د. محمود عباس
اهترأت الأساليب السابقة، والمستندة على مبدأين، التعتيم المطلق، والاضطهاد الصامت، التي على أسسهما حاولت المراكز الأمنية، إلى عهد قريب، القضاء على الوجود الكردي في سوريا، وإزالة القضية الكردستانية في الأجزاء الأخرى. شاركت أمن الدول الناهبة لكردستان مع بعضها، وتبادلت المعلومات والخبرات، وقد نجحوا إلى حد ما في خططهم، إلى أن بينت الإنترنيت، ومن ثم ثورات الشرق الأوسط، تقادم أساليبهم حيال القضايا الداخلية، وأصبح بإمكان الشعب الكردي إيصال مطالبه إلى أعلى المراكز الإعلامية في العالم، وبإمكان العالم وبدون كثير جهد الحصول على أدق التفاصيل عن معظم القضايا المثارة بين الكرد ومحتليهم،
وهكذا ومع نضال الحركة الكردستانية الثقافية والسياسية، خرجت قضيتهم من تحت عباءة التعتيم إلى منصات المؤتمرات السياسية والمحافل الدولية، وتصاعدت سوية اهتمام الدول الكبرى بهم، لأجندات ذاتية أو تخص المنطقة، والنتيجة هي ذاتها، ظهور الكرد كشعب وقضية على راس القضايا المتصارعة عليها ضمن جغرافية الشرق الأوسط.
انتبهت إليها السلطات المستغلة لكردستان منذ بدايات التغيير، وسبقوا الحركة الكردستانية العاجزة اللحاق بالتطورات المتسارعة، في وضع الخطط الجديدة، وقاموا بتغيير أساليب مهاجمتهم، وترسيخ اضطهادهم للكرد، بحيث تتلاءم والعصر ومجريات الأحداث، وعقدوا فيما بينهم مؤتمرات سرية، وتبادلوا الخبرات من جديد، فشكلوا معاً مراكز أبحاث متنوعة وأمنية حديثة، وبخدمات مغايرة للماضي، وطرق ملتوية، وخرجوا بنتيجة فهلوية، ناجحة حتى اللحظة، وهي الانتقال من العقل التعتيمي إلى ممارسة العقل النقدي بخباثة، لتضليل الجماهير، حول أحقية الكرد بجغرافيتهم، والقارئ الحصيف يدرك تماما عطالة هذا النقد، ويستشف منابعها الملوثة.
جندت السلطة السورية، والتي أصبحت بكليتها مركز أمني، للخطة الجديدة، ومثلها الإيرانية والتركية، المئات من خبراء الإنترنيت وكتاب البلاط، وقسم واسع من شخصيات المعارضة السورية التي تخدم الدول المجاورة لسوريا، أو سلطة بشار الأسد بشكل غير مباشر، بينهم بعثيون، وخدم السلطة وجماعة الإسلام السياسي العروبي، والوطنيون الذين خرجتهم سجون الأسد بعد غسل الدماغ، لمهاجمة الكرد، وبأساليب مراوغة، ضمن الإعلام، والأروقة السياسية وفي المؤتمرات، وبكثافة في مواقع الشبكة العنكبوتية. فالسلطات السياسية ذات العقلية الأمنية لم تتقاعس في أداء مهماتها المقيتة، استندت على شخصيات عدت وطنية وذات فكر متفتح، أظهرت ذاتها وكأنها تدافع عن الكرد وقضيتهم، فظفرت بعطف الأخير، وفي مكان ما ولحظة ما، ولغاية ما وأجندات خارجية، أو تحت تأثير ما، كشروا عن أنيابهم، وطعنوا الكرد في الصميم.
لم تحصر السلطات عملية أنجاح مشروعها، في موظفي مراكزها الأمنية والشرائح المذكورة، بل تم تحشيد الإرهابيين وتسليحهم، لمهاجمة الكرد كأحد أهم المهمات التي تم تكليفهم بها، وهجمات داعش لم تكن مصادفة، وعلى طرفي كردستان. كما وخططت مسبقا لأطراف من المعارضة الإسلامية السنية التكفيرية والشيعية في سوريا والعراق على مهاجمة الأراضي وشعب كردستان، ورافقت هذه العمليات السافرة النشاطات الإعلامية والاقتصادية والاجتماعية، وتم توظيف مختصين لها، وبأعداد كثيرة، بدءً من العمل في المواقع والجرائد الإلكترونية العربية المشهورة، إلى التقارير الملفقة والمرسلة إلى القنوات العربية المرئية، مهمتهم تشويه سمعة الكرد في كل المجالات، ورافقتهم وبشكل واسع كتاب متخصصون في كتابة المقالات المغرضة، أو عرض تعليقات على كل من يكتب في القضية الكردستانية، بردود كثيرا ما لا علاقة لها بالموضوع المطروح، جل غايتها إثارة الكتاب أو جلب انتباه القراء إلى الحوادث والتاريخ المزور والملفق حول الشعب الكردي، كالضجة المفتعلة حول عمليات تهجير العرب القسري من المناطق الكردية، متناسين وجود أكثر من مليون عربي لا يزالون يستوطنون أراضي غربي كردستان، والذي عملت عليه السلطات السورية المتعاقبة، ومنذ عقود، ناهيكم عن عرب الغمر وتطبيق مشروعي الحزام والإحصاء.
