د. محمود عباس
عندما أرغب أن أكون مثلك، وأعيش في جغرافية، تكون لي فيها كرامة، وأستطيع أن أبني معارضة لسلطة أرفض سياستها، مثلما رفضنا معاً سياسات سلطاتك الدكتاتورية، ولا تلمني، عندما أريد أن أظهر مثلك في المحافل الدولية بشخصيتي وكياني الذي لا يقل عنك بشيء، وعندما أطالب من سلطاتك والمجاورة لها، أن تخلي أرضي، وتتركني أن أحكم ذاتي، وعندما أطلب منك أن تقف إلى جانبي، لتعريتهم، والتي تمثلك ولا تمثلك، بعد أن فشلت كل المحاولات أن نجعلهم يقتنعون بأننا أصدقاء، وعلينا أن نكون متساويين في الدستور والحقوق والواجبات، وأن حقوقي هي على سوية حقوقك، ولا تلمني، عندما أريد أن أبين لك، أن سلطاتك بقدر ما تكرهني، تكرهك وتعمل البشائع بك، وتخلق العداوات بيننا، وتبني كل الدروب لنكون في طرفي نقيض.
لا تلمني، إذا طالبت بحقي في العيش مثل أي إنسان حر، وعندما أعرض رغبتي، ليكون ابني على قدر المساواة مع ابنك وابن الإنسان الأخر في جهة ما على وجه الأرض، عندما أريد أن أكون جارك الذي لا يحقدك، وأطالبك بأن لا تحقد علي، وألا تستمع إلى سلطاتك والسلطات المجاورة، وجهودها المتكررة والمتصاعدة لخلق الكراهية بيننا، لا تلمني، عندما أريد منك أن تفهمني بمنطقي يوما واحداً، وتترك منطق المستبد، في القادم من الزمن، وأن تكون حراً في تقييماتك، فالذي يستبدني هو نفسه الذي يستبدك.
لا تلمني إذا بينت لك، أن سلطاتك العروبية والمتآمرة معها، عملت بكل قدراتها، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، على عزلي من المجتمع السوري، والذي لولاهم ومن حولهم، كان بالإمكان، أن نظل إخوة مثلما طلبتها منك يوما، رغم ما عانيت من ورائها، وكنت سأظل متمسكا بها، لولا أن النظام، بشقيه السلطة السورية والمعارضة العروبية، يجبرونني على التخلي عنها.
لا تلمني إذا طلبت منك أن تستمع إلي مرة واحدة، دون الأنظمة الاستبدادية، لتقتنع بانني عملت بكل طاقاتي الفكرية والسياسية، على أن نكون متساوين، وأن نبني وطنا مشتركا، يطعم أطفالنا معاً، وأبين لك الحقائق التي عتمتها الأشرار، وأنني جاهدت بقدر ما استطعت، أن أضع الشريعة الإسلامية حكما فاصلا بيننا، تجاوزا للأديان السماوية الأخرى، وأنطلق من النص الإلهي (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) وإنني رفضت منطق السيادة والموالي، ومنطق الأعجمي والعربي بكل معانيه وتفسيراته وأحكامه مبتدأ من الاسم والصفة والتفسير والمعنى، والتمييز الضحل المقسم للعالم بين طرفين دون ثالث، عربي وأعجمي، ومفهوم الأعجمي بحد ذاته ككلمة فيها من الانتقاص ما يحير الإنسان دون الله، وحاولت بكل طاقاتي أن أذكرك بأن الإسلام الإلهي براء من هذا الإجحاف، والتمييز العرقي اللإإلهي، لا تلمني عندما حاولت أن أقنعك بان الذين خلقوا مبدأ العربي المسلم والكردي المسلم، كانوا ولا يزالون من الأعراب، يكرهونني ويكرهونك، ويكرهون الأديان السماوية كلها عندما تصر على منطق المساواة.
لا تلمني، عندما أود أن أثبت لك بأنني لا زلت أتمسك بكل معاني الوطنية، ضمن الجغرافية التي لم نؤمن بها يوما معاً، وتقبلناها على مضض، وإنني ناهضت الاستعمار بكل قوتي وفي مواقع أكثر منك، رغم أن نسبتي السكانية كانت أقل من نسبتك، وأنني احتضنت الأقليات بحب ودون تمييز وعلى مر التاريخ، وحاولت جاهدا إنقاذ الإخوة المسيحيين، والذين هم أهلي ومن عشيرتي وعشيرتك، وأحفاد الحضارات التي تفتخر بها سوريا ونحن معا، من الأهوال الماضية، وعملت معهم لنقنعك على تكوين سوريا نقية، بدستور حضاري ديمقراطي يؤمن حقوقنا جميعا، وبالعكس فإن سلطاتك عملت كل القبائح بحق الأقليات وفي مقدمتهم الإيزيديين لأنهم من الكرد الأصلاء، وودت ومنذ بدايات التاريخ أن أقول لك أن هذه السلطات لا تمثل الإسلام، وهم كفار، وما فعلوه بالإيزيديين سابقا واليوم، هو الكفر ذاته، الذي أطلقه الإسلام على الإعرابي، وطلبت منك أن تساندني لفضحهم.
