المحامي محمود عمر
لم تكد صيحات السوريين الأولى المطالبة بالحرية والكرامة تنتهي وتصل الى العالم حتى وجد ساسة هذا الاخير شرقا وغربا في الساحة السورية فرصة لتذويب سياساتهم الباردة المتناقضة التي مضى عليها أكثر من مائة عام واحتاروا في كيفية وضع حد لنهاياتها التي اصبحت عبئا تثقل كاهل ممولو السياسة وأصحاب رؤوس الاموال والبنوك فيها.
ضج العالم بصرخات السويين وكان لا بد من وأدها في المهد عبر ركوب الموجة والتلاعب بمشاعر الناس ومطالبهم المحقة ومن خلالها تفنن اصحاب الرؤوس الباردة في الدول البعيدة الذين تحالفوا مع اصحاب الرؤوس الحامية في الدول القريبة منا لخلق بيئة مغايرة لما أراده السوريون ليتخلص الكل من جميع نفاياته المكدسة في الأوحال السورية ، حيث كانت بداية التصدير للفكر المتطرف الذي تربى وتعشعش على مائداتهم والآن تحول الى وبال ـ وبالة ـ لا تناسب اسلوب حياتهم المتمدنة.
تم تغذية النفوس والعقول بجرعات عالية من هذا الفكر وزودوه بما يستلزم من أسلحة وذخائر وكان في استقبالهم بحفاوة في الداخل الكثير من أشباههم ممن قضى جل عمرهم في السجون و اطلق سراحهم مع كل الرفاق من اصحاب السوابق في ليلة ظلماء وها هم يكشرون عن أنيابهم وفي انتظار الفرصة السانحة لينتقموا من كل ما هو حي يرزق حولهم و ينفثوا كل سمومهم وحقدهم ويعوضوا ما فاتهم مع السنين بقبض ارواحنا نحن.
في المأساة السورية سرعان ما تكاتف الخارج مع الداخل المماثل ومن كل الاتجاهات والمدارس وعلى كل الاطراف والجبهات وفي لحظة عابرة اتفقوا على تغيير مسار الثورة من سلميتها نحو التسلح فهي افضل فرصة للتخلص من جميع انواع البضاعة الزائدة والفاسدة بدءا من ابسطها وهي الأبر والقرطاسية والالبسة وما شابهها التي تعفنت في المخازن وفي الحاويات على الموانئ البعيدة ولم يلتفت اليها الا تجار الحروب ممن يدعون بانتمائهم الينا، مرورا بكل انواع الآلات والادوات التي خلفتها العولمة من أجهزة حاسوبية تالفة أو منتهية الصلاحية لديهم وغيرها من وسائل المواصلات والاتصالات ومركبات انتهى عمرها الفني أو مبتلية بعيب في الصنع تنزع منها لوحات المنشأ على أطراف حدودنا المفتوحة لكل النهايات النتنة وتسير في شوارعنا ونحن نتباهى بركوبها، وليس آخرها الاسلحة المعتقة او الفاسدة او الزائدة الحية التي تحتاج الى مشاريع حية لبيان مدى فعاليتها وهل من ميدان حرب افضل من ساحات معاركنا الدونكوشيتية لبيان ذلك كي تستقر بالنتيجة ذخائرها في منازلنا او مصانعنا أو أجسادنا ولا يهم عدد القتلى فنحن بشر فقط بالاسم والهوية هذه البسيطة التي مات الالاف من الكرد السوريين وهم يحلمون باقتنائها ولم يحملها البقية الا بعد بدأ الثورة بعدة أسابيع لغاية في نفس النظام.
في سوريا الكل يقاتل نيابة عن الكل القريب او البعيد ممن دفع بصواريخه وطائراته من وراء البحار والمحيطات نحو بحرنا المتوسط وبرارينا وصحرائنا كي يحمي ظهر من يحامي عنه ومع استمرا المأساة كل شيء ينتهي سوى قرقعة السلاح واصوات التفجيرات التي تكيفنا مع أصواتها ونتائجها ولا يلوح في الافق أية بوادر للحل .
ما تبق من السوريين من الذين لم يتحولوا الى بالة معنوية او مادية كان لأصحاب المخطط لهم أفضل حل فتحت أماههم الحدود وفق مخطط مبرمج ودقيق تقاسمهم بلاد الشرق والغرب البعيدة بنسب أدق، فهؤلاء زنود تبني وعقول تبدع ولا يناسبهم مناخ المعارك وما الضير من استبدلهم ومقايضتهم بأصحاب الفكر المتطرف، ولم يخف احد الساسة الاوربيين فرحته باستقبالهم ليختصر لنا خبث المخطط قائلا: ان هؤلاء ـ المهاجرين هبة ـ منحة ـ من الرب .
لن تنتهي مأساتنا ما دام في نفايات العالم زائدة وبحاجة الى تصريف وما دام الامر كذلك فسيظل الكل متفقا على ان آتون الحرب السورية يجب ان تستمر وتطول ولا خلاف تحت أية مسميات كانت حتى يتخلص العالم من كل قازوراته فضلا عن ارهابيه كل المال الفاسد ومن مختلف أنواع العملة الصعبة يستهلك في بلادي لشراء الذمم والجبهات وكذلك كل الاطعمة الفاسدة او التي على وشك ان تكون، جميعها أتت الينا نحن البؤساء في كراتين وعلب جميلة وتحت اسم المساعدات الانسانية حينا وتحت اسم دعم المعارضة او الممانعة والمقاومة حينا آخر يستمر تدفق كل انواع الاسلحة المهترئة والفاسدة الى بلادنا ليؤجج معاركنا ولا يهم ازدياد عدد الضحايا فهناك مراصد وهيئات لحقوق الانسان توثق وترصد ولن يضيع حق أحد، كل انواع الأحذية التي صنعت منذ مئات السنين ولم يصدق أصحابها بان احد سيتلقفها تنتعلها اليوم أرجلنا الباردة المتنملة مع زوج جرابات اوربية كهدية عند شراءها، ومن يسير فقط مائة متر في بقايا بلداتنا و مدننا سيرى بأم عينه ان كل زبالة ـ عفوا بالة ـ العالم من الالبسة قد تخلصت منها أسواق الشرق والغرب وأصبحنا نفتخر بارتدائها نحن البسطاء البلهاء، نعم أصبحت بلادنا مكبا لكل نفايات العالم وما خفي من نفايات نفقت في بطون صحارينا أو عرض بحارنا ـ في ذمة المسؤولين والمسلحين ـ كان أعظم.
مأساتنا لن تنتهي ما دام في العالم فائض بالة لذلك عجلوا اصحاب القرار ورؤوس الاموال قدركم فينا وتخلصوا منها على عجل فقط ليصيبنا بصيص أمل بان الحل آت وان كان من بعيد ـ أدامكم الله ـ .