صراع الجمهوريين على البيت الأبيض 1/2

د. محمود عباس

أهمية البيت الأبيض
 أنتهى المؤتمر الرابع للقمة العالمي (31/3 -1/4/2016م) في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، الخاص بدراسة قضايا الأسلحة النووية وموادها. حضرها 50 دولة، باستثناء روسيا. وكانت لعدم حضورها جوانب تخص السيادة، ولربما، التعامل التجاري على سوية بيع المواد المشعة للدول المستخدمة للطاقة النووية والتي تبلغ 130 دولة، أو تلك التي تملك الأسلحة النووية والمتناقصة بسبب التدخلات الأمريكية من 50 دولة إلى 24. وقد تخلل المؤتمر عدة قضايا جانبية، ومواضيع لا علاقة لها بالمواد المشعة والأسلحة النووية، ومن ضمنها، تلك التي تدور عادة خلف الستارة، وفي الأروقة الدبلوماسية غير الرسمية، وحيث يتلاقى ويتحاور على جوانبها رؤساء العالم، وقد أثيرت قضيتان أكثر من غيرهما:
أحداهما كانت غير رسمية، ولم تسلط عليها الأضواء السياسية، وهي دعوة للتضامن مع منظمة سلمية جمعت التواقيع، لحفز الدول الكبرى بالعمل الجاد على منع المنظمات الإرهابية الحصول على المواد الإشعاعية، وإيصال العريضة فيما بعد إلى الرئيس براك أوباما. والقضية الثانية، والتي جلبت اهتمام الصحافة العالمية، وكثفت العديد من الجرائد والمواقع الكبرى أراءها وتحليلاتها حولها وهي: من سيلتقي برئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ومع من سيتحدث أوباما خلال فترة المؤتمر؟ لاعتبارات، سياسية واقتصادية، وسوية العلاقات الدولية.
  وقد تم التركيز على رئيسا (تركيا) و(أذربيجان) كشخصيتين أثارا أراء الصحفيين وتطلعات المحللين حولهما:
1- احتمالية، عدم استقبال براك أوباما ل(رجب طيب أردوغان) حتى ولو بشكل عابر، وهي تعكس عملية جفاف لها ثقلها السياسي، وأن توسعت فيها البيت الأبيض، ستكون النهايات ثقيلة على تركيا وأردوغان، لكن وعلى هامش المؤتمر وفي اليوم الأول منه، حدث لقاء عابر، تلتها انتقادات من الرئيس الأمريكي لسياسته الجارية ضد الديمقراطية في تركيا، وتضييقه على حرية الرأي، ومصادرة بعضها، وذكر بأن المسيرة السياسية الحالية لأردوغان مقلق للغاية، وذلك على خلفية سياسته الداخلية والخارجية في الفترة الأخيرة، وزج البعض من لإعلاميين والأكاديميين والصحفيين في السجن على مدى الشهور الماضية، ومعظمهم من الذين وقفوا ضد حربه على الكرد، وهدمه لعملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، إلى جانب البعض من الذين كشفوا أسرار علاقاته وتعامله مع داعش. وقد عرضت أعماله تلك في البيت الأبيض كهدم للمسيرة الديمقراطية في تركيا، ومناهضة حقوق الإنسان وحرية الرأي، وعليه ظهر جفاف مسبق قبل اللقاء وبعده من قبل الرئيس براك أوباما، لشخصه وسياسته. وفي الواقع الموقف يعكس حقائق خطيرة، منها دعمه لداعش لمحاربة الكرد. الأمريكيون مطلعون على كل التفاصيل، ولذلك أخرجوا بعض عائلات هيئاتهم العسكرية من تركيا وخاصة الساكنين في قاعدة إنجرليك، وهي عملية ضغط مباشرة على أردوغان ليوقف صراعه مع العمال الكردستاني، ويتخلى عن دعم داعش، ويشترك بشكل جدي وفعلي في حلفهم ضد المنظمات التكفيرية والإسلام الراديكالي، وهو ما لا يريده حكومة أردوغان ما دام هناك تهديد كردي موجود في تركيا وسوريا، وعملية بناء كيان فيدرالي مستمر، وعلى الأغلب أردوغان سيخسر الكثير من وراء استراتيجيته تلك، فالبيت الأبيض أثقل من توقعاته، وتحريضه حكومة أذربيجان على مهاجمة أرمينيا في ناكورنيا قراباغ، بعد العودة من واشنطن، واتهام براك أوباما بأنه تحدث بأسلوب غير لائق من خلفه، ستكلفه الأكثر مما يتوقعه.
2- توقعت الصحافة العالمية، بأن يظهر (د. إلهام عليف 1961م) رئيس أذربيجان (منذ 2003م، أبن رئيس أذربيجان السابق حيدر عليف ” 1923م-2003م” سكرتير الحزب الشيوعي لأذربيجان في فترة الاتحاد السوفيتي والذي تسلط على الحكم بانقلاب عسكري، وعرف بفساده واستبداده) إلى جانب براك أوباما في صورة ما، وهو المعروف باستبداده ضد معارضيه، والذي يقال بأنه يوجد في سجونه من السياسيين ما يعادل مجموع ما يوجد في سجون روسيا وأوكرانيا معا، علما أن عدد سكان جمهورية أذربيجان لا تتعدى 9 ملايين نسمة، ولأجل الحصول على القليل من الحظوة لدى البيت الأبيض، أطلق سراح عدد من السجناء السياسيين المعارضين، قبل سفره إلى مؤتمر القمة، لكن التوقعات تنفي أي حظ له من البيت الأبيض، وفعلا لم يحصل على ما كان يطمح، وكانت على الأغلب ردة فعله في أول يوم من عدوته من المؤتمر، مهاجمة حدود يريفان وإشعال الحرب معها، لإعادة منطقة ناكورينا قرباغ، أو لإحداث قلاقل وجلب الانتباه إلى ذاته.
وفي الحالتين تتبدى مدى أهمية البيت الأبيض، وهيمنة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، رغم ما يقال عن ضعف براك أوباما، ورخاوته في السياسة العالمية، والتعامل مع روسيا والصين، والإرهاب العالمي وخاصة الإسلام السياسي التكفيري. فأمريكا رغم كل مديونيتها والتي يستهزأ بها مرشحها الجمهوري (دونالد ترمب)، لكنها تملك دخلاً قومياً ستصل في السنة القادمة إلى 21 تريليون دولار أي بما يعادل الدخل القومي لروسيا والدول الأوروبية الأولى واليابان معاً، دون حساب رأسمال شركاتها الوطنية والثروات التي هي ملكيات خاصة، كما وتعد أكبر قوة عسكرية في العالم، تسبق روسيا وبشهادة بوتين ووزير دفاعه، بعشرة مرات، وتقدر ميزانيتها ما بين 600 – 800 مليار دولار، والتي تعادل ثلث الدخل الوطني الروسي عامة. فالبيت الأبيض يهيمن على العالم، ومن يسكنه عليه أن يخطط لاستراتيجية الكرة الأرضية، ويتحرك على سويتها، فبسمة رئيسه لها وزن، وجفائه لها معنى، والكلمة تصدر بموازين تهم العالم قبل أمريكا.

