انحراف الثورة وسياسة الانتقام من الآخر.!

عنايت ديكو

 
 بيننا وبين المعارضة
العربية شبرٌ ونصف… وبين المعارضة العربية وداعش شبرٌ واحدٌ فقط .!
تداولت
بعض صفحات الانترنيت خلال الأسابيع القليلة الماضية مقاطع فلمية يظهر فيها قطيع من
الهمج والرعاع والمازوشيين والشذاذ الذين لا يمتون الى الإنسانية والحضارة بشيء.
مقاطعُ يٍهددون فيها الكورد ويتوعدونهم بالقصاص والحدود ، مقاطعُ ومَشاهدُ مرعبة
تذكرنا بحرب البوسنة والهرسك وعلي الكيماوي وبينوشيه وصدام حسين وحافظ الأسد وغيرهم
من الديكتاتوريين والمجرمين والطغاة. وفي بحر هذه التهديدات من الوعيد نرى موجة
الانتقام تتعالى بين أضلاع الصراع في سوريا وثقافة الثأر باتت تطفو على سطح المنطق
وتستقر في واجهة الأحداث وتأخذ من العنف وسيلة لبلوغ الغايات والأهداف مستهدفة
الآخر السوري بالفناء والبتر والذبح من الوريد الى الوريد. وإلى جانب هذا التهديد
والوعيد نرى أيضاً وجود جيش من المنحبكجية والتجّار والأمراء يُصفقون للمتصارعين
وللأطراف كافة وكأننا نحن في حلبةٍ لصراع الثيران الهائجة، وهؤلاء يريدون دفن
الثورة السورية ووأدها وكأنها فعلٌ من أفعال الشيطان وان كل الذين ضحوا وساهموا
وشاركوا في الثورة السورية هم عبارة عن مرتزقة ومجرمين وإرهابيين وما علينا إلا أن
نرميهم في البحار وبؤس المصير. 
– لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو” مَنِ الذي أسّس لمنطق الانتقام والثأر من الآخر
وتأليب السوريين على بعضهم البعض وتحريف الثورة ، ومَنْ هو الذي ساهم في تأجيج
الصراع الطائفي والمذهبي والعرقي ونشر ثقافة الرعب والخوف من الآخَرْ .؟ أليس هو
هذا النظام البعثي المجرم .؟ فهذا البعثي الجاثم على صدور السوريين ومنذ أكثر من
أربعين عاماً هو مَن أسّسَ لهذه الثقافة الإقصائية الثأرية الكارثية التي نشاهدها
اليوم ، وهو المسؤول الأول والأخير عن كل المجازر التي حدثت وتحدث اليوم والتي
ستحدث غداً في سوريا ، وهو المسؤول الأول أيضاً عن ظهور هذه الأفلام المسيئة للروح
الوطنية والتي يهددون فيها الكورد علناً. لكن الكوردي يعرف بأن الوطن الذي تكلم عنه
“حمزة الخطيب ” هو أكبرَ من أكبرهمْ وأكبر من أفلامهم هذه ، فعندما كتب حمزة الخطيب
عبارة ” يسقط النظام ” على جدارن مدرستهِ ؟ فلم تكن لديه البوارج والطائرات
والصواريخ العابرة للقارات والبراميل المتفجرة وصواريخ “تاو ” الحرارية ، ولم تكن
له لحية طويلة كثة ولا سكاكين كبيرة وحادّة ولا أحذية الكتائب الإسلامية والتي
يستخدمونها في أفلامهم ضد الكورد ، ولم تكن لديه روح مذهبية أو عرقية أو مناطقية،
لكنه كان يحمل دفتراً وقلماً وحبراً ومداداً فقط . وكتب عبارته الشهيرة التي حُفرت
على ذاكرة كل السوريين . فحمزة الخطيب هو الذي مثَّلَ قيم الثورة السورية وجسدها
بروحه وسيبقى هذا الطفل رمزاً جامعاً لكل الثوار والشرفاء والمناضلين عربا وكورداً
في سائر سوريا ، وروحه هي التي ساهمت في تأسيس منطق ” واحد واحد واحد … الشعب
السوري واحد ” . وكتب ” حمزة الخطيب ” أيضاً تلك العبارة بدلاً عن كل السوريين وعن
كل المكونات وعن كل المذاهب والأديان والأقوام والأعراق في سوريا وعن كل شخصٍ حرّ
في العالم .!
