جورج كتن: أمراء الحرب عطلوا الحراك الشعبي.. وحرفوا الثورة عن مسارها

حاوره: عمر كوجري
قال جورج كتن الكاتب والباحث الفلسطيني، السوري، المقيم حالياً في الولايات المتحدة، ولديه عدة كتب في الفكر والسياسة، وعشرات المقالات منشورة في صحف ومواقع الكترونية سياسية عربية، ويهتم بقضايا الديمقراطية والعلمانية وحقوق الانسان والمرأة والاقليات، قال إن اندلاع الثورة كان عفويا لا يمكن لاحد ان يتحكم بالظروف الموضوعية التي احاطت بمسارها،  الـ “لو” غير واردة في هذا المجال، فـ “لو” تدخلت اميركا والغرب لدعم الثورة كما فعلت في ليبيا لربما امكن اسقاط النظام مبكرا، و”لو” ان التنسيقيات والمجالس المحلية تحولت الى سلطة جديدة موازية للنظام تخضع لها كافة النشاطات بما فيها العمل العسكري، لما تعملق امراء الحرب السلفيين وعطلوا الحراك الشعبي وحرفوا الثورة نحو اهدافهم الخاصة.
حول هذا الموضوع ومواضيع لها الأهمية كان هذا الحوار:
بعد دخول الثورة السورية عامها السادس، كيف يمكن قراءة الحدث السوري بتكثيف؟
الثورة الشعبية السورية كأي ثورة في العالم ظاهرة اجتماعية متطورة لا تحتفظ بشكل واحد، فقد مرت خلال الخمس سنوات بمراحل عدة اولها مرحلة ثورة الشعب السلمية، تلاها مرحلة حمل السلاح كرد على بربرية النظام في مواجهة المتظاهرين السلميين حيث استمر الشعب المنتفض بلعب الدور الرئيسي من خلال التنسيقيات والمجالس المحلية كمؤسسات  قيادية ابتكرها. المرحلة الثالثة بدأت مع تسرب الجهاديين للعمل المسلح من خلال الفجوات التي تركها انحسار سلطة النظام، وخاصة تنظيم “الدولة الاسلامية” المعادي للثورة، الهادف مع النصرة وكتائب اسلامية من اسقاط النظام اقامة دولة دينية. اصحاب الثورة الاصليين في مناطق النظام قمعوا بشدة قتلا وتشريدا واعتقالا وتعذيبا ونهبا وتدميرا. اما في المناطق التي خرجت عن سلطة النظام فمسلحو التنظيمات الاسلامية تكفلوا بقمع اي حراك شعبي، بحيث وقع الشعب المنتفض بين مطرقة النظام وسندان امراء الحرب الاسلاميين، ولم يبق من مؤسسات الثورة سوى جيوب للجيش الحر والمعارضة في الخارج.  
في المرحلة الرابعة تحول الصراع مع النظام لشبه حرب اهلية تتخذ طابعا طائفيا بعد استقدام النظام لميليشيات شيعية من بلدان عدة. رغم ذلك فقد اختل التوازن لصالح المسلحين المعارضين رغم عدم قدرة اي من الطرفين على حسمه لصالحه. اما المرحلة الخامسة فبدأت مع تدخل التحالف الاميركي ضد داعش، حتى التدخل العسكري الروسي. 
الوضع السوري حاليا دخل في مرحلة جديدة هي النجاح النسبي لوقف القتال رغم الخروقات، وهي هدنة نتجت عن توافق اميركي روسي جزئي لم يصل الى حد التوافق على طبيعة النظام السياسي للمرحلة الانتقالية، وهي مسالة خاضعة للتفاوض بين وفدي النظام والمعارضة في جنيف ولن تصل لنتيجة بدون التوافق الروسي الاميركي حولها. 
تطور التدخل الخارجي في الصراع لدرجة ان القوى المسلحة للطرفين لم تعد تملك قرارها المستقل ولا تستطيع ان ترفض توجيهات الدولتين الكبريين اللتين تضعان مصالحهما في سوريا والشرق الاوسط فوق مصلحة السوريين، وهي بحد ذاتها مصالح متضاربة وليس من السهل وصولها لتوافقات مشتركة تفرضها مخاطر انتشار الارهاب في العالم، وازمة المنطقة واوروبا مع تدفق ملايين اللاجئين، اضافة لتبادل مصالح بين الدولتين قد تكون فيها سوريا جائزة لطرف مقابل تأمين مصالح الطرف الآخر في منطقة اخرى من العالم. 
وقد عاد الحراك الشعبي من جديد بعد الهدنة في مظاهرات المناطق الخارجة عن النظام. 

