برزان شيخموس
طرح مجموعة من الشباب الكرُد مبادرة مدنية من خلال تنظيم اعتصامات في داخل الوطن وخارجه بهدف توحيد الصف الكرُدي المتشرذم في هذه الفترة الحساسة مع بروز فرصة تاريخية للشعب الكرُدي قد لا تتكرر لعقود، كمحاولة لرأب الصدع بين المجلس الوطني الكرُدي في سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD بوصفه المسؤول المباشر عن سلطة الأمر الواقع المتمثل في ‹الإدارة الذاتية› إلى جانب الحفاظ على ‹المنجز التاريخي› للشعب الكرُدي في سوريا بحسب زعمهم.
بلا شك كل من وقف وللوهلة الأولى خلف هذه المبادرة كانت تدفعه عواطف جياشة مستندة إلى روح نضالية عالية وضمير مسؤول تجاه شعبه أملاً في نيله لحقوقه كاملة غير منقوصة أسوة بباقي الشعوب، الا أن العاطفة وحدها لا تكفي لانتهاز الفرصة التاريخية واحقاق حقوق شعب متهالك تحت نير الغزاة والدول المستعمرة لوطنه مدعومة بثلة تخدع الشعب بشعارات براقة تسعد خاطره وتسر فؤاده لكنها تودي به إلى الهاوية كما دأب العازف الذي عزف لحناً جميلاً لأطفال البلدة التي لم يهبوه أجرته إزاء تخليصهم من الفئران.
الشباب المبادرون من خلال طرحهم لمبادرتهم أخطأوا مرتين، ليس لأنهم استندوا إلى العاطفة وحسب، بل لأنهم لم يستطيعوا تقييم الوضع القائم خلال السنوات الخمسة الماضية من عمر الثورة السورية وتصنيف كل قوة في خانتها الحقيقية، وبالذات حزب الاتحاد الديمقراطي ‹PYD› والذي خذل القوى التي تقابله والشعب الكرُدي بعد ثلاث اتفاقات وقعت برعاية السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كرُدستان العراق، تنصل من جميعها ليس حبٌ في السلطة والانفراد بجميع المكاسب المادية فحسب، بل لأنه قوة مسلوبة الإرادة لولي أمرها وسلطان نعمتها النظام السوري ومن خلفه روسيا وإيران، وتجلى واضحاً سلب قراره في التصريحات التي أطلقها الرئيس المشترك للحزب صالح مسلم أثناء اللقاء الذي جمعه بالرئيس بارزاني وبحضور وفد أمريكي رفيع المستوى يتقدمه مساعد وزير الخارجية الامريكي بريت مكورك في اقليم كرُدستان العراق، إلا إنه ومثل كل مرة تنصل منها فور مغادرته للإقليم، الى جانب تصريحات من مسؤولين عسكريين تابعين للحزب قالوا بأن مسلم «غير مخول» بإطلاق تلك التصريحات وهي «ليست من شأنه».
أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه المبادرون هي إعادة مغالطة أحزاب الحركة الكرُدية أبان توقيع اتفاقية ‹هولير1› باعتبارهم PYD جزء من الحركة الكرُدية وأنه يصبوا إلى تحقيق مكاسب للشعب الكرُدي على عكس ممارساته اليومية على أرض الواقع، والتي عجز عن تحقيقها النظام السوري عبر عقودٍ أربع بحق الكرُد من خلال فرض الحزام والاحصاء والمرسوم 49 والتعريب.
السادة القائمين على المبادرة… الطرف الذي تحاولون اقناعه بقبول مبادرتكم لن يقبلها البتة، إلا لجر المجلس الوطني الكرُدي في سوريا للانسحاب من وفد المعارضة المشارك في مباحثات جنيف والذي عجز الـPYD التواجد فيها، كما إن ممارسته لا توحي بأنه قوة كرُدية تطمح لنيل الشعب لحقوقه، فهو من جوّع الشعب وجهله وجعله عرضة لسماسرة البشر وتحت رحمة الأمواج المتلاطمة بعد إن فرض عليه الإتاوات والضرائب والمناهج المؤدلجة والتجنيد الاجباري في حربٍ لا ناقة ولا جمل للكرد فيها سوى حماية النظام المتربع في المربعات الأمنية في مدينتي قامشلو والحسكة، لاهثاً وراء قوى غربية كبرى لا ترى فيه سوى شريك جيد لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية ‹داعش› الارهابي فقط.
كان الأحرى بالمبادرين الذين أخطأت دفتهم الوقوف مع شعبهم والتظاهر في وجه حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذي فاقت ممارسته أعتى الانظمة الشمولية التي حكمت الكرُد بالنار والحديد، اذ كانت تبلغ أعظم تُهمة توجه لمناضل معتقل في أقبية سجون النظام السوري ‹اقتطاع جزء من الأراضي السورية والحقها بدولة أجنبية› مع تصنيف معارضيها سياسيين وليس تجار حشيش ولصوص وبتهم الخيانة العظمى كما وجهت ما تسمى (محاكم الشعب) الشكلية التهمة للمناضل عبدالرحمن أبو وبتر أصابع الصحفيين كما مراسل يكيتي ميديا جنكين عليكو، بالإضافة إلى احترام تلك الأنظمة لنفسها واعتكافها عن كتابة عبارات نابية ومسبات على جدران المدن الكرُدية بحق مناضلي وقادة المجلس الوطني الكرُدي.
يا سادة من جديد مبادرتكم محل اعتزاز واحترام، وسيخطها التاريخ بأحرف ذهبية كونكم حاولتم تصحيح المسار واستغلال الفرصة التاريخية للشعب الكرُدي في سوريا، إلا إن ما يؤسف أن مبادرتكم لن تلقى أي نجاح ولن ترى النور كونكم لم تكونوا واقعيين في تقييمكم لكل ما سُرِد آنفاً، ولم تتعظوا من تدخل (مثقفي)PYD الذين أجبروكم على تعديل المبادرة كترسيخ لمبدأ الاقصاء والانفراد تنفيذاً لإيعازات الممول، من جديد شكر الله سعيكم.
المقال نشر في جريدة يكيتي العدد225