ابراهيم محمود
الفيدرالية بين الكرد أنفسهم أولاً:
” إلى ساسة الأحزاب الكردية: أخوة الدم المهدور “
=====
ربما من أبسط الحقوق لأي شعب، حقه في التمايز، ولا شيء يرفع من قيمة شعب ما، ويبقيه منفتحاً على الحياة، ومتفاعلاً مع الآخرين مثل تمايزه، ضمن علاقات محفوظة قانوناً. وما يدعو إليه الكرد منذ زمن طويل إلى هذا الحق الذي هو من البداهات، يفصِح عن مدى التجّني على حق التمايز، لا بل تجنّي من يتجنى على الكرد بالذات، كونهم يعيشون تشوّهات ذاتهم الإنسانية، وسوء فهمهم للحياة عينها. إنما..إنما، هل أدرك ممثّلو الكرد حقيقة ما يطالبون به، وهم يعيشون تشوهات كرديتهم فيما بينهم هم أنفسم؟ بمعنى آخر: هل يعيشون الكردية وهم في واقعهم شُعَبٌ من الأكراد ؟ والفيدرالية تقابل الكردية في جمعها الانسجامي!
كما لو أنهم لم يصدّقوا الفرصة وبصيغ مختلفة، في تأكيدهم على حق الكرد كشعب في التمايز، وبينما هم في حماسهم وهم يتنافسون في التعبير عنه، ينسون شيئاً واحداً، ألا وهو: كيف لهم أن يطالبوا مَن تقاسموهم وقسَّموهم، وقصقصوا هم أنفسهم بعضهم بعضاً، إلى درجة مغالبة أعدائهم أحياناً في الاقتسام والتقسيم ومن الداخل، كأنّي بالواحد منهم خلِق ليمارس تفتيتاً وباسم الحزب أو دونهم، ليكافأ على ذلك، في الآخرونفسه والعالم من حوله؟
تقتضي مطالبة أعداء الكرد بالفيدرالية بداية، أن يراجع ممثّلو الكرد هؤلاء أنفسهم، أن يتدارسوا وضعهم الممزَّق عبرهم أو جرّاء انقساماتهم؟ إذ إن من بين أسباب عدم تجاوب أعدائهم لمطاليبهم، وحتى استخفافهم بهم، ثمة سبب مدعَّم بالوقائع الملموسة: تفرقهم ومعاداة بعضهم للبعض الآخر.. وهم لا ينفكّون يتحدثون عن وحدة الصف الكردي، كما لو أنهم الشعب إذ يعيش في بؤس وضع، مفكَّك الأوصال، وأن الشعب هو الذي يمارس سلطته عليهم. فمن المخاطِب ومن المخاطَب؟
التداعي إلى تطبيق الفيدرالية فيما بينهم أنفسهم، هؤلاء أخوة الدم المهدور، أو الخطوة الأولى في طريق وحدتهم الكردية، أن يعيشوا الفيدرالية الفعلية داخلهم، فيما بينهم، أن يتأهلوا إلى مستواها، أن يعيشوها قلباً وقالباً، إذ طالما ينتقلون جرّاء داء انقسامهم الكردي- الكردي، من انقسام تحزبي إلى آخر فآخر وآخر وهكذا دواليك، سينتقل أعداؤهم وخصومهم إلى رتبة أعلى، ليزدادوا قرباً منهم، وتنامي سيطرة عليهم وتحكماً في مصيرهم الكردستاني.
أن يكونوا فيدراليين فيما بينهم، هو أول الاعتراف البيني: اعتراف كل واحد بالآخر، معرفة ما له وما عليه، فالفيدرالية لا تعني في الحال: الضغط على المطالَب في تحقيق المطلوب، إنما تعني عملياً، حقيقة معايشة الطالِب بالفيدرالية جمعاً، والكرد يصعب عليهم أن يكونوا جمعاً، لكأن التجارب علَّمتهم أن يعيشوا حق التمايز في التنابز والضياع الذاتي.
