حول الفدرالية ……….. والجدل السائد

شاهين أحمد 
 
 

كثر الجدل والحديث في الآونة الأخيرة – وخاصة بالترافق
مع المحادثات الجارية في ” جنيف 3 ” – حول اللامركزية وطبيعة وشكل نظام
الحكم في سورية بعد التخلص من نظام الاستبداد وطي حقبة البعث الشوفيني ومنظومته
الدكتاتورية والفاشية والشمولية .وانقسم المتجادلون حول هذا المصطلح – اللامركزية –
لأسباب مختلفة ومتعددة ، منها ماتتعلق بالذهنية المريضة والمصابة بداء ”
البعث الفاشي والشوفيني ”  الذي تحول
إلى وباء قاتل وانتشر في أوساط السوريين بمختلف مكوناتهم ومشاربهم . 

ومنها ماتتعلق بالجهل والأمية في حقل ” الثقافة السياسية ” .مماخلق مناخا غير صحي ، وأدى إلى تعقيد المشهد – المعقد أساسا – أمام السوريين ،وساهم البعض المحسوب على المعارضات على شحن الأجواء بصورة أكثر سلبية وغاية في السوداوية والقتامة وتشويش وتضليل الرأي العام السوري والاقليمي وإثارة المخاوف تجاه ” اللامركزية السياسية ” كشكل من أشكال الدولة الاتحادية والذي أثبت نجاحه وتفوقه على بقية النماذج الحاكمة في أرجاء المعمورة .ونظرا لأهمية الموضوع ولتعدد أنواع اللامركزية لابد أولا من بعض التعاريف والتوضيحات : 
 أنواع اللامركزية : 
أولا – اللامركزية الوظيفية (أو الهرمية): وتعني نقل وتوزيع جزء من السلطات والصلاحيات – الوظيفية – من المستويات الأعلى ومنحها وتوزيعها على المستويات الهرمية الأدنى من أجل تسيير الأمور بكفاءة وفعالية ويسر وسرعة . مثلا ” قيام الوزير بمنح وتفويض حكام الولايات ” المحافظين ” أو المدراء المركزيين جزءا من صلاحياته وذلك تسهيلا لسيرالامور وتقديم الخدمات بشكل أفضل وأسرع للمواطنين .
ثانيا – اللامركزية الجغرافية (أو الإدارية) : وتتمثل في توزيع  ” السلطات الإدارية فقط ” بين المركز والأقاليم أوالمحافظات أوالمناطق داخل الدولة الواحدة . وتنحصر ” السلطات الإدارية الممنوحة ” في الأمور الخدمية فقط مثل ” الصحة والنظافة والكهرباء والمياه وشبكة المواصلات المحلية  والمرافق العامة …….الخ ” في حدود ذلك الإقليم أو المحافظة وصلاحيات هذا النوع من اللامركزية يشبه إلى حد بعيد صلاحيات ” الإدارة المحلية ” التي تم تفعيلها في سوريا خلال العقد الأخير الذي سبق الثورة السورية .
3- اللامركزية السياسية: هي عملية يتم بموجبها توزيع وتقاسم السلطات الدستورية المختلفة– التشريعية والتنفيذية والقضائية– بين السلطات الحكومية الموجودة في المركز والسلطات المحلية الموجودة في الأقاليم أو الولايات أو المناطق الأخرى التابعة لهذا البلد نفسه و نظام الحكم في هذه الحالة يسمى (بالفدرالي أو الاتحادي) والحكومة في هذا النموذج من الحكم تكون مركبة من عدة حكومات محلية ، وكل حكومة من هذه الحكومات المحلية لها سلطاتها : التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاصة بها . 
مما سبق نلاحظ أن هناك بونا شاسعا واختلافا كبيرا بين الأنواع المذكورة ” للامركزية ” سواء لجهة الصلاحيات أوالسلطات . وبالتالي طرح هذا الموضوع دون تحديده بشكل واضح ودقيق يدخلنا في متاهات ومسالك نتائجها ستكون كارثية على مستقبل شعبنا وبلدنا . وبكل تأكيد فإن النوع المناسب من اللامركزية كشكل للحكم في سوريا بعد الانتهاء من حقبة البعث والتخلص من النظام الفاشي هي ” اللامركزية السياسية أي الفدرالية ”  
والفدرالية وتعني ” الاتحادية ” وليس ” التقسيم ” كما يطرحه المغرضين والمشوشين والمرضى المصابين بداء ” الثقافة الشمولية السامة ” لمنظومة البعث . 
وهي شكل رائع من أشكال الحكم حيث تكون السلطات فيه مقسمة بموجب الدستورالفدرالي بين الحكومة الاتحادية (أو الحكومة الفدرالية ) والأقاليم أو الولايات  وتتقاسم السلطات في الدولة كلا من الأقاليم والمركز وفق ضوابط يتم الاتفاق عليها بين مختلف الفرقاء وتثبيت ذلك في الدستور . بالإضافة إلى الدستور الاتحادي (أو الفدرالي) هناك دساتير تخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها قوانينها وأنظمتها الخاصة و الأساسية التي تنظم و تحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ولايمكن تغيير هذه الصلاحيات بقرار أحادي الجانب من قبل  الحكومة المركزية (السلطات الاتحادية) .
ونموذج الحكم الفدرالي (أي الاتحادي) هوالأنجح والأوسع انتشارا على الصعيد العالمي، وثمانية من بين أكبروأفضل  دول العالم مساحة تحكم بشكل فدرالي . وأقرب الدول لتطبيق هذا النموذج على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة – التي تعتبر مركزا عالميا للمال والأ عمال – ودولة العراق مؤخرا . أما على المستوى العالمي فهناك الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية وألمانيا والنمسا وسويسرا وغالبية الدول الأوربية الأخرى والأرجنتين والبرازيل والمكسيك …..وكذلك ماليزيا وأندونيسيا …..والكثير من ولايات الهند وباكستان……….الخ . 
بالمقابل نلاحظ ان الدول التي حكمت ولاتزال من قبل نماذج حكم ” المركزية الشديدة ” غالبا ما أنتجت دكتاتوريات وأنظمة قمعية استبدادية ، وتعيش تخلفا وفسادا وفقرا مدقعا على كافة الصعد . مثل ” سوريا والعراق سابقا خلال حقبة البعث الفاشي وليبيا واليمن وتونس ومعظم بلدان ماكانت تعرف بمنظومة الدول الاشتراكية سابقا ………الخ .
باختصار بتقديري الفدرالية في منطقتنا بشكل خاص هي الوسيلة المثالية الوحيدة لتفكيك السلطة الشمولية والتخلص من الاستبداد وطي حقبة تاريخية مظلمة في حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل يسوده المحبة والتعايش والسلام والبناء .
والسؤال – والمفارقة – الذي يطرح نفسه بإلحاح على كافة المعنيين من قيادات وجماهير هو : لماذا كل هذا الإصرارعلى رفض الفدرالية – الاتحادية – والتخوف والتخويف من هذا النموذج للحكم الذي أثبت نجاحه ؟؟ . وبالمقابل لماذا كل هذا الإصرار على التمسك بنموذج الحكم ” المركزي ” من جانب الغالبية الساحقة من الأطر والمنابر والمنتديات والشخصيات المحسوبة على المعارضة السورية التي عانت ولاتزال من القمع والظلم والسجن والتهجير من قبل هذا النموذج ؟؟ .  من الذي عاث فسادا في الأرض ودمر سوريا بشرا وشجرا وحجرألم يكن النموذج ” المركزي ” ؟؟!!.أليس ” الحكم المركزي الشمولي ” هو السبب في معاناتنا طوال أكثر من نصف قرن ؟؟ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…