الفيدرالية الشمالية في كوردستان سوريا … وفلسفة «ربّ ضارة نافعة».!

عنايت ديكو 
 نعم … لقد كان القرار أحادي الجانب وحزبياً ولم يشترك في صياغته الآخرالكوردي من (المستقلين والأحزاب والحراكات الثورية الشبابية والمثقفين والنشطاء وغيرهم … الخ) وقرار الإعلان عن الفيدرالية حقيقة كان بمثابة الهروب الى الأمام السياسي للتخفيف من وطأة استحقاقات المرحلة والتي تتطلب الوحدة والتكاتف والتلاحم وتوحيد الجهود والخطاب الكوردي دون انتظار والقفز فوق التناقضات والصراعات الحزبية . هنا ومن حق المتابع أن يسأل : هل الإعلان عن الفيدرالية من قبل حكمدارية  ” PYD 
” ومن جانب واحد ؟ كان الهدف منه هو القفز الى ساحة اللا شعور الجمعي الواسع للكورد من أجل خلق مناخات ومساحات وظروف مرنة للمضي قدما والوصول في النهاية الى ترتيبٍ داخلي للبيت الكوردي وخاصة نحن نمر في ظروف عصيبة وإستثنائية جداً ؟ والقضية الكوردية بمجملها تمر في مراحل ومفاصل صعبة ودقيقة والمخاضات العصيبة تنتظر وترافق المولود الجديد ؟ فإن لم تتكاتف الجهود ، بل وكل الجهود لربما تموت الأم والرضيع معاً بين أيدينا ؟ . أم أننا نحن أمام تكرار وإنتاجٍ للسياسات القديمة لحزب الإتحاد الديمقراطي والتي تعودنا عليها . 
على ضوء هذه السردية وعلى الطرف الآخر من المعادلة كان لنا نحن مجموعة من المستقلين والمثقفين والوطنيين لقاء مع أخ من ” حزب الاتحاد الديمقراطي ” أعرفه منذ أكثر من 12 عاماً والذي أعتبره منالحمائم في حزب ال ” PYD ” وله نفس طويل في التعاطي مع الأحداث والتعامل مع الآخر . لقد وضعنا الواقع الكوردي السوري على المشرحة وبدأ كل واحد منا ينظر الى المشهد من زاويته الخاصة ، وأنا شخصيا كنت حريصاً جداً على مسألة الحريات العامة وحقوق الإنسان ودور الآخر المختلف في بناء الإنسان والأوطان ، الى جانب طرح ومناقشة العديد والكثير الكثير من المسائل والإشكاليات في البيت الكوردي بإسهاب وتعمق واستماع . لقد كانت جلسة في غاية المقصود والتي اعتبرتها إختراق في دفع الركود الكوردي النائم نحو الدينامية والحركة وخاصة إذا تطورت هذه الحوارات والتقاطعات وشملت الأطراف السياسية الكوردية والشرائح المجتمعية الأخرى . عندئذٍ سنكون قد وضعنا العربة على السكة الكوردية الصحيحة والتي علينا إعطاء الأهمية الكبيرة والقصوى لها وخاصة في هذه المراحل العصيبة وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الكوردية المختلفة وحتى المتناقضة منها حرصاً علىالمصلحة الكوردية العليا والتي أراها خطوطا كوردية حمراء . وما كان لافتاً للنظر والاهتمام في هذا اللقاء هو إنني سمعت مرّات عديدة وكثيرة ومتتالية عبارة إن (المصالح الكوردية العليا) هي فوق أي اعتبار حزبي ، وهذا في الحقيقة وبحد ذاته ما دفعني وجذبني الى كتابة هذه الأسطر .