صراع المرشحين للعيش في البيت الأبيض
  يدرك المتكالبون على كرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية تلك الحقيقة، وكم هي هائلة صدى خطوات الدخول إلى البيت الأبيض كرئيس، وهي التي تجعل من ملياردير ورجل أعمال معروف على المستوى العالمي ك (دونالد ترمب) يتناسى أمواله ومشاريعه، ويترك شركاته العقارية، لفترة، ويعمل بكل جهد في غير مجاله، ويهدر من أمواله بدون حساب، ويتهالك على تحقيق حلم ليصبح حقيقة، ويستلم لمدة دورة أو دورتين (ثماني سنوات) وظيفة راتبها (400) ألف دولار سنويا. ومنصب الرئاسة تفرض التخلي عن الأعمال الشخصية، لأنه يصبح ملك الشعب الأمريكي، ولا يحق له إدارة أعماله الخاصة مادام ساكن البيت الأبيض، كما وأن عائلته ستترك قصورها التي هي أفخم بكثير من سكن الرئيس في البيت الأبيض! إنها باختصار نزعة الهيمنة والسلطة على مستوى العالم، والتي تجعل رئيس كأردوغان يحرك كل اللوبي التركي في أمريكا للاجتماع به، ويطلق إلهام عليف بعض المعارضين من السجن، قبل السفر إلى واشنطن، ويحصل على صورة معه. هذه هي الرئاسة التي تثير لعاب السياسيين، وتغلي نفوس الطامحين إليها، ولا شيء آخر يمكن أن يقارن بها أو يوازيها، إذا كان الإنسان يطمح إلى العلو والسيطرة، باختلاف القانع بحدوده، والذات الوادعة مع الفكر.
يتصارع المرشحون الثلاثة الباقون من الحزب الجمهوري في حلبة لا تشبه أية حلبة في العالم، لجذب أصوات ممثلي الحزب، ويكونوا مرشحهم قبل بلوغ المؤتمر، والذي سينعقد ما بين 18-21 من تموز القادم في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وعلى الأغلب لن تحسم قبلها، لأن ما حصلوا عليه حتى الأن بعيد عن العدد القانوني ليكون المرشح الرسمي عن الحزب، وأدنى عدد هو صوت 1237 ممثلا عن الحزب، في الوقت الذي حصل فيه حتى الأن، دونالد ترمب على 739، وتيد كروز على 465، وجون كاسيتش على 143، وبقيت عدد قليل من الولايات غير كافية على الأغلب لبلوغ العدد المطلوب…
يتبع… 
ملاحظة: نشرت في موقع إيلاف
   
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1/4/2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…