الفيدرالية ما كانت، ولن تكون نقلة نوعية من مستوى حياتي ونفسي إلى آخر بجرّة قلم، كونها تحتاج إلى رصيد ائتماني: قيمي ونفسي واجتماعي وسياسي له زخمه، أي طاقة استيعاب لمدلول الكلمة، وأحسب، أحسب وأحسب، أن جل الذين يندفعون في هذه الأيام، وهم متنافرون، ولسان حالهم يهتف: فيدرالية، فيدرالية، في غرابة عن أنفسهم، وللدقة، عن المفردة ذاتها. إنها لا تستجيب لدعوى لها وزنها، إلا إذا كان طالبها ذا وزن نوعي يتناسب وقوتها، أي ما يقابل ” ثمنها “.
الفيدرالية خطوة أولى ورئيسة لمعانقة الحرية التي تمنح الذات انفتاحاً على الحياة المدنية، إنها عينا الحرية اللتان تكفلان للمعني بها لأن ينتقل إلى الخطوة التالية عليها وكله إبصار. وأرى أن ليس لدى ممثّلي كردنا المنقسمين على بعضهم بعضاً رصيد قوة يؤذن لهم بالمرور والعبور إلى نطاق الخطوة الأعلى: تسمية الفيدرالية بوعي.
ستقولون إن كل هذا الكلام يتمحور حول لزوم وحدة الصف الكردي! هذا صحيح، ولكن لئلا نتفقه على بعضنا بعضاً بالمقابل، ينبغي التنويه إلى غياب هذه الحلقة ” الرابط ” التي تصل ما بين الحلقة الأولى: معايشة الفيدرالية، والثالثة: تطبيقها.
في ظل هذا التنافر، أعتقد أن الحديث عن الفيدرالية بطبعتها الكردية، حديث خرافة يا ” أم كردو “، ليس لأنها هي ذاتها خرافة، إنما لأن الذي يشدد عليها ويجهل مطلبها الأساسي لتكون له، لتسنده، نظير خرافة وأكثر.
هذا يحتّم على أخوة الدم الكردي المهدور أن يسائلوا أنفسهم عما بأنفسهم، أيٌّ مسٍّ لاكردي يقصيهم عن أنفسهم وهي تطمئن إلى الجمع المتناغم والمعزَّز داخلهم، أن يشغلوا تفكيرهم قليلاً عما بهم وكلهم عين مثبتة على نقطة، وهي سراب مخادع، لأنهم من حيث الموقع المختار يتبادلون الخداع، إذ، وهم في ظل خصومهم، يتنافرون ويتخاصمون، فكيف لو أنهم تُركوا وبقوا وحيدين متناظرين متواجهين، وكلٌّ منهم يشد قبضته ويهزها في وجه الآخر؟
أن يعيش الواحد مضروباً في الآخر، لن تكون النتيجة صفراً هذه المرة، إنما أكثر إيذاءَ أثر من ذلك، وحسب هؤلاء، حسبهم، ولو لمرّة واحدة، أن يفكّروا أنهم كرد، ليكون أول نفَس للفيدرالية ملء صدورهم، وحينها سيَروا كيف أن هذه الفيدرالية العزيزة على قلوبهم وشعبهم، سوف تنطلق بهم إلى الموقع الذي تاقوا إليه منذ زمان طويل طويل.
فقط لو يجرّبوها لمرة واحدة، قبل أن يخرجوا من التاريخ شر خروج ودفعة واحدة، لا عودة بعدها إليه البتة.. البتة!
م: هذا المقال المكتوب على عتبة الأول من نيسان2016، حيث يتردد صدى كذبته، فلا أكثر من ” كذبات: صيغة تخفيف من أكاذيب ” الذين يركّزون، ممّن يعرفون أنفسهم كردياً، على قول الحقيقة وسرعان ما يركلونها، فليصْدقوا إذاً!
دهوك- في 1-4/2016