افتتاحية موقع مواطنة
لقد أثارت إعادة نشر مقابلة” أسعد الزعبي “، رئيس وفد المعارضة، مع راديو أورينت الكثير من الأحاديث والمداولات في أوساط الناشطين وفجرت أزمة حقيقية في الهيئة العليا للمفاوضات أدت إلى خروج الاعضا ء الكرد من جلسة المفاوضات الأخيرة في جنيف , فيما وقع العشرات من الناشطين والمثقفين العرب و الكرد على “بيان إدانة مؤسسة «أورينت نيوز» بسبب تجاوزها لشرف المهنة ووصف الشعب الكُردي بأبشع الأوصاف !! وانبرت أورينت بالرد عليهم ب ” هذه الحثالات مضافاً إليها بعض الأفراد من طوائف بعينها وبعض شذاذ الآفاق من الأغلبية والذين اعتادوا على استخدامهم كواجهة تشرعن مشاريع التقسيم والتطهير العرقي”.
هذا الأمر ليس عرضيا كون مؤسسة أورينت تعتبر من أهم المؤسسات الإعلامية المحسوبة على المعارضة السورية والثورة ،وهي تشكل جزءاً هام من بنية خطاب المعارضة أيضاً ، والأمر لا يتعلق فقط بهذا اللقاء ،على أهميته , باعتبار ” أسعد الزعبي”يمثل اليوم قمة الهرم السياسي للمعارضة السورية , بل بسلسلة تصريحات ولقاءات صدرت عن شخصيات هامة في المعارضة على مدى السنوات الخمس الماضية، أثارت الكثير من الجدل وسببت الاحتقان , ليس بتناولها وإساءاتها لمكون بحد ذاته والتحريض ضده بل ببث خطاب أقل ما يقال عنه أنه خطاب كراهية وعنف بين مكونات المجتمع السوري عامة .
هذا الخطاب ليس جديداً تماما ، فقد سمعناه سابقاً في بعض الساحات و المظاهرات وعبر وسائل إعلام تدعي انتماءها للثورة ،وكان الخطاب يبرر من قبل البعض ، وهو لم يثر الانتباه كثيرا في حينه لأسباب متعددة ،فالشرخ المجتمعي لم يكن واضحا ،وغطت الشعارات الأولى للحراك الشعبي ” الشعب السوري واحد ” على تلك الشذرات التي كانت تنمو بازدياد العنف وتتوسع بازدياد الانقسام العمودي في المجتمع , لكن خطورة هذا الخطاب ازدادت مع دخول الإعلام شريكا أساسيا في مجرى الأحداث في سورية .
وبينما كان من المفترض أن يعي الإعلام المعارض والشخصيات المعارضة ،خطورة هذا الأمر ،ويحاول أن يحد من انتشاره آخذاً بالاعتبار خصوصية المجتمع السوري ذات التنوع الإثنيى والديني و الطائفي ، كي يخفف من الاحتقان بين مكونات المجتمع ،ويساهم في التئام جروحه، ويضمن الهويات والخصوصيات الاجتماعية والدينية والقومية الموجودة فيه ويحاول تحقيق الظروف المناسبة للتقريب بين الأنا والأخر ،ومراعاة المصالح والاعتبارات الإقليمية والدولية, و بدلأ من ذلك انفلت الخطاب الإعلامي من عقاله وجنح نحو خطاب استفزازي وتحريضي ضد شركائه المحتملين والمستقبليين .
إن شيوع تجليات الأصولية الدينية والقومية ،في الخطاب السياسي العام يمكن فهمه في إطار رسوخ طبائع الاستبداد في اللاوعي الجمعي , حتى لا وعي أولئك الذين ثاروا على الاستبداد ،لكن لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال , وهو الذي يفسر تلك الازدواجية التي طفت على السطح،بين ما تتضمنه الوثائق والاتفاقات الوطنية الجامعة المعلنة وبين الممارسات الفعلية المناقضة , الازدواجية التي اندفعت إلى الاتهام والتجريح وممارسة عنف الخطاب في أكثر مفرداته بؤساً، اتجاه الآخر، الشريك .
إن غياب الهوية الوطنية السورية ،وحضور الهوية الإسلامية والعربية ، أو حتى ما يمكن تسميته تجاوزا ب”هوية طائفية ” ،في الخطاب اليومي للمعارضة ،ساهم بقوة في نمو الهويات الفرعية ،وغياب مفهوم المواطنة ،مع طغيان مفهوم الأكثرية والأقلية على أساس الدين والعرق والطائفة، ومع استخدام العبارات الحاطة من الكرامة الإنسانية ” كالفطائس ” أو الربط بين ممارسات حزبية بعينها ،تتحمل مسؤوليتها مجموعة سياسية ،وبين مكون كامل من مكونات الشعب السوري ،مثل تسمية قوات حماية الشعب بقوات الحماية الكردية ،او تسمية حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وإرفاق هذه التسميات بصفة الارهاب …..
بعد خمس سنوات من روح التوحد التي أظهرها الثوار ,في الأشهر الاولى , في كل مدن سوريا بشبه توافق علي وحدة الهدف والمصير وبغياب كل الشعارات الطائفية والقومية ، وغلبة شعار “سوريا بدها حرية “, وغياب كل الرايات إلا راية الثورة , يكاد يطغى خطاب الكراهية والعنف ،الذي يدعو إلى إبادة مكونات قومية او طائفية بكاملها , وقد تعدى وصف الآخر بما ليس فيه، إلى مرحلة اختلاق معلومات ليست حقيقية حول الأوضاع وإعادة بثها ونشرها في شكل شائعات. والغريب أن هذا الخطاب باتت له حوامله الخاصة والواسعة نسبيا , من أفراد ومؤسسات إعلامية اأو تجمعات حزبية تدعي انتمائها إلى الثورة .
والحال هذه،لا يمكن الفصل بين الإرهاب والتطرف والكراهية المنتسبة إلى الدين , كما لا يمكن الفصل بين الإرهاب و العنصرية و الشوفينية, وبالتالي لا يمكن مواجهته إلا بمراجعة الخطاب الإعلامي الذي،إن بقي على حاله ، قد يشكل حالة كارثية في مستقبل سوريا ،و يعقد أمورها أكثر مما هي عليها الآن ،ويهدد بضرب واستهداف مكوناتها ويكون بمثابة إيذان بنسف أي صورة من صور التعايش و التقارب ، في خطوة تهدف إلى استلاب الواقع واختطافه والأخذ به إلى المجهول.