كردستان الغربية إلى أين (1)؟

عدنان بدرالدين

إلى أين تسير كردستان الغربية؟ هل هي
في طريقها إلى أن تكتسب صفة قانونية على الصعيد الدولي، مثلما يزعم ممثلوا مايسمى
بالإدارة الذاتية التي أعلنها أنصار السيد عبدالله أوجلان بتنسيق مع نظام الأسد
المتداعي، أم أن توجهات ذات الإدارة الإشكالية ستؤدي في المحصلة النهائية إلى إفراغ
كردستان الغربية تماما من سكانها لتتحول إلى (أرض بلا شعب) ؟ هل هناك أية إمكانية
فعلية أمام هذه الإدارة التي يثار حولها المزيد من الصخب كرديا، وإقليميا، ودوليا،
لأن تكتسب نوعا من الاعتراف، ولو في حده الأدنى، أم أن ذلك غير ممكن؟ ما هو مصير –
بيشمركة روزآفا- ، 
وهل هناك أية خطط حقيقية من جانب قيادة كردستان العراق تمهد الطريق نحو عودتها إلى
كردستان الغربية، أم أنها مجرد ورقة تشهر بين الحين والآخر في سياق المنافسات
الكردية- الكردية على النفوذ ، وما هو الدور المأمول من كردستان العراق فيما يخص
الأزمة الوجودية التي يواجهها شعبنا في كردستان الغربية؟ ما هو مصير المجلس الوطني
الكردي الذي يبدو أنه خرج أخيرا من سباته الشتوي الطويل وبدء بممارسة نوع من الفعل
السياسي الإيجابي، وإن كان في حده الأدنى؟ هل هي صحوة مؤقتة جاءت مع قيادة المجلس
الجديدة ممثلة بالثنائي المميز إبراهيم برو وفصلة يوسف ستنتهي بذهابهما، أم هي
إنعطافة إستراتيجية نحو تأطير السخط الجماهيري المتزايد على سياسات سلطة الأمر
الواقع بإتجاه إعادة الأمل، وتغيير موازيين القوى على الأرض؟ هذه الأسئلة وغيرها
سنتناولها بإختصار في متن هذه الدراسة الموجزة.

