إلى كل جهد دولي وربما إلى مبادرات دولية جديدة تفتح من جديد آفاقاً للحل السياسي عبر إيجاد الوسائل الكفيلة بحل المعضلة الأساسية أمام بداية الحل وهي رحيل الأسد وطغمته، نحن بحاجة إلى خطة “ب” ليس فقط من أجل استمرار الهدنة وحماية المدنيين ودعم عملية الانتقال السياسي ، لكن أيضاً من أجل محاربة التطرف والإرهاب وبناء سورية المدنية الديموقراطية ،سورية دولة المواطنة المتساوية بغض النظر عن العرق او الجنس او الدين.
تيار مواطنة 09/05/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد مرّ ما ينيف على القرن على تقسيم كردستان وتشتيت شعبها بين أربع دول، في أعقاب اتفاقات وتقسيمات دولية همشت إرادة هذا الشعب وتجاهلت تاريخه وحقه في الحياة الكريمة على أرضه. ورغم اختلاف الأزمنة وتعاقب الأحداث، يظل واقع الكرد مزيجًا من الكفاح المرير ضد الاحتلال والقمع، يقابله إيغال في الشتات وتوزع جغرافي بين أراضٍ وأحلام لا تزال أسيرة…

عبداللطيف محمدأمين موسى في ظل انتهاء الانتخابات الأمريكية وانتخاب ترامب ليكون الرئيس 47 للولايات المتحدة الأمريكية ومع هذا الدعم والأغلبية الساحقة والغير المسبوقة في مجلس الشيوخ والنواب الأمريكية سيكون لدى ترامب الحيز الواسع للتحرك من أجل أحداث تغيرات كبيرة في أزمات الشرق الأوسط على وجه العموم والأزمة السورية على وجه الخصوص عبر تنفيذ برنامجه الانتخابي و الداعي الى حل الأزمات…

إبراهيم اليوسف   لا تزال مأساة عفرين، كما هو الحال في مناطق كردية أخرى تمثل رمزًا صارخًا للظلم والتدمير تحت مسمى “التحرير”. إذ شهدت هذه المناطق موجة من التعديات والتجاوزات الإنسانية التي تجاوزت مجرد الصراع العسكري، لترقى إلى مستوى عمليات إبادة منظمة، تهدف إلى تغيير ديمغرافي يهدد الهوية الكردية التاريخية للمنطقة، مدعومة بتحركات تسعى لفرض ثقافة أجنبية بدلاً من أصالة…

خليل مصطفى الكلام لأبناء الأُمَّة السُّورية (المُسلمين والمسيحيين والعلمانيين): أوَّلاً ــ منذ عام 2011 وهُم يرفعون شعارات الديمقراطية والوطنية، ولا زالوا لتاريخه (2024)… ومع ذلك لم نجدهُم قد حرَّكُوا ساكناً.؟! ثانياً ــ مِنْ المُعيب (بل المُخجل) أنهُم لا يتمعَّنون بواقع حياتهم المأساوية.؟ وعليه فمن مُنطلقات الديمقراطية والوطنية نسألهُم: إلى متى سيظل الظَّلام مُخيِّماً عليهم.؟ وإلى متى ستظل قلوبهُم وعقولهُم مُغلقة.؟…