الكرد في ميزان (جنيف3)

علي شمدين*
لقد وقف الشعب الكردي في سوريا على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، في وجه النظام البعثي الشوفيني وسياساته العنصرية، وناضل من اجل تأمين حقوقه القومية التي تبلورت مع انطلاقة الثورة السورية في صيغة المطالبة بإقامة نظام فيدرالي يحقق للشعب السوري عموماً الديمقراطية والعدالة والمساواة، ويضمن للشعب الكردي بشكل خاص حقوقه القومية التي تقرها المواثيق والمعاهدات الدولية.
وقد عاني الشعب الكردي في سوريا في هذا الاتجاه مختلف أشكال التنكيل والتعذيب والملاحقة والحرمان وتطبيق أسوأ المشاريع العنصرية والسياسات التعريبية بحقه، وكان أمله في أن القوى الوطنية والديمقراطية ستنهض يوماً لتوقف هذه السياسات والمشاريع وتقرّ بهذه الحقوق في ظل نظام ديمقراطي بعيد عن الاضطهاد والقهر والاستبداد،
وبانطلاقة الثورة السورية انتعشت هذه الآمال أكثر بغد أفضل، ولهذا كانت مشاركة الكرد واسعة وفعالة في الثورة السورية التي انطلقت في (15/3/2011)، وسارعت حركته السياسية وخاصة المجلس الوطني الكردي للمشاركة في المحافل الدولية وللانضمام إلى  الأطر الوطنية المعارضة التي بدأت تتبلور مع بداية الثورة، وكان معيار انضمامها مدى إقرار تلك الأطر واستجابتها للحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا.
ولكن مثلما اصطدمت تلك الآمال فيما مضى بالعقلية الشوفينية لدى النظام البعثي المتنكرة للوجود الكردي وقضيته القومية، كذلك تصطدم اليوم بنفس العقلية المتجذرة لدى البعض من أقطاب المعارضة السورية وقادتها، التي تصر على عدم الاعتراف بحقيقة وجود ثاني أكبر مكون قومي إلى جانبها في البلاد وتتهرب من الالتزام الدستوري بحقوقه المشروعة، وقد تتوجت هذه العقلية الشوفينة في مؤتمر جنيف3، حيث شكلت القضية الكردية البند المشترك الوحيد بين وفدي (المعارضة والنظام)، فجاءت وثيقة المبادئ التي تقدم بها المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا إلى الوفدين، خالية نهائياً من أية إشارة إلى وجود الشعب الكردي وحقوقه القومية، فضلاً عن تصريحات رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد المسيئة لقضيته الشعب الكردي والمهينة لإنسانيته، كل ذلك والممثلون الكرد مازالوا مستمرون بحضورهم في وفد المعارضة الذي يترأسه هذا الشوفيني الأعمى لابل يتهمون كل من يطالبهم بالانسحاب احتجاجاً.
ومن هنا، وعلى ضوء هذا التجاهل المقصود والمثير للاستفزاز من جانب المعارضة التي وضعنا فيها الثقة والآمال، والصمت الذي خيم على الأعضاء الكرد المتمثلين في الوفد المفاوض الذين منحناهم دعمنا ومساندتنا في عدم الصمت على ذلك، أطلق الرفيق حميد درويش مبادرته والتي دعا فيها الممثلين الكرد إلى الانسحاب وتشكيل وفد موسع برعاية رئيس الإقليم وبدعم من الأحزاب الكردستانية الرئيسية (YNK,PDK,PKK)، والمطالبة بطرد الزعبي من الوفد المفاوض وتعديل وثيقة ديمستورا لتتضمن الحقوق القومية للشعب الكردي كثاني أكبر قومية في البلاد، وإلاّ فإن هذه العقلية ستقود المؤتمر إلى فشل ذريع، خاصة وإن أصوات وطنية جريئة بدأت تتعالى من الوسط العربي ضد تلك العقلية من أمثال الدكتور برهان غليون والشيخ معاذ الخطيب والدكتور وليد البني وغيرهم.
3/4/2016
* عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…