الإدارة الذاتية:
مشروع سياسي بلا أفق

الإدارة الذاتية التي يصر أخوتنا الأوجلانيون على
إلحاق صفة الديمقراطية بها، وكأن هناك من يطالب بإدارة ذاتية غير ديمقراطية، هي في
الأساس مشروع مشترك بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري أنجز بتوسط من الرئيس
العراقي السابق السيد جلال الطالباني في مدينة السيلمانية بكردستان العراق كشف عن
تفاصيله في حينه سياسي كردي مخضرم. وقد نص هذ المشروع كما هو معلوم على تسليم بعض
المرافق والمؤسسات غير الإستراتيجية إلى أنصار السيد عبدالله أوجلان على أن يحتفظ
النظام بكل المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية والتعليمية الحيوية مثل المربعات
الأمنية التي تنشط خاصة في قامشلو والحسكة، والبنوك، والمدارس، وفروع الجامعات
السورية في المنطقة، ومراكز تخزين وتسويق الحبوب، وإدارة حقول النفط، مع الإبقاء
على الآلاف من قوات النظام في كردستان. كل ذلك مقابل قيام أنصار أوجلان بقمع الحراك
الثوري الكردي النشط في كردستان خدمة لأجندة النظام.
قبل عامين قام الأوجلانيون
في سورية، وبتنسيق مباشر مع النظام، على إعلان الإدارة الذاتية الحالية التي تميزت
بما يلي:
 أولا: نص إعلان الإدارة العتيدة على تقسيم كردستان سورية تحت مسمى
(الكانتونات) إلى ثلاث مناطق: الجزيرة وكوباني وعفرين. أي أنه قسم المقسم، وذلك في
أول تقسيم “مقنن” لأرض كردية بأيد كردية في التاريخ. ما لا يعلمه الكثيرون أن
الأوجلانيين لا يتمثلون تجربة الكانتونات السويسرية ذات التجربة الديمقراطية
العريقة، بل الكانتونات التي طرحها الفوضوي الأمريكي – موراي بوكين –. لكن أفكار –
بوكين – عن معاداة الدولة القومية، والمجتمع الآيكولوجي، وفكرة الكومونات وغيرها من
التوجهات الفلسفية التي يسوقها الأوجلانيون على أنها أفكار زعيمهم الخاصة، وأيضا
تأثير – بوكين – الهائل على فكر الزعيم الكردي الشهير، هي قضية أخرى طويلة، تخرج عن
نطاق موضوع بحثنا الحالي، وسنتناولها في المستقبل.
ثانيا: ليس هناك ما يشير،
سواء من حيث الشكل أو المضمون، على الطابع الكردي للإدارة الذاتية الأوجلانية.
فالإدارة بالتسمية هي “ديمقراطية”، يقول القيمون عليها أنها تشكل نموذجا ل “سورية
المستقبل”. والقيادة هي ذات طابع تشاركي بين أنصار أوجلان وأنصار النظام السوري في
المنطقة الكردية. كما أن القوات التابعة للإدارة التي يطلق عليها القاصي والداني
صفة “الكردية” هي مجرد “قوات سورية ديمقراطية” بعرف أصحابها. ورغم أن أهل سلطة
الأمر الواقع يتكلمون كثيرا عن الشعب ، فإنهم في الواقع يقمعون عين الشعب الذي
يمارسون سلطتهم بإسمه، ولا يثقون به على الإطلاق. بيد أن الطابع الكوسمبوليتي التي
يتم تسويقه تحت وابل من الشعارات الطنانة التي لا تعني تقريبا أي شيئ، يفرز إشكالية
الهوية التي تشكل إحدى أهم العقبات القانونية أمام الاعتراف بهذه الإدارة، كما
سيأتي لاحقا.
ثالثا: تكتسب السلطة السياسية مشروعيتها الدستورية من دعم الشعب
لها، وأيضا من قدرتها على تقديم الأمن والخدمات للجماهير المشمولة بسلطتها، ولا
يستثنى من القيام بهاتين المهمتين حتى سلطات الاحتلال بموجب القوانين الدولية ذات
الصلة. وبتطبيق هذه المعايير، فإن سلطة الأمر الواقع تفتقد إلى المشروعية. فهي غير
منتخبة، إذ لايجوز أخذ الانتخابات التي نظمتها هي لنفسها على محمل الجد، كما أنها
فشلت فشلا ذريعا في تقديم الخدمات الأساسية للشعب، علاوة على الاختراقات الأمنية
الخطيرة التي تتم في مناطق السلطة بين الفينة والأخرى من جانب داعش، والتي تنجح
القوات التابعة للسلطة من التصدي لها، ودحرها، بفضل دعم قوات التحالف. أي أن سلطة
الأمر الواقع غير قادرة على حماية مناطقها بإمكاناتها الذاتية.
رابعا: من أهم
مميزات سلطة الأمر الواقع هي تبعيتها المتعددة الأوجه لمراكز قوى مختلفة ومتناقضة.
فحزب الاتحاد الديمقراطي، القوة الفعلية في الإدارة الذاتية، هو مجرد استطالة لحزب
العمال الكردستاني، أي أنه قراره مرهون لقيادة الحزب في قنديل أولا وأخيرا. وهو في
الوقت ذاته ملزم بالتمثل لتفاهماته مع النظام بموجب “إتفاق السليمانية” المشار إليه
أعلاه، كما أن قوات الحماية الشعبية التابعة للإدارة الأوجلانية تعمل كيد ضاربة
لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش في سورية في
بعض المناطق، وكيد ضاربة للتحالف الروسي – الإيراني غير المعلن في مناطق أخرى،
علاوة على تموضعها السياسي في محور دمشق – طهران. وفي الوقت الذي تمنح هذه التبعية
التي تتمظهر في هذه التحالفات البراغماتية، ولكن ذات الطابع الغرائبي والمتناقض،
للحركة الأوجلانية هامشا واسعا نسبيا للمناورة في الظروف الآنية، فإنها قد تتحول في
حال تغير الظروف والمعطيات إلى خطر جسيم قد يضعها أمام تحديات وجودية شبيهة بتلك
التي واجهتها في آواخر التسعينات من القرن المنصرم بما أدت إليه من إخراج الحركة من
سورية ولبنان، وإعتقال زعيمها عبدالله أوجلان.
 للبحث صلة
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…