محمد مندلاوي
الشعب الكوردي هو أحد الشعوب القديمة في التاريخ البشري, كنا قد تطرقنا في مقالات سابقة بالتفصيل عن أصالة شعبه العريق و قدم وطنه كوردستان الذي يمتد من البحر إلى البحر. ولا نحتاج أن نخوض فيها مجدداً ألا بقدر الذي نضع فيها القارئ الكريم في الصورة. إن هذا الشعب الأبي كما تذكر لنا كتب التاريخ القديم أنه استصرخ شعوباً كثيرة في المعمورة في أيام المحن, من هذه الشعوب التي استصرخها اليمنيون عندما استنجد الملك (سيف بن ذي اليزن) مستنجداً بالإمبراطور (كسرى أنوشيروان) طالباً منه الدعم و المساعدة لكي يتمكن من تحرير بلاده (اليمن) من الأحباش. لم يبخل عليه كسرى (خسرو) لقد بعث معه جيش جرار من المقاتلين الكورد وغيرهم وطهروا اليمن من الاحتلال الحبشي.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ترك (كسرى) أعداداً من المقاتلين هناك تحسباً لعدم عودة الأحباش وبعد مرور أعوام على بقائهم في اليمن استقروا فيها إلى الأبد, وهؤلاء الكورد الذين نشاهدهم اليوم في اليمن, هم أحفاد أولئك الكورد الأوائل الذين استوطنوها وصاروا جزءاً من نسيج شعبها. وبعد كسرى بقرون عديدة جاء السلطان (صلاح الدين الأيوبي) إلى اليمن ووضع حاميات عسكرية من الكورد في هذا البلد للدفاع والذود عنها. و وضع (صلاح الدين الأيوبي) العديد من المقاتلين الكورد في المدن الفلسطينية أيضاً, بعد تحريرها و طرد الصليبيين منها, وهؤلاء المقاتلون الكورد جلبوا عوائلهم فيما بعد واستقروا فيها. واليوم كما قال القنصل الفلسطيني في إقليم كوردستان (نظمي الحزوري) يشكلون 15% من مجموع نفوس الشعب الفلسطيني في فلسطين. إذاَ من مجموع خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بناءاً على كلام القنصل الفلسطيني الأستاذ (نظمي الحزوري) أن (750,000) من مجموع الشعب الفلسطيني كورداً. وفي مدينة (الخليل) وحدها من مجموع سكانها المائتان وخمسون