نحن الكُرد أيضاً نتلذذ بعرْض جثث الآخرين

 ابراهيم محمود
التلذذ بعرض جثث الآخرين، مهما زُعِم عن أنها تخص ألد الأعداء، يندرج في نطاق الحد الأقصى من ” السادية “، أي إيلام أهل الضحايا/ الجثث، ولا بد أن رؤية حاملة الدبابات، وهي مفتوحة الجانبين، وتحمل قرابة ستين جثة من جثث الأعداء، ممَّن قضوا نحبهم في حربهم ضمن حلب على مشارف حي ” الشيخ مقصود “، وتطوف بها في شوارع عفرين بتاريخ 28 نيسان 2016،  كما رأيناها تلفزيونياً، تدخل ضمن هذا الإطار من التلذذ الهمجي الذي لا يحسَب على القائمين بعملية العرض المقرفة، إنما على عموم الكرد، وفي هذا الوقت العصيب بالذات. إن تصريحات مكتوبة أو شفوية من قبل المعنيين بالجهة المسيطرة على الوضع الأمني والإداري في عفرين، وهم من ” ybg “، على أن الجاري شخصي ينعكس أكثر سلبية عليهم.
هل علينا أن نصدّق أن عرضاً ” مخزياً ” مكشوفاً، بالشكل المتلفز، وفي وضح النهار، وثمة المئات ممن يسيرون في ركابها، وهم يهتفون، كما يظهر بشعارات النَّيل من الأعداء، في سيارات مكشوفة، وراكبي الدراجات النارية، إلى جانب المتفرجين وحتى المشاة، وبمثل هذا الضبط والتنظيم، وفي مدينة تحت المراقبة، جاء غفلة أو هي خلسة المختلس ؟
من الذي جمع الجثث تلك، من أعد السيارة الخاصة تلك، من الذي نظّم ” الجماهير المستقطرة “، من الذي أمّن العبور والطواف في شوارع مدينة عفرين؟ ووقَّت لذلك؟ هل علينا مجدداً، أن نعتبر كل ذلك قد تم عفو الخاطر؟
إذا كان علينا أن نتحدث عن أن الجاري مسألة شخصية، فهل إن مشهداً مروّعاً كهذا، وذا تأثير مروّع، يمكن أن يتم بمثل هذه السهولة؟ وهل لمسألة شخصية لها أبعادها الأخلاقية السلبية تماماً، تقدير معين في عُرف المعنيين بأمن المدينة ؟
أعلينا أن نصدّق مجدداً، أن وضعاً كهذا يندرج في إطار الزلّة وهي أكثر من كونها قاتلة، سوى أن المدقق في الجاري يلاحظ أن ليس من زلة من هذا القياس الثقيل الوطء، إنما ما هو مدروس، ولو أن التداعيات مخزية؟!
وإذا كان هناك من اعتراف ما، بوجود خروقات معينة، فهنا تكون المسئولية أكثر إثارة للمخاوف، ويترتب عليها أكثر من سؤال، من مثل: أليس في وسع المعنيين بإدارة الأمور الاعتراف بأخطاء لا قبَل لهم بها ؟ ليعرف من هم حولهم أين تكون مواقعهم بالفعل !
وإذا كان هناك اعتراف من هذا النوع، وهو خطير الأبعاد، ألا يعني ذلك، أن ثمة ما يتم رغماً عن المعنيين بإدارة الأمور؟
هل علينا أيضاً أن نصدّق أن الذي يجري كرمى سواد عيون كرد روجآفا؟ حيث عميت عيون مئات الألوف منهم، إن لم يكن أكثر، وهم يبكون أحبتهم الذين خرجوا على كره، وضحاياهم: أقرباء وأصحاباً وهم في عجز  عن مواجهة لما يجري؟
ليت هؤلاء المعنيين بأمن روجآفا من ديركا حمكو إلى عفرين أن يعترفوا بأن ثمة ما يقرَّر لا يمكنهم رده أو صده، ليتهم يعترفون بصورة ما، أنهم لا يملكون حرية إصدار القرار في كل شيء، وفي مشهد كالذي تابعناه ؟
هل يمكننا الدخول في حساب الصادر والوارد أمنياً واجتماعياً وثقافياً، والتذكير بالنتيجة، لنتعرف على أي نوعية روجآفا نعيش، وأي روجآفا  توهب لنا، وأي روجآفا نساق إليها، حتى لو أنها سمّيت بأحلى الأسماء والألقاب، وقد غادرها مئات الألوف، إن لم يكن أكثر من أهلها الكرد قبل غيرهم، تحت وطأة فرمانات أخوتهم الكرد أكثر من غيرهم، وأي روجآفا تساق إلينا، أي ميتات نعيشها حيث ممنوع على أي خبير في الحياة بالإدلاء برأيه ولو في أبسط الأمور، أمام تمادي جاهل، متعسف، ممسوس، حتى الأمس القريب، ليكون مرجعاً في أمور كثيرة.
رؤية الجثث المعروضة، إضافة نوعية أخرى إلى سجل الذين يريدون أن يخرجونا من حياتنا، ويخرجون حياتنا المعتادة منا، تحت راية شعارات كردستانية، وكيف تتعلم الكردايتي في ” خمسة أيام “، ضمن إضافات نوعية أخرى، ستكلفنا الكثير الكثير نحن الذين ننتمي إلى فص ” روجآفا “، أما الذين خططوا لـ” المهمة ” تلك، وأجازوا لها، فلا يهمهم ما يمكن أن يحصل، لأنهم، ببساطة، غير معنيين بأمن روجآفا وأهل روجآفا كرداً وغير كرد، لأنهم في معظمهم لم يكونوا يوماً من أهل روجآفا.
دهوك- في 29 نيسان 2016 .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…