لا تلمني، عندما أعرض الحقائق المؤلمة، التي تمتلئ بها صفحات التاريخ العربي والإسلام السياسي، وأن أنتقد الثقافات الموبوءة التي نشرتها مراكزهما وعلى مر القرون، والتفسيرات والنصوص التي استندت عليها زعماء من المسلمين السياسيين الذين استخدموا الدين غطاءً، ليمدوا بسلطانهم الجائر علي وعلى البؤساء الآخرين، مثلك، ومن الشعوب الأخرى، لا تلمني عندما أود أن تساعدني في تعرية أولئك الذين سموا ذاتهم بقادة الإسلام العروبي السياسي، واستعبدوا الشعوب وأنت بينهم، وتناسوا النصوص الإلهية.
لا تلمني عندما أطلب منك السير معا لإنهاض شعارات الثورة الحقيقية، فما يجري في سوريا هي نفسها مسيرة شذاذ الأفاق، يتصارعون على السلطان، ولا يتكلمون باسم الشعب، وذكرهم للشعب السوري، دون الشعوب السورية، والعربيون أولا وثم أنت وأنا والأخرين، لا خير لك ولي فيها، فتصريحاتهم يجب أن تؤذيك قبل أن تؤذيني. ولا تلمني في شكوكي، حول خلفيات الثقافة الفاسدة المسيطرة على الشعب العربي، فهل هي التي أنتجت هذه السلطات المتتالية الفاسدة والإجرامية، أم أن الأنظمة الموبوءة ومنذ البدايات الأولى لظهورها السياسي خلقت هذه الثقافة المشوهة بين الشعب العربي؟ قف إلى جانبي، للتخلص منها، وتنقية الذات، فما يجري اليوم من السياسات العروبية، هي لغايات دونية، أنه نفاق ووصولية لتمرير أجندات عنصرية.
لا تلمني، إذا فضحت المعارضة الفاسدة مثلما فضحنا معا سلطة بشار الأسد المجرمة، وإذا وقفت في وجههما وقلت لهما أنكما وجهان لعملة واحدة فاسدة، ولا تمثلون العربي النقي، ولا سوريا المتعددة القوميات. ولا تلمني إذا عريت عورات الحاقدين، ونفاق الانتهازيين، وعندما طالبت بحقوقي، لأتخلص منهم ومن فسادهم وطغيانهم، ضمن سوريا لا مركزية. ساعدني لأبين أسباب هياج الأعراب، ومن معهم من الحاقدين، عندما رفعت صوتي وطالبت بحريتي. فلا زال لي أمل فيك، لنسند بعضنا، ونجمع صوتينا، ونخلق الصوت الأقوى لتعرية أحقادهم ونفاقهم، وخططهم الشريرة، وانتهازيتهم، التي يعملون على أسسها، لتبقى سوريا ضمن مستنقع العنصرية والفاشية، المستنقع الآسن الذي تغوص فيه منطقتنا، ومنذ بدايات ظهور مفهوم الموالي والأسياد.
يا صديقي العربي سنصبح يوما ما جارين، مهما فعل الطغاة، والمستبدون، والانتهازيون، وتعلم أن الشعوب مهما طال بها الزمن، تبلغ غاياتها: وهي التحرر: فالأندلس ورغم القرون الطوال، عادت إلى الأندلسيين، وزالت الديمغرافية المستوطنة والمفروضة، والبلقان عادت إلى البلقانيين، وزال العثمانيون الأتراك، والجزائر أقرب الأمثلة: ورغم كل العقود الطوال من الاستيطان الفرنسي عادت إلى الجزائريين. جحافل كثيرة، والعديد من المستبدين مروا من فوق كردستان، وأقاموا فيها، لكنهم زالوا، فالسطات العروبية والمسلمون العروبيون، سيزولون مثل غيرهم. فلا تلمني، إذا حذرتك، أن النتيجة لن تكون في صالحك، وستكون نهايتك مؤسفة، إذا كانت قراراتك منهم، وخدمت أجنداتهم، وأصبحت الأداة المطيعة بيدهم، مثلما تحصل اليوم في سوريا، خاصة عندما تحثك هذه السلطات الفاسدة على معاداتي، وتشجعك على توسيع هوة الصراع بيني وبينك، وتحثك على مهاجمتي، في السر والعلن. ولا تلمني، إذا ذكرتك بالتاريخ، ومهما تلاعبوا به، فستظهر الحقائق، ودونها قد تعيدك عبثية وأحقاد تلك القوى المستعمرة، إلى الجغرافية التي قدمت منها. فلا تلمني إذا طلبت منك أن تقف معي، وبوعي، في مطالبي، فهي حماية لك ولأطفالك أيضا، من الدمار الأبشع، والذي لن تتوانى تلك الشرائح من فعلها.
فلا تلمني، إذا ألححت عليك بأن تؤمن مثلي: بالإنسان الذي خلقه الله متساوين، وبحرية الاعتقاد، والكلمة، والرأي، والعيش بسلام. ولا تلمني، عندما أحاول في ذاتي وأطلب منك أن نتحرر معا من الثقافة الموبوءة، وتعترف بي كما أريد، وأحب أن أكون ضمن وطني، مثلما أعترف بك وبوجودك.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/4/2016
نشرت في إيلاف