 – لكننا نحن اليوم ويا للأسف أمام فصل جديد من فصول التراجيديا
الوحشية التي أفرزتها الثورة السورية والتي باتت تأكل أطرافها وأشلاءها وأحشاءها من
شدة الصراع والتعفن. فهذا التعفن والقتل والذبح اليومي هو الذي أسس لمنطق الثأر
وذبح الآخر السوري واقتلاع آدميته . وما تلك الأفلام التي رأيناها ضد الكورد سوى
ترجمة حقيقة لما آلت اليه أوضاع الثورة وأوضاع المعارضة السورية والتي تقف على
مسافة قدمٍ واحدٍ من الدواعشة. نعم لقد انحرفت الثورة السورية وانجرفت الى الوديانٍ
والكهوف لأنها سُرقت من قبل القومجيين والعروبويين والإسلامويين الراديكاليين،
وصُبغت الثورة السورية باللون الأسود وأُفرغتْ من محتواها الإنساني وأهدافها
النبيلة وأدواتها التفاعلية والكمونية ، لقد إنحرفت الثورة عن مسارها كثيراً
وكثيراً. فالثورة في بداياتها حملت لنا بزوغ فجرٍ جميلٍ من الأخوة والتكاتف والوحدة
بين السوريين للخلاص من براثن الديكتاتورية الأسدية القبيحة، فالثورة لم تحمل لنا
ثقافة الثأر ونعت الآخر السوري بالخيانة ووجوب قتله وذبحه كما نشاهدنا اليوم في تلك
المواد الفلمية التي توزعها المافيات القومجية العروبوية والبعثية الإسلاموية .
فالثورة السورية اليوم هي في غرفة الإنعاش وهي تُسَلمَ روحها لملك الموت الروسي –
الأمريكي الذي ينتظرها أمام الباب . نعم … فالثورة السورية انتهت كفعل وممارسة
ومفاعيل وذهبت الى بيت الطاعة بفضل جبابرة القوم من المعارضين الذين ركبوا ظهرها
وباعوها في المزاد العلني وفي سوق النخاسة ، ولكن روحياً ستبقى الثورة السورية لنا
قيمة فكرية عظيمة تعيش بيننا وستكون إلهاماً ومنهلاً للمفكرين والمثقفين والكتاب
والفنانين والعشاق ، وسنعيش على ميراثها الكبير والكبير الى الممات ، لأن الثورة هي
ليست مسافة زمنية معينة علينا قطعها خلال ساعات ومن ثم إنتهينا. لا … فالثورة لا
تموت ما لم تصل في الأخير الى بلوغ أهدافها التي انطلقت من أجلها وإن طالت الأزمان
بها وامتدت وتشعبت وهدأت نارها وخَفتَ بريقها وشُعلتها. ففي الآونة الأخيرة ومن
خلال مراقبة الكتابات والمقالات والمكنونات لبعض شخصيات المعارضة العربية التي تطفو
على سطح البوستات وخاصة في الفيسبوك والتويتر نرى أن حرباً جديدة وبلونٍ آخر قد
بدأت تطلُ برأسها وتخرج من بين هذا الركام والرماد والجماجم، حربٌ تعكس حالة
الاحتقان والتوتر المحتقن والمفتعل بين الكورد والعرب ، فالكورد والعرب شعبين جارين
، فلم نختارهم نحن … وهم لم يختارونا ، لكننا تقاسمنا التاريخ والجغرافيا سوياً .
