افتتاحية مواطنة 4/4/201
إنْ يكشف مشروع تمكين المرأة وحضورها على الصعيدين السياسي والمدني، كما “حارب” السيد ستيفان ديمستورا لأجل ترسيخه في لجنة مفاوضات جنيف3، عن شيء، فإنه يكشف عن هزالة المعارضة السورية وضعفها في تمكين المرأة ضمن مشروعها السياسي والمدني. لا بل يمكن الذهاب أبعد بالقول، إن “المجلس الاستشاري النسائي”، الذي حضر اجتماعات جنيف الأخيرة ممثلاً عن المجتمع المدني، يشير إلى إصرار تشكيلات المعارضة على تهميش دور المرأة وحضورها في المشهد العام للثورة، وتحنيط دورها بحيث لا يتعدى “الديكور” الذي لا بد منه لإثبات ديمقراطية الثورة في اللحظة المطلوبة.
ففي الوقت الذي كنا نأمل فيه من المعارضة السورية أن تعمل بشكل جاد وعميق لتحويل مشروع تمكين وحضور المرأة سياسياً ومدنياً واجتماعياً واقتصادياً إلى واقع يفرض نفسه بقوة في الثورة وتالياً في البلد بعد سقوط النظام، نرى ـ بكثير من الأسف ـ، كيف انحسر المشهد النسوي السوري في قبضة مجموعة مهتمة فقط، بصناعة الديكورات الأخيرة للعرض. وفي الوقت الذي نعتبر فيه أن التّمكين السياسي للمرأة السورية سيساعدها على اتخاذ القرارات التي تضمن حقوقها وتُضيّق ـ ما أمكن ـ، الفجوة العميقة التي تفصلها عن الذكر، فضلاً عن أهمية التمكين في تغيير واقع معاش ثرنا عليه وعلى قيمه الأسدية، إلاّ أنه عندما يأتي مثل هذا التمكين من خارج الثورة ومن خارج سوريا فهذا يضع الكثير من الأسئلة التي يمكن وضعها برسم جميع تشكيلات المعارضة السورية وخصوصاً الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت عن مؤتمر الرياض. وإزاء هذا المشهد، فإنه لم يكن مستغرباً أن نشهد جميعاً ما نتج عن بيان “المجلس الاستشاري النسائي” بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده أربعة نساء على هامش اجتماعات مؤتمر “جنيف 3″، والذي طالبن فيه بالعديد من النقاط التي تصب قولاً واحداً في مصلحة نظام الأسد. لكن وفي ظل عجز تشكيلات المعارضة السورية عن مواجهة بيان “مجلس ديمستورا النسائي”، لم تتأخر كل من شبكة المرأة السورية واللوبي النسوي السوري، في المسارعة لإعلان موقفهما بوضوح من البيان، واعتبرتاه “إهانة كبيرة لتضحيات شعبنا السوري في ثورته ضد الطغيان والاستبداد الأسدي” فقد أشارت الشبكة في بيانها الذي أصدرته بتاريخ 25 آذار/مارس الماضي إلى أن البيان “لا يمثل سوى النساء اللاتي وقعن عليه”، فيما اعتبر اللوبي النسوي السوري أن البيان “يساهم في تسطيح دور النساء وتنميط أدوارهن بمفاهيم معلبة بعيداً عن دورهن السياسي والحقوقي النضالي ضد كل أشكال الاستبداد”. في المقابل، ورغم كل هذا الدمار والقتل والخراب الذي مورس بحق شعبنا السوري وبعد أكثر من 300 ألف ضحية و10 ملايين مشرد، نرى هناك من يستطيع التبرير للمجرم الذي تلطخت يداه بدماء الشعب السوري، ونجد من يعمل بطريقة ممنهجة لتجاوز إجرام النظام الأسدي بحجة أولويات “الغذاء والدواء”، التي فرضتها أجندات أقليمية ودولية بالتعاون مع النظام وجعلها حاجة ملحة للشعب السوري. والسؤال الذي يمكن أن نتوجه به لنساء المجلس الاستشاري النسائي، هو هل يمكن حقيقة!!، إيجاد حل مع نظام لا يزال يرتكب المجازر بحق شعبه، ولا يزال يمارس التعذيب الممنهج داخل أقبيته وسجونه، وهل يمكن رفع العقوبات قبل إيجاد حل جذري للأزمة السورية، بحيث يستفيد منها الشعب السوري وليس الحاكم بأمره. لا شك أن الموقف الذي اتخذه اللوبي النسوي السوري تجاه البيان وتعليق شبكة المرأة السورية عضويتها في “مبادرة نساء سوريا من أجل السلام والديمقراطية”، والتي تشارك في المجلس الاستشاري النسائي الذي شكله ديمستورا، كنوع من الاحتجاج على ما ورد في بيان ومؤتمر المجلس، ينم عن وعي سياسي واضح وانتماء حقيقي لمعاناة الشعب السوري، لكن السؤال الذي يثور مقابل كل ذلك هو كيف استطاع ديمستورا تشكيل هذا المجلس بهذا الزخم الإعلامي الكبير، واحتلاله هذه المساحة الكبيرة في جلسات التفاوض، في الوقت الذي لم نسمع فيه شيئاً ـ مثلاً ـ، عن اللجنة الاستشارية النسائية التي خرجت عن الهيئة العليا للمفاوضات، والتي كان من المقرر أن تكون هي الفاعلة في اجتماعات جنيف3!. فهل كان بإمكان ديمستورا وغيره أن يضطر لسد الفراغ النسوي بالدعوة لتشكيل مثل هذا المجلس، لو كان لدينا حضور نسائي حقيقي تتبناه معارضتنا وتفرضه على طاولة التفاوض والحل السياسي والمدني في سوريا المقبلة؟!. هذا السؤال لا يندرج فقط على غياب المرأة، بل يمكن تمريره على غياب المعارضة ككل عن المشهد السوري، إذ لا بد من العمل جدياً لتغيير العقلية التي أدارت ـ ولا تزال ـ الحراك الثوري طيلة السنوات الخمس الماضية، ولا بد من تغيير بنيتها الداخلية والجوهرية، فهذه هي المعركة الأولى التي يجب الانتصار فيها من أجل الذهاب بسوريا نحو الديمقراطية ودولة المواطنة المتساوية.