كُردستان سوريا ما بين ارتفاع سعر صرف الدولار والحصار الاقتصادي

عبدالحليم سليمان (بلند) *
إنَّ من أهم ميزات الاستقرار الاقتصادي لدولة ما هو امتلاكها لعملة قوية ومستقرة في سعر صرفها مقارنة بالعملات الأخرى وخاصة بالدولار الأمريكي. فالدولار الأمريكي هو العملة الرسمية لولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت مغطاة بالذهب حتى عام 1973م لإعطائها الموثوقية، وعلى الرغم من رفع الغطاء الذهبي عن الدولار منذ ذلك التاريخ وتبني 19 دولة من دول الاتحاد الأوربي الثماني وعشرون لعملة اليورو وتداولها منذ عام 2002م إلا أنَّ الدولار بقى العملة الأقوى عالمياً في حين أصبح اليورو ثاني أهم عملة على مستوى النظام النقدي الدولي. 
ويتمثل ذلك بسيطرة الدولار الأمريكي على ثلثي المبادلات المالية العالمية (التجارة الدولية) كما أنَّ ثلثي الاحتياطات المالية في العالم هي بالدولار، وسوريا لم تكن استثناءاً حيث كانت جميع احتياطاته النقدية حتى قبل عام 2007 مقومة بالدولار ثم بعدها أصبح أغلب احتياطاتها النقدية هي بالدولار الأمريكي واليورو والتي كانت تقدر بحوالي 18 مليار دولار قبل عام 2011م، ومع استمرار الثورة والحرب في سوريا بدد النظام هذا الرصيد تماماً من أجل تمويل آلته الحربية ضد معارضيه بدل من استخدامها في تأمين وشراء المواد الأساسية للشعب السوري وهي الوظيفة الأساسية التي رصدت من أجلها هذا المبلغ، وانعكس هذا الانخفاض في الاحتياطي النقدي بانخفاض قيمة العملة السورية حيث وصل مؤخراً إلى 500 ليرة سورية للدولار الواحد علماً أنَّه كان يقدر بـ 45 ليرة سورية في عام 2011، هذا الانخفاض انعكس على حياة المواطنين المعيشية بشكل كبير فقيمة العملة السورية انخفضت 10 مرات في حين لم تزداد الرواتب والأجور بشكل كبير ويمكننا القول أنَّها تضاعف في أحسن الأحوال، فالفجوة أصبحت كبيرة بين الدخل والأسعار التي تضاعفت بحدود الـ 10 مرات، فتشير التقارير أنَّ أكثر من 89% من الشعب السوري أصبح فقيراً مع دخول أكثر من 9 مليون مواطن تحت خط الفقر، منهم أكثر من 5 مليون تحت خط الفقر الشديد. 
وكُردستان سوريا ليس استثناءاً في الوضع الاقتصادي السوري العام بل هو الأسوأ، فمع تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار على ارتفاع الأسعار تؤثر عوامل أخرى على هذا الارتفاع بشكل أكبر في المناطق الكُرديّة منها ارتفاع تكاليف النقل وازدياد مخاطرها، وتعدد الضرائب فجميع المواد التي تصل إلى كُردستان سوريا من مناطق سيطرة النظام تتعرض لضريبة ثلاثية من قبل النظام في مناطقه، ثم عند مرورها بمناطق سيطرة داعش والقوى الإسلامية وصولاً إلى كُردستان سوريا حيث تفرض ضرائب أخرى من قبل الإدارة الذاتية، هذا أن نجحت هذه المواد في الوصول والإفلات من الحصار الذي يتعرض له كُردستان سوريا. حصار يتعرض له من جميع الجهات سواءً من قبل تركيا في الشمال التي سدت جميع الأبواب والمنافذ الرسمية، داعش والقوى الإسلامية من الجنوب. ومعبر سيمالكا بين كُردستان سوريا وكُردستان العراق الذي من المفترض أن تكون البوابة الكُرديّة التي تكسر هذا الحصار، ألا إنَّه يكون مقفلاً في الكثير من الأوقات لأسباب ومبررات يجدها الشعب الكردي في سوريا غير مبررة في مشهد درامي تكتمل به حلقة الفقر في كُردستان سوريا ويدفع من بقية منهم في أرضه جزءً كبير من كرامته ثمناً لبقائه، وهو أن يصبح جائعاً على أرض تنعم بالكثير من الخيرات. 
* عضو جمعية الاقتصاديين الكُرد- سوريا 
البريد الالكتروني:
kak.suri2006@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…