 هل كان سيتحقق لمسار الثورة السورية إطار أفضل لو توفرت شروط معينة، وماهي هذه المناخات؟
لا أظن أن هذا ممكن، فاندلاع الثورة كان عفويا لا يمكن لاحد ان يتحكم بالظروف الموضوعية التي احاطت بمسارها .. ال “لو” غير واردة في هذا المجال، ف”لو” تدخلت اميركا والغرب لدعم الثورة كما فعلت في ليبيا لربما امكن اسقاط النظام مبكرا، و”لو” ان التنسيقيات والمجالس المحلية تحولت الى سلطة جديدة موازية للنظام تخضع لها كافة النشاطات بما فيها العمل العسكري، لما تعملق امراء الحرب السلفيين وعطلوا الحراك الشعبي وحرفوا الثورة نحو اهدافهم الخاصة ، و”لو” ان المعارضين للنظام لم يحملوا السلاح اصلا ضده رغم فتكه بالمتظاهرين، لربما انتهت الثورة لتندلع من جديد في ظروف افضل، فمسار الصراع تحكمه ظروفه الخاصة التي من المستحيل تغييرها بارادات ذاتية.

ألا يمكن القول أن المعارضة السورية لم تكن بمستوى تضحيات السوريين؟ 
نعم يمكن قول ذلك، ولكن برأيي جرى تضخيم الحديث عن فساد مزعوم للمعارضين السياسيين وخاصة في الخارج، ولم يتحقق بشكل كاف، توحيد المعارضين في تكتل واسع يتجمع حول اهداف مشتركة ويترك الخلافات حول مسائل اخرى لما بعد التغيير لتحسمها صناديق الاقتراع. الائتلاف الوطني نجح اكثر مما سبقه، ولكن ما زال ينقصه الكثير ليصبح قيادة سياسية تقود الثورة نحو الانتصار. 

سوريا صارت اليوم ملعباً لتصفية الحسابات الدولية بين اميركا وروسيا وايران وتركيا، والسعودية، من المسؤول عن هذه الفوضى؟ وكيف يمكن الخروج من هذا المأزق الكبير؟ 
 في عالم اليوم لم يعد من الممكن ان تعزل قضية اي بلد عن بلدانه الاخرى، فتدخل الدول الكبرى كاميركا وروسيا والاتحاد الاوروبي، والدول الاقليمية كدول الخليج تركيا وايران، امر لا يمكن تجنبه، فمصالح دول المنطقة والعالم متشابكة، وتتعدى حدود بلدانها. ولكن الشكل الواسع الذي وصل اليه التدخل الخارجي في الصراع السوري يكاد يكون غير مسبوق، ويتحمل مسؤوليته الاساسية النظام الذي منع لانهياره، استقدم قوى مسلحة من دول متعددة، بل اطلق نظرية ان “سوريا ليست لسكانها بل لمن يدافع عنها مهما كانت جنسيته”، مما يفسر جوانب من استراتيجية النظام لتغيير التركيب الديمغرافي السوري. ولا يمكن ان يكون مبرر ذلك الرد على مجيء الجهاديين لدعم الثورة السورية اذ انهم تسللوا كافراد رغم اجراءات منعهم من قبل دول الجوار.  
لا يمكن الخروج من المأزق، بدون توافق اميركي روسي حول حل سياسي يفرض على طرفي الصراع لتنفيذه. وهو توافق لم يحصل بعد رغم كثافة الحراك الدولي الدبلوماسي، لكنه ليس مستحيلا في المدى القريب، فلا تزال السياسة الروسية والاميركية تتجنب صراع مباشر، رغم سياسة بوتين لمحاولة استرجاع دور الدولة العظمى المفقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. في ظل هذا المناخ جاء الانسحاب الجزئي الروسي، ليوقف فقط الغارات على المعارضة المسلحة المعتدلة، لتتحول روسيا لضرب اهداف ادعت انها جاءت من اجلها، ويظهر ذلك في مشاركتها الكثيفة في معركة تدمر ضد داعش. 
ايقاف عملياتها ضد المعارضة المعتدلة بعد اعادة التوازن المختل، تهيئة لامكانية تسوية سياسية من خلال التفاوض بين النظام والائتلاف في ظل تفاهم محتمل على اسس الحل بين اميركا وروسيا. ليست روسيا على درجة من الغباء لتظن مثل النظام بانه يمكن الحسم عسكريا. فرغم تقدم النظام الاخير شمال حلب، روسيا تدرك ان داعمي المعارضة السورية اقليميا ودوليا لن يتركوها تنهزم نهائيا، ويمكنهم دعمها مما سيطيل الصراع، في مثل هكذا وضع محتمل، روسيا تعرف من تجربتها انها ستقع في مستنقع، لا تتحمله اوضاعها الاقتصادية المأزومة بسبب المقاطعة الغربية وازمة اسعار النفط.
كتبت مقالات عديدة تنتقد النظام الايراني، هل من أجل تدخله المباشر في الشأن السوري؟ أم أن للمشروع الايراني خطورة على المجتمع الدولي؟
انتقادي للنظام الايراني لم يبدأ مع التدخل المباشر في الشأن السوري، بل يعود لما يزيد عن عقدين عند بدئي بكتابة مقالات سياسية، بل اني اصدرت كتابا بعنوان “خيارات ايران المعاصرة، تغريب، اسلمة، ديمقراطية”-2002- الذي عكس اهتماما بالثورة الشعبية الايرانية ضد الشاه التي تحمسنا لها قبل ان يركب رجال الدين موجتها ليقيموا الحكم الديني للولي الفقيه كبديل لنظام ديمقراطي يلبي طموح الشعب الايراني. كما عكس الاهتمام رغبة في متابعة نموذج لثورة قد يصلح لدول عربية كانت شعوبها تتوق للتحرر من ربقة انظمتها المستبدة. ولتشابه نسبي في انه تلا اسقاط حكم ديكتاتوري استيلاء التيار الاسلامي على السلطة وهو ما يتكرر حاليا في بلدان عربية. الكتاب صدر في فترة كان فيها الاصلاحي خاتمي رئيسا يسعى لاصلاحات تلبي طموح الشباب والنساء في التحرر. 
ولكن بعد تبين فشل التيار الاصلاحي لاصطدامه بالحكم المطلق للمرشد، انعكس ذلك في مقالات لاحقة للكتاب عندما اصبح الامل في انتفاضة شعبية للتغيير، تحققت في الثورة المليونية الخضراء 2009 والتي رغم فشلها فقد كانت تدريب عام لقطاعات واسعة من الشعب لانتفاضات قادمة تسقط حكم المرشد الذي اطلق عليه المتظاهرون اسم “الشيطان الاكبر”.  

