لماذا سوريا لا مركزية ….؟

 قهرمان مرعان آغا

 في لقطات من الأرشيف المصور , وقف الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة
على التلفزيون في سبيعنيات القرن الماضي, ينادي القذافي, إذهب في الأول وحِّد
القبائل الليبية وتعال بعدين (برشا), نوحِّد تونس وليبيا, في رده على إتحادات الدول
العربية الثنائية و الثلاثية , التي كان ينسسجها ترقيعاً وعلى عجل ’ حافظ أسد وصدام
والقذافي لاحقاً وعبد الناصر سابقاً, هروباً من الاستحقات الوطنية, و طمعاً في
الهيمنة وإيغالاً في المؤامرة. أثبت الحكم المركزي في سوريا منذ عام الاستقلال 1946
’ وخاصة منذ إنقلابات حزب البعث, فشله الوطني على كل المستويات السياسية منها
والإقتصادية والإجتماعية, ناهيك عن تدني رواج المفاهيم الوطنية بفعل النزعة الفاشية
لقيادات وشخوص هذا الحزب, وحبسهم لتلك المفاهيم في بوتقة الدولة القطرية الناقصة
والغير مكتملة البناء واعتبروها من مخلفات الإستعمار, قياساً بالمنطلقات الأخرى,
القومية والأممية التي رفع شعاراتها الخادعة’ البعثيون وانصارهم الشيوعيون
والناصريون’ على اعتبارهم يمثلون حركة التحرر الوطني العربية, وأداة التغيير في
سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية رداً على واقع التجزئة و الإستبداد والفقر الذي
يعانيه الشعوب العربية,
 من سلطنة عمان إلى المملكة المغربية .؟ حسب زعمهم . متذرعين بفشل تجربة الوحدة
المصرية السورية في عام 1958 . التي كانت كابوساً مدمراً على السوريين وبداية
إنهيار الدولة الوطنية بمؤسساتها المدنية واستبدالها بمكاتب الحرس القومي والمباحث
والإستخبارات .؟ ومنذ ذلك الحين لم يزل العروبيون يتهمون بعضهم الآخر بالوحدوي
والإنفصالي وصدعوا رؤوس المغفَّلين بالتصفيق و الصياح ب- ( يسقط فلان و يعيش فلان )
.
 لم تكن يوماً المساحة الجغرافية المتَّصلِة والمتدَّة في إطار الحدود
السيادية لدولة ما ’ مقوِّم من مقوِّماتْ وجود الدولة المركزية بشكلها المعاصر ,
دون رغبة مكوناتها القومية وسكانها الأصليين ’ مثالاً (سوريا والعراق وتركيا) عقب
تشكّلها إِثْر إنهيار الدولة العثمانية ’ بفعل وإنتداب الدول الإستعمارية . كما إنَ
تجزئة مساحة كوردستان الوطن وإلحاقه بتلك الدول الناشئة ’ إضافة إلى ايران ’ لم تنل
من وحدة الشعب الكوردي وأصالة إنتماءه ووحدة شعوره القومي وآماله ونضاله في تحقيق
استقلاله الذاتي ’ خلال قرن من الزمان. 
وفي المقابل لم تكن الجزر المتناثرة في
مياه المحيطات مانعاً من تشكل أرخبيل جغرافي في إطار دولة مركزية يتمتع شعبها
بالسيادة الوطنية والتقاليد السامية  ’ مع الإعتزاز بروح المواطنة الحقة دون تمييز
او إقصاء  و إنتفاء ما يبرر دون ذلك ’ مثال اندونيسيا وماليزيا المسلمتين (*)…
وغيرهما من الدول. وحسب إدعاء أنصار الوطن العربي’ الذين يعتبرون سوريا والعراق جزء
منه ’ فهل ساهمت الدولة المركزية المترامية الاطراف في إنقاذ وحدة وطن بذاته ’ دون
تغييب مواطنيه العرب ( أنفسهم ) ’ بلا استبداد وقمع وقتل وإرهاب وترهيب . ناهيك عن
الاجرام الذي لحق يالمكونات الاخرى المختلفة الأعراق على الرغم من وقوع معظم دوله
على الساحل الاوروبي المقابل ’ فيما أنجز هؤلاء أبدع حالات الإلتقاء والتواصل
والشعورالإنساني المشترك.  