فبغض النظر عما آلت اليه الأوضاع في سوريا ومآلات الثورة . إلا أننا سنبقى جيرانا
وأحباباً وأصدقاء وسنبقى شعبين متلاصقين رغماً عن أنف المتشددين والقومجيين من
الطرفين، فالذي يربطنا بالعربي لا يربطنا بالبرازيلي أو الروسي أو الياباني، والذي
يربط العربي بنا نحن ككورد لا يربطه بأحدٍ آخر. فالألمان مثلاً … ذبحوا وقتلوا
وهجّروا وطردوا من الفرنسيين بما فيهم الكفاية، لكننا نرى اليوم أن الألمان
والفرنسيين هم اللبنة والقاعدة الأساسية وحجر الزاوية لوحدة وتكاتف الأوروبيين .
فعندما ينظر الألماني إلى الفرنسي ينظر إليه كجارٍ تربطه به علاقات في الجيرة
والتاريخ والجغرافيا والثقافة ،وكذلك الفرنسي أيضاً عندما ينظر إلى الألماني لا
ينظر اليه كهتلرٍ صغير ديكتاتوري ونازي ووووإلخ . فعلينا ألا نرى العرب من خلال
عيون هؤلاء المرتزقة والإرهابيين، بل أن نرى العربي باعتباره جاراً وصديقا لنا، وهو
ليس ابناً لصدام حسين أو حافظ الأسد أو القذاقي أو غيره، وعليهم-أي العرب- أن
ينظروا إلينا نحن كجيران وخلّان وأخوة وشركاء في الدنيا والقدر ولنا حقوقٌ مثلهم
وعلى رأسها وبالتحديد “حق تقرير المصير”.
 وأخيراً أكتب هذه الأسطر للعقلاء
العرب من المعارضة كي يفكروا جلياً بالمستقبل السوري والذي سيكون مستقبلاً لنا
جميعاً، فحيتان المعارضة المنتفخين والمتورمين بالكورتيزون السياسي والذين يظهرون
هنا وهناك على الإعلام ( بسام جعارة ) ومن شابهوه، ليسوا إلا المثال الأبرز على هذا
الانهيار في بنيان الوطنية والشراكة ، فأمثاله يتحملون القسط الأكبر في تدهور الروح
الوطنية . فهم من طرف يهمسون في آذاننا:” نحن أخوة” غير أنهم على إحدى الشاشات
التلفزيونية يهددون الكورد جميعاً دون الغوص في ماهية التركيبة السياسية الكوردية
ومطاليبهم ويضعون الحقوق الكوردية على الرفوف ، وتكاد أدبياتهم تخلو من التطرق الى
هذه الحقوق كقضية أرضٍ وشعب ، فهؤلاء مطالبون اليوم وقبل غد أن يضعوا سياساتهم
الكوردية على السكة الوطنية الصحيحة وألا يضعوا” كل البيض في سلة واحدة” ، فالشعب
العربي في سوريا سيعيش معنا في الأخير لا مع التركي أو السعودي أو الأمريكي أو
الروسي، وسوريا هي لنا جميعاً، فالمارد الكوردي الذي خرج من القمقم ، لن يستطيع بعد
اليوم لا البعث ولا حلفاؤه ولا حيتان المعارضة وديناصوراتها ترويض هذا المارد
والرجوع به الى القمقم مرة ثانية .
 ومن طرفنا نحن معشر الشباب والذين نكتب
ونغني ونرقص ونرسم للشارع الكوردي الواسع ومن الزاوية المنفرجة ، نحن نحاول بقدر
الإمكان الوقوف في منتصف العقدة الأصلية وأن نمارس الحياد وعدم الانجرار وراء ردود
الأفعال التي تصدر من هنا وهناك وأن نحافظ قدر الإمكان على تلك الجسور التي تربط
الشارع الكوردي بالشارع العربي ، وما زلنا متمسكين بهدف الثورة وما زلنا نقول : (
الشعب يريد إسقاط النظام )، لكن صدقاً وللتاريخ والأمانة والشفافية والوضوح ، قد لا
نستطع غداً أن نضبط إيقاعات هذا الشارع الكوردي الملتهب والجامح في تبنيه لخياراته
المفضلة وممارسة سياسة ” الفن الممكن ” وما علينا وقتذاك إلا أن ننضم الى هذا
الشارع والذي نحن جزء منه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…