في الأخير وبعد لقاء طويل ومفصل والتعرج على الممنوعات والمسموحات ، خرجت بإنطباع بأن حزب ال ” PYD ” بحاجة الى عمقٍ آخر والى أخيه الكوردي الآخر مثلما الآخر هو أيضاً بحاجه ماسة إليه ، ومثلما نحن كلنا بحاجة الى العمق الآخر البعيد، فالسياسة والجغرافيا تضغطان علينا وبلا رحمة وعلى كلنا جميعاً العمل على حماية المصالح الكوردية العليا عبر البحث عن إنشاء تحالفاتٍ جديدة ومختلفة نتيجة الاختلافات الكبيرة في موازين القوى على الساحتين الداخلية والخارجية وظهور تكتلات وتحالفات وتباينات جديدة ومختلفة . فصديق البارحة مثلاً لم يعد صديقاً وعدو البارحة لم يعد بتلك الشراسة العدوانية التي كان يتمتع بها سابقاً ويُهدد الكورد يميناً ويساراً . فلا قيمة للأول منا بدون وجود الآخرالمختلف منا ، وهذه هي حقيقة لا نستطيع نكرانها وطمسها بالمواقف الارتجالية والنشوة الحزبية والعسكرية . لقد إلتمست بأن ال ” PYD ” لا يهربون من المبادرات وجادون هذه المرة ، لأن ما هو موجود على الأرض ودخول الحيتان الكبيرة ساحة الصراع سياسياً وعسكرياً هو أكبر وأثقل بكثير من كل الأحزاب الكوردية وبرامجها السياسية ، قائلين بأن وحدة الصف سيضمن للكورد المشروع الفيدرالي بشكل أكبر وسيكون هذا التكامل الكوردي هوالضامن الأكبر لاستمرارية هذه الفيدرالية وجعلها حقيقة ساطعة تحت الشمس، خاصة ونحن نرى الهجمة الفاشية من قبل الجهات الاسلامية والعروبوية الراديكالية وتكالب العنصريين والمتزمتين والبعثيين تجاه الكورد وقضيتهم وحقوقهم عموماً كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية .
نعم … لقد كان نقاشاً جاداً وعقلانياً وهادئاً . ولكن نتيجة للانكسارات وخيبات الأمل الكوردية واحدة تلو الأخرى . قلت له ياعزيزي : نتمنىٰ أن لا تكون هذه أيضاً مناورة سياسية كسابقاتها، ونتمنى أن تفتح الحكمدراية أبواب الحوار وأن تساهم بجدية وفاعلية في التقارب الكوردي الكوردي، فإن لم تفتح هذه الأبواب اليوم ستكون الخسارة كوردياً وكوردستانياً ولربما يكتب التاريخ عنا يوماً ويقول : ” ذات يوم مرّوا الكورد من هنا “، فعلى الحركة الكوردية وعلى رأسها ال ” PYD ” فتح كل القنوات والأبواب المغلقة والموصودة والدعوة الى الكل وبدون استثناء أو إقصاء لأحد وتحمل المسؤولية التاريخية ، فما هو موجود اليوم على الأرض كما قلنا هو أثقل وأكبر من حجم كل الأحزاب الكوردية السورية ولربما الكوردستانية أيضاً، فالتطورات الدراماتيكية للجغرافيا والسياسة وتحريك رمال التحالفات والتكتلات تتطلب منا الإرتقاء والقفز فوق كل التناقضات وإلتآم الجراحات وبالسرعة القصوى من أجل الفيدرالية والحفاظ عليها ودفعها الى ساحة الحقيقة على الأرض ، ومطلوب من الجميع أن يساهموا في بلورة وتطوير الفيدرالية وجعلها حقيقة كوردية أولاً وأخيراً .
– وفي الأخير قدمت للصديق العزيز من حزب ال ” PYD ” جملة ملاحظات واقترحات والتي اعتبرتها مطالب شعبية كوردية لا تحتاج الى الصبر والنقاش البيزنطي والتفسير والتأجيل والتأويل والتجاهل . 
1 – إزالة ثقافة الخوف والرعب التي ينتاب الكوردي الآخر من التعبير عن دواخله وإطلاق العنان للحريات العامة والوقوف على مواطن الخلل في ظهور هذه الصورة التي ترافق اسم ال ” PYD ” بشكل عام ، وأليست الممارسات علىالارض هي التي ساهمت في ظهور هذه الصورة المرعبة في العقل الباطني لدى الآخر الكوردي .؟
2 – الفيدرالية مطلب كوردي جمعي وكلّي في كوردستان سوريا وهو مطلب الأحزاب الكوردية الأخرى ومطلب قواعدها الحزبية أيضاً وهو مطلب جماهيري كوردي بلا منازع ، فبعد إعلانها من قبلكم لم تعد الفيدرالية ملك حصري لكم لوحدكم ولحزبكم ، باتت اليوم ملكاً لجميع الكورد والسوريين عموماً، فبالرغم من معارضتي الصريحة ومعارضة الكثير من الأطراف والشخصيات المستقلة والأحزاب والتيارات السياسية لسياسات ال” PYD ” وخاصة الاقصائية منها… الا إنني أرى أن اعلان الفيدرالية هو انتصارٌ تاريخي ومكسب استراتيجي للكورد السوريين بغض النظر عن من أعلنها .