والمواضيع التي يطرحونها بالأساليب الحديثة، متشعبة إلى الدرجة التي قد لا نوفق في ذكرها جميعاً:
1-الإعلام المرئي، بدءً من الجزيرة إلى قناة الأورينت، إلى العربية أحيانا، ولا شك أقنية السلطات، والقنوات المحلية ضمن العراق وتركيا والدول العربية الأخرى، والمهمات التي يؤدونها لتشويه سمعة الكرد عديدة. علما أن البعض من هذه المؤسسات كانت أوعى من أن تنجرف بهذه الفترة القصيرة إلى هذه الخدع، وتنحرف مع تصاعد دور الكرد، وتغيير لهجتها تجاه الكرد وقضيتهم، من تأييدهم حتى حق تقرير المصير في بدايات الثورة السورية إلى إدراجهم الأن ضمن خانة الأعداء. وتجاوزت عند البعض مراحل عداوتهم لدولة إسرائيل أو الصهيونية العالمية، وأصبح البعض الأخر يجد في زيارة إسرائيل أسهل وأهون من دعم حقوق الشعب الكردي حتى ضمن الدولة الوطنية المزعومة، مع ذلك هم نفسهم يشبهون الكرد بإسرائيل الثانية، ولنا في هذا التشبيه رأي: إذا كان العرب وبعض الدول الإسلامية ترى في الصهيونية وإسرائيل عدوة فالأغلبية الكردية لا تراها كذلك، والتشبيه في هذا البعد ليست بناقصة، وليت كانت الدول العربية والإسلامية على سوية إسرائيل من حيث البعدين الوطني والديمقراطي.
2-المواقع والجرائد الإلكترونية، بدءً من إيلاف والشرق الأوسط والقدس العربي والحياة والعديد من الجرائد الرئيسية للسلطات والمتحيزة، والدول العربية، والتركية والإيرانية، وهي من الكثرة بحيث لا يمكن حصرها، ومعظمها متشبعة بالثقافة العنصرية، القومية، أو ثقافة السيادة العربية والموالي، وإنكار الشعوب الأخرى، وعلى رأسهم الكرد والأمازيغ والقبط. ومن الغرابة أن موظفي السلطات الأمنية في هذه المواقع بالكثرة بحيث لا يمكن أن تعلم أية مراكز تتبع، لكنهم معروفون لفجاجة أسلوبهم، ودونية كتاباتهم، وممارستهم للمهنة بقذارة فاضحة.
3-شخصيات من المعارضة السورية، التي تقدم أجندات السلطة التركية أو الدول العربية المعارضة للقضية الكردية، على أجندات الشعب السوري وثورته، ومعظمهم شبعوا من ثقافة الحقد والكراهية تجاه الكرد، وخلفياتهم متنوعة، بتنوع الأرضية الفاسدة التي تربوا عليها، وهم يؤدون الدور الملقن لهم، أو بمقدار ما يدفع لهم، أو الكمية التي سيحصلون عليها بعده، والأبشع هنا هو استخدامهم مصطلح الوطن والتغطية تحت عباءة الدولة الوطنية عند التهجم على الكرد، أو أنهم يتحججون بانحراف الكرد عن المسالك الوطنية، والبعض يدعي بانه يريد الخير للكرد ضمن سوريا المستقبل! وكم هي رخيصة هذه الحجج والمسوغات.
4-من المؤسف، ملاحظة انحراف بعض المراكز الإعلامية القديرة، والتي كانت تؤمل منها حمل، ونشر المفاهيم الوطنية خلال مسيرة الثورة السورية، ومواجهة الذين تسلطوا عليها وحرفوها عن مسارها، وتعرية الانتهازيين والمنافقين وتجار الحروب فيها، مثلما يفعلونها بسلطة بشار الأسد، وأئمة ولاية الفقيه، لكنها ولهيمنة السلطة التركية والقطرية أو السعودية أو الإسلام السني التكفيري السياسي عليهم، انحرفوا وبشكل فاضح، فنرى اورينت الحالية الغائبة عن اورينت بداية الثورة، والمنتقلة من قيم الثورة وشعار سقوط النظام وحقوق الشعوب، إلى التركيز على محاربة الكرد تحت حجج واهية، لا تتوانى على مهاجمتهم كشعب وقضية بساعات أكثر ولكنة أقسى وأعمق من مهاجمتها لسلطة بشار الأسد. وإيلاف السيد (عثمان العمير) الوطني الديمقراطي، في بداياتها وبدايات الثورة السورية، هي ليست نفسها إيلاف اليوم، بعد غياب السيد (عثمان عمير) عنها، والتي تعج صفحاتها بموظفي المراكز الأمنية بشكل غير مباشر، ويغضون الأبصار عنهم لغاية! ويسمحون لهم: بمهاجمة الشعوب غير العربية المتصاعدة نجمها، والعبث بالقيم الوطنية، والمفاهيم الديمقراطية، ومحاولة تشويه سمعة الموقع الإعلامية والعلمية والفكرية والأدبية. فظهور أقلام البلاط العروبيين، وكتاب والمعلقين، ممثلي الإسلام التكفيري العروبي، بذريعة الدين، بين فينة وأخرى من على صفحاتها، مشوهين الدين الحنيف والوطن والثورة معا، ويخلقون العداوة بين شعوب المنطقة، وهي من أجندات الأنظمة الاستبدادية الإقليمية…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
15/4/2016