الثورة السورية بين مشروعية التطلعات وجسامة التضحيات وبؤس القيادات

شاهين أحمد

 

 بعد انقلاب ” البعث ” الفاشي في  8 / 3 / 1963 دخلت سورية حالة من ” التصحر
السياسي ” الذي فرضه الانقلابيون وتوقفت الحياة السياسية بشكل شبه كامل ،
وبدأ الإنقلابيون بفرض جملة من الإجراءات القاسية بحق السوريين شملت مختلف نواحي
الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وخضعت كافة الوزارات والمؤسسات
المدنية لنفوذ الأجهزة الأمنية والعسكرية ، وقاموا بتفصيل دستور – الذي لم يلتزموا
به رغم مساوئه –  على مقاسهم . وحرموا
السوريين من خيرات بلادهم وسرقوا النفط والغاز ، وقاموا بتغيير وأدلجة المناهج
الدراسية بما يتوافق مع أفكارهم العنصرية البغيضة ، وقامت هذه العصابة بإتلاف
المراجع والوثائق التاريخية وملئت الأسواق والمكتبات بمراجع مزورة ومخالفة للحقائق
التاريخية والوقائع الجغرافية .وتراكمت هذه التشوهات طوال عقود عجاف من حكم هذه المنظومة الشمولية التي
أنتجت جيلا كاملا أفكاره وثقافتة
مشوهة ، ويعاني من أمراض سياسية  تتجلى في إلغاء الآخرالمختلف وإقصاءه . 
نتيجة هذه التراكمات وازدياد شدة الاحتقان وخاصة في صفوف النشطاء
الذين استفادوا من شبكة الإنترنت ومختلف مواقع التواصل الإجتماعي وتأثروا بما قام
به شباب تونس ومصر وقيام بعض النشطاء بتأسيس
«صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد» في 18 – 1 – 2011 لتكون بذلك أول خطوة جريئة
وأول صفحة من نوعها على الـ«فيس بوك» والتي دعا النشطاء من خلالها السوريين إلى تنظيم
«يوم غضب» في سوريا في الخامس من شباط 2011، التي كانت أول دعوة علنية للثورة على النظام
منذ عقود وشكلت خطوة هامة رغم عدم تلبيتها من قبل الشارع نتيجة الخوف والرعب الذي
زرعته عصابة ” البعث ”  في قلوب
السوريين .
وبعد عدة محاولات فاشلة
كانت أولها دعوة – لم تنجح – للتظاهر في الساعة السادسة من مساء يوم 4/2/2011 من أمام
مايسمى ” بمجلس الشعب ” السوري .
 والمحاولة الثانية
كانت في 17/2/2011 والمعروفة بحادثة الاعتداء من قبل رجال شرطة النظام على شاب اسمه
” عماد ” في حي الحريقة بدمشق، حيث تشكل تجمع من بعض الأفراد والذي بدا عفويا،
ثم بدأ يكبر شيئا فشيئا ليصل إلى المئات وفجأة وبدون مقدمات بدأت الجموع تهتف: ”
الشعب السوري ما بينذل”. 
 وهناك الكثير من الأحداث
والمحطات والمحاولات والتي مهدت لانطلاقة الثورة بصورة فعلية والتي قام بها الناشطون
السوريون وعبروا من خلالها عن رفضهم للنظام الدكتاتوري ومنظومته البعثية الشمولية
المقيتة وانطلقت بدمشق بعد عصريوم الثلاثاء  في 15-3-2011 أول مظاهرة للثورة
السورية ضد نظام القتل والإجرام ورفع المتظاهرون شعار ”  الله.. سوريا.. ..حرية وبس ” 
 ثم تأججت الاحتجاجات
وامتدت الثورة بعد ثلاثة أيام إلى مدينة درعا في أول جمعة أسمتها ” صفحة
الثورة السورية ” (جمعة الكرامة ) في 18-3-2011 نتيجة اعتقال مجموعة من الأطفال
وتعذيبهم بقسوة ووحشية من قبل فرع الأمن السياسي بحجة كتابة بعض العبارات عن الحرية
على جدارن مدرستهم، وعبرأهالي الأطفال ورددوا شعارات وهتافات  تطالب بالحرية لأطفالهم ، و إسقاط كل من المحافظ
 والقاتل ” عاطف نجيب “رئيس فرع الأمن
السياسي .ثم انتشرت الثورة في كافة أرجاء المدن والبلدات السورية تضامنا ونصرة لأهل
“درعا ” واطفالها . 
 وفي هذا اليوم الذي أكملت فيه الثورة سنواتها
الخمس ودخلت السنة السادسة من عمرها وخرجت المظاهرات والاحتجاجات من بين ركام
المدن والبلدات التي دمرتها آلة القتل والإجرام 
، من جديد وبنفس الشعارات الوطنية و الرايات والأعلام الثورية ، بعد أن
دخلت الهدنة حيز التنفيذ ، وخفت حدة وكثافة الغارات الجوية لطائرات النظام القاتل
وحلفاءه رغم الحصار والجوع  . 
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : ماهي الأسباب
التي حالت دون تحقيق الثورة لأهدافها ؟ 
 بدون أدنى شك أن هناك أسبابا ذاتية تتعلق
بتركيبة الشعب السوري المتنوعة قوميا ودينيا ومذهبيا وثقافته التي شوهتها منظومة
البعث طوال حقبة حكمها والموروث الديني الذي أثقل كاهل السوريين وأخرى موضوعية
تتعلق بغياب القيم والمبادىء وحضور وطغيان المصالح الدولية والتناقضات الإقليمية .
ويمكن أن نلخصها بمايلي :
 1 – عدم قدرة الثورة على فرز قيادة ميدانية ”
سياسية – عسكرية ” موحدة ومعبرة عن كافة شرائح ومكونات الشعب السوري القومية
والدينية والمذهبية .
 2 –
غياب الرؤية والمشروع السياسي الوطني لسوريا مابعد إسقاط النظام ، من حيث طبيعة وشكل
الحكم ، ووضع المكونات السورية غير ” العربية السنية تحديدا كونها الأغلبية
من الناحية العددية ” وكذلك استحقاقات هذه المكونات القومية والدينية
والمذهبية وفق رؤية وطنية واضحة .
 3 –
انطلاق المظاهرات من الجوامع ورفع الشعارات الإسلامية ومحاولات أسلمة الثورة وتوفير
الحاضنة الدافئة للفكر السلفي الجهادي من قبل جماعات الإسلام السياسي ”
الإخوان المسلمون ” وحلفاءهم وبالتالي إرسال رسائل خاطئة إلى المكونات السورية
الغير مسلمة بأن مستقبل البلد سيكون أشبه ” بخلافة اسلامية ” وبالتالي
ابتعاد انصار ومنتسبي بقية الأديان والمكونات السورية عن الحراك الثوري بشكل أو
بآخر.
 4 – نجاح النظام بإختراق صفوف الثوار و تشتيت
الشارع السوري وذلك من خلال التمييز بين مكونات الشعب السوري المختلفة وبث الفرقة
وإيقاذ الحساسيات  التي عمل النظام عليها
طوال حقبة البعث وإيجاد أعوان له من مختلف المكونات . مثلا تم تكليف حزب الاتحاد
الديمقراطي ” pyd ”
بمنع وقمع المظاهرات والحراك الشبابي الكوردي في اقليم كوردستان سوريا ومحاولة تحييد
المكون الكوردي عن الثورة أو إضعاف مشاركته قدر الإمكان . 
وبث الرعب في صفوف المكون العلوي من خلال الشعارات
التي حملتها بعض الجهات المدفوعة والمرسلة من المنظومة الأمنية للنظام والتي
اخترقت صفوف الثورة والثوار وعبرت عن نزعات طائفية وأطلقت نعوت وصفات على أبناء
الطائفة العلوية  مثل ” النصيرية
والمجوسية ” مما دفع بغالبية أبناء هذه الطائفة إلى الابتعاد عن الثورة والوقوف
إلى جانب النظام والاحتماء به  . 
 وكذلك عدم استيعاب وطمأنة الثوار لبقية المكونات
السورية العريقة كالدروز والأرمن والشركس ……..الخ .
 5 – الضعف والتردد في الموقف الأمريكي
 والحضور الروسي القوي إلى جانب النظام
القاتل سياسيا من خلال ” الفيتو ” في مجلس الأمن وعسكريا من خلال مساندة
النظام برا وبحرا وجوا .
 6 – التناقضات الاقليمية العميقة بين الدول
التي تتزعم المحورين المذهبيين  ”
السني والشيعي ” وتعدد مصادر التمويل العشوائي القاتل الذي ساهم إلى درجة
كبيرة في تشتيت وتفتيت الثوار سياسيا وميدانيا وعسكريا .
 7 – رفع المعارضة المسلحة لشعار ” كل من
يحمل السلاح في وجه النظام هو جزء من الثورة ” مما فتح المجال امام الأجندات
الأمنية لمخابرات النظام والعالم واستغلال هذه الثغرة من طرف المجاميع الإرهابية وتسللها
إلى مفاصل الجيش الحرفي المراحل الأولى بعد نجاح النظام في تحويل الثورة من شكلها
الحضاري  وعسكرتها وإغراق  الساحة الثورية  بالإرهابيين وإعطاء انطباع أن من يحمل السلاح
هم فقط الإرهابيين .   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…