3 – فور الاعلان عن الفيدرالية بات الحراك الثقافي والشعبي والجماهيري الكوردي يعود الى الساحة من جديد وبقوة ، فحتى قواعد الأحزاب الكوردية المعارضة لكم باتت تشعر بنوع من الارتياح . فعلى الحركة الكوردية بشقيها (( ENKS – TEV DEM)) استثمار هذا الظرف وهذا الكمون الكوردي الضاغط والبحث عن التقاطعات والحلقات المفقودة في المعادلة لبناء سياسة كوردية موحدة في سوريا على أساس المصالح الكوردية العليا .
4 – صحيح بأن إعلان الفيدرالية جاء من طرف كوردي واحد هو حزب ال” PYD ” ، لكننا اليوم جميعاً معنيون بها وبإرتداداتها ونتائجها وإفرازاتها وعواقبها . فعندما ضرب صدام حسين مدينة حلبجة بالكيماوي لم يقل بأن هذا الحزب أفضل من ذاك الحزب وأن حلبجة فيها جحوش مرتبطون ببغداد ، لقد قصف ” صدام حسين ” حلبجة عن بكرة أبيها… وقصف الكورد … وقصف كوردستان بغض النظر عن التناقضات التي كانت موجودة بين الأطراف والأحزاب الكوردستانية في العراق. صحيح بأن طرف كوردي أعلن عن الفيدرالية من جانبه وبشكل أحادي ، لكننا كلنا معنيون بها وبنتائج وعواقب هذا الخطوة وكلنا مسؤولون عنها شئنا ام أبينا وبغض النظر عن قربنا وبعدنا عن سياسات ال ” PYD “.
5 – الدعوة الصريحة ل ” بيشمركة رجآڤا ” بالقدوم الى الوطن والإستفادة من وجودهم حتى لو كان شخصاً واحداً والعمل على إيجاد آلية مشتركة تجمع ال ” YPG ” مع البيشمركة تحت إسم مشترك وواحد . 
6 – فتح أبواب السجون والمعتقلات والزنازين وإغلاق هذه القضية وإستثثمارها كوردياً وجعلها أرضية للتقارب بين كافة الشرائح المجتمعية وخلق جو منالتقارب الكوردي – الكوردي ، مهما كانت النتائج وإن كان ذلك على حساب ومكاسب ال ” PYD ” أنفسهم .  
7 – خلق أرضية قومية كوردية جديدة لإدارة الصراع والأزمات وإسكات المدافع والاقلام المسيئة والرشاشات الحزبية المتصدئة والتي لا تستطيع مواكبة العصر ومتطلباته ، ودفع المستقلين والمثقفين والوطنيين والغيورين من المجتمع الى المساهمة في الحوار وتقريب وجهات النظر والعمل على ترتيب البيت الكوردي .
8 – إغلاق كافة البرامج التهديدية والتحريضية في الإعلام وخاصة ” روناهي تي ڤي ” والتي أدت الى بتر وإقصاء ومحو الآخر الكوردي وبناء سياسة اعلامية كوردية جادة ومنفتحة تأخذ المصالح الكوردية العليا نبراساً لها.
9 – بناء تحالف قومي كوردي في سوريا تحت مسمى كوردي ، مثلاً (الجبهة الكوردستانية) والرجوع الى مبادئ وإتفاقيات هولير ودهوك كخطوة إسعافية ،لأن المصلحة العليا لهذا الشعب المضحي والجّبار هي أهم من كل البيانات والاجتماعات والتناقضات والصراعات الحزبية هنا وهناك .
 
* تنويه … يأتي هذا المقال تجسيداً وإستجابة لدعوات عامة وشخصية من قبل طرفي الخلاف الكورديين في التركيز على القواسم المشتركة والقيام بالمساعي الحميدة في هذه الفترة الحساسة التي نمر بها .
إقتضىٰ التنويه .
 بون  02.04.2016

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…