تيارات سياسية فلسطينية للآن مع النظام، وباعتبارك كاتباً فلسطينياً- سورياً، كيف تقرأ الوجود الفلسطيني في اللوحة السورية؟
التياران الاساسيان السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بالاضافة لفتح ومنظمات اخرى، وسلطة حماس في قطاع غزة. الاخيرة وقفت مع الثورة السورية بحكم انتمائها للاخوان المسلمين المشاركين في الثورة السورية. في الجانب الآخر فان السلطة الفلسطينية تتبع مصالحها وتبقي على علاقة مع النظام السوري ولكنها لم تشارك في اي نشاط حسب علمي مؤيد للنظام. منظمات اليسار الفلسطيني هي الاكثر تحمسا للدفاع عن نظام تصدق انه “ممانع ومقاوم”، كجزء من يسار محلي وعالمي لا زال يؤمن بخرافة معاداته “التاريخية” لما يسميه “الامبريالية”، ترويجا لمفاهيم الحرب الباردة المنتهية الصلاحية. 
فيما عدا ذلك فهناك منظمات مثل جبهة جبريل والصاعقة وغيرها منبوذة فلسطينيا بصفتها واجهات للاجهزة الامنية للنظام. لم تفترق عنه طوال مسيرتها فقد ايدت التدخل السوري ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية في السبعينات. كما قاتلت الى جانب النظام في حرب المخيمات اللبنانية التي انتهت بطرد المنظمة الفلسطينية من لبنان، كما وقفت مع حزب الله في مواجهة انتفاضة الارز ضد الاحتلال السوري عام 2005 وما بعدها. فموقفها ليس جديدا في تأييد نطام هي عميلة له. 

أوساط من المعارضة والنظام عارضت إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي فيدرالية جغرافية لا قومية. لماذا؟  ما التخوف من هذا الإعلان؟
من الطبيعي ان ترفض كافة اوساط المعارضة اعلان الحزب الاوجلاني لفيدرالية على الاراضي التي سيطر عليها بقوة السلاح وبتسهيل وتسليم من النظام الذي يتعاون معه. ولكن بعيدا عن المظاهر الاعلامية فالإعلان يكاد يكون “زوبعة في فنجان” لم يغير شيئا على ارض الواقع، فالأساس هيمنة ميليشيات الحزب المطلقة على كل ما يتعلق بالشأن العام في مناطقه. وسبق ان اعلن “الادارة الذاتية” للفت النظر عند انعقاد جنيف 2 دون دعوته، كما اعلن عن “مجلس قوات سوريا الديمقراطية” عندما لم يدع لمؤتمر الرياض، لتأتي الزوبعة الاخيرة “الفيدرالية” لتجاهل دعوته لمؤتمر جنيف3. هو مجرد اعلان لم يغير شيء من هيمنة الحزب في مناطق تواجده، سوى تسميات وتشكيلات وتجمعات وهيئات واحزاب اتقن الحزب لعبة تشكيلها وابرازها كدمى تتحرك باوامره. لذلك لا داع للتخوف من الاعلان، فالفيدرالية كشكل من اشكال الحكم الذاتي اللامركزي ليست مرفوضة مبدئيا من قبل المعارضة، بل متروكة لمشروع الدستور الجديد الانتقالي او الدائم الذي يقر باستفتاء عام. فيما ان اي حزب جاد من حقه ان يدعو للفيدرالية في سوريا المستقبل، ولكن ليس من حقه فرضها بقوة السلاح دون استفتاء الشعب المرجع الوحيد. اما النظام فلن يقبل على الاطلاق بفيدرالية حقيقية بحكم انه نظام استبدادي مركزي كل السلطات فيه محصورة بيد الحاكم المطلق، وما تصريحه الخجول عن رفض اعلان الحزب سوى مناورة، لا تغير شيئا من التعاون الراهن القائم مع الحزب.
صحيفة ” كوردستان” العدد 533

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…