 نحن أمام أزمة هوية وطنية منذ خمسة عقود ’ لم تفلح
خمس سنوات من الحرب المدمِّرة من قبل النظام المجرم من توحيد جغرافية وطن اسمه حسب
إدعائهم, سوريا الأسد’’ فما بالك من وحدة شعور شعب من مختلف مكوناته كان يعاني
بالأصل من التشتت’ فأصبح موبوءاً بالقتل والثأر . و كذلك المعارضة بأغلبية شخوصها (
الخارجين من تحت خيمة النظام ) وفصائلها التي تدعي الحرية والكرامة في ظل ثورة
أصبحت تتغذى على ذاتها ’ وما آلت إليه إوضاعها بسبب شدة المزاحمة الدولية
والاقليمية وتكالبها’ بحيث لم تعد تتسع جغرافية سوريا كحلبة صراع وتناحر ’ تاهت
فيها القوى المحلية التي تدعي الأكثرية العددية على توجيه بوصلتها لإيجاد حلول
مستقبلية ضامنة ومطمئنة لشركائها في وطن ممزق ومفكك ’ قد يعاد تركيبه إذا ألتزم
أطرافه في العيش المشترك وفق عقد إجتماعي جديد’ يؤسس لدولة لامركزية ’ إتحادية ’
فيدرالية ’ يتمتع فيه الشعب الكوردي بحقوقه القومية المشروعة كسائر الشعوب مع ضمان
حقوق المكونات الاخرى المتعايشة معه في أقليم كوردستان سوريا . 
 لم يعد النظام
بحاجة الى مزيد من إختبارات التربية الوطنية ’ حيث أختبر في منتصف السبعينات في عهد
الدكتاتور الأب ’ بدخوله الى لبنان وساهم بشكل مباشر في إقصاء منظمة التحرير
الفلسطينية من الصراع مع إسرائيل بعد الاجتياح وحصار بيروت ’ في صيف عام 1982 ’
وتزامن ذلك مع مجزرة مدينة حماة وتدميرها على رؤوس ساكنيها من مواطنيه المفترضين ’
لهذا لم يكن الأبن مكترثاً بتدمير مخيم اليرموك وكذلك مدينة حمص في التوقيت ذاته ’
على سبيل المثال ’  في حين أنعزل عن محيطه العربي في ايلول 1980 وأنضم إلى إيران في
حرب الثماني سنوات مع العراق ’ بدواعي أولويات المعركة مع العدو الإسرائيلي .؟ عاش
الشعب السوري تلك الفترة ’ أسوء مراحله في ظل حصار وحرمان من أبسط مقومات الحياة
الكريمة  و بمزيد من القمع والتغول والاستبداد . منذ بداية الألفية الثالثة وتوريث
الابن ’ وعلى أمل التغيير وإطلاق الحريات ’ كان الإختبارالحاسم بالنسبة للشعب
الكوردي ’ قمع إنتفاضته في ربيع 2004 ’ وتأليب الشوفينين من مختلف المكونات ضد
مشروعية حقوقه القومية ’ لكنها كانت قاصمة لظهرالدكتاتورية الموروثة بإسقاط أصنام (
باني سوريا الحديثة ورمزها إلى الأبد  .؟ ) في معظم المدن الكوردية الثائرة ’ بينما
بقيت الأكثرية العددية ب- تجارها و نخبها و مقاوليها  يرممون تلك التماثيل ’ بلا
حياء ’ لإعادة أنتاج الاستبداد والخنوع بأشكالهما التجديدية وبصبغياتهما الحداثوية
( حسب تعبيرات البعض في الإرتقاء بمفردات اللغة  ) ’ مع تحديث مقولات التمجيد ’
ومثال ذلك ’ نعته ب-(سيد الوطن) التي روجها المنافقون النفعيون قبل الثورة في إشارة
إلى شخص بشار الأسد . 
فالدولة المركزية ومركزية القرار مكنتا رأس النظام
والحلقة الطائفية الضيقة من الاستحواذ على مقدرات البلد الاقتصادية ’ دون أغلبية
الشعب ’ وبناء الجيش على اسس عقائدية طائفية ومسكْ مفاصله الاساسية بالتوازي مع
تشعبات منظومته الأمنية المتعددة الرؤوس والتي تغولت بابتلاعها وطن بما فيه من
كائنات وجماد . الواهمون فقط هم من يحلمون بعودة سوريا الى ما قبل 15/آذار/2011
ونحن في الذكرى السادسة للثورة بعد أيام ’ سواء ما يتعلق ب- شكل الدولة – نظام
الحكم – مفهوم السيادة – وحدة الشعب – الشعور الوطني – المجتمع الواحد ….
ألخ
 – في المطلق لا تصلح المركزية في حكم الدولة المتعددة القوميات ’ بخلاف
التعدد الديني أو المذهبي ’ لأن القومية الواحدة من الممكن أن تحتوي أكثر من دين
ومذهب ’ فالدولة المعاصرة قومية وليست دينية أو مذهبية ’ طبعاً مع ضمان حقوق
المكونات المختلفة . لهذا النظام لم يعترف بحقوق الشعب الكوردي بالرغم من طائفيته
المستنفرة لها من كل شيعة العالم وهو واهم نفسه ويريد إيهام ما تبقى معه من القطيع
’ باستمرار نهجه القومي الممانع ؟
 – لا شك استمرارالدولة المركزية ( حالة سوريا
) هي نتاج إنقلاب عسكري وحكم الحزب الواحد وتأليه الحاكم ’ دون تعددية سياسية
وتداول السلطة في ظل غياب الدستور والقوانين ’ وإهدارالحقوق وإنتفاء العدالة .
فالحرب المدمرة على الشعب السوري و الجرائم المرتكبة تمت في ظل دستور الاب
والأبن
 – المركزية أفشلت الدولة بموسساتها وخبراتها التراكمية وأنهكت مواردها
بدواعي التجزئة ( القطرية ) وأفرزت نظام جمهورية التوريث و حكم العائلة والطائفة
وألزمت أغلبية الشعب بالتوجيه المعنوي .؟ طوال خمسة عقود في متاهات بعث الأمة
 .
 – مركزية القرار خلقت دكتاتورية الهرم ( خوفو) وأفرزت السلطة الغاشمة ’ دون
رادع  وغيبت الحريات وأهدرت الكرامة ’ حتى بات لكل مواطن ظل دائم من الخوف والتوجس
يرافقه اينما حل ’ بسبب ملاحقات الأمن . 
– الدولة المركزية هي التي مهدت لحكم
اقلية طائفية واستمراره لخمسة عقود ’ في مواجهة أكثرية مذهبية تجددت صراعاتهما
الدموية في حاضرة بني أمية ’ أشد وطأةً وعنفاً من معركة (صفين) قبل 1400 سنة ’ فيما
حليفه الايراني جالس على تخت كسرى ’ يديرالعتبات على ضفاف دجلة حيث مرقد العباس بيد
وبالأخرى يقف داعماً مانعاً انهياره .
 – الشرخ المجتمعي الذي أحدثه حواضن
الإرهاب والإجرام ( إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام وأعوانه وداعميه  مقابل إرهاب
داعش و مثيلاتها من المتوشحين بالسواد الفكري الشوفيني البغيض) لا يستقر العيش دون
عزلها والحجر عليها ’ بعد الخلاص من أدواتها التفخيخية ’ ولا يستدام الأمن والسلام
دون وضع نقاط علام ’ بين هؤلاء المعتوهين والاوسوياء ممن يرضون العيش المشترك في
أقاليم إتحادية ’ تنعم بالسلام والديمقراطية ’ وما يحدث في العراق منذ 2003 دليل
صارخ ’ لعدم تكرار التجربة سورياً . 
– على الجميع التخلص من فكر الماضي وأوجاعه
’ الذي ولَّى بغير رجعة و الإلتفات الى الحاضر لرؤية المستقبل بوضوح وجلاء  ’ وعلى
الشعبين العربي و الكردي في سوريا ’ رسم خريطة الأمل لدولة لامركزية ’ إتحادية ’
فيدرالية ’ قبل أن يفعل المشرط  الحاد للدول الكبرى فعله التشطيري وفق مصالها التي
سندفع جميعاً ضريبته الكبرى’ مزيداً من الضحايا والدمار ’ ويجب أن نتذكر دائماً ما
أجمل السلام في بلد السلام  .
 –  Deutschland – في 8/3/2016   
(*)(اندونيسيا ’ جمهورية تتالف من 34 إقليم منها إثنان دوائر
خاصة وواحدة منطقة العاصمة جاكرتا ’ فيها 300 مجموعة عرقية وثلاث مجموعات رئيسية
تشكلان أغلبية السكان 
 ماليزيا , ملكية دستورية إتحادية 
تتالف من ثلاث أقاليم فيدرالية و ثلاثة عشر ولاية) هما من أكبر الدول الاسلامية ’
ديمقراطيتان متطورتان اقتصادياً وبشرياً ومن نمور شرق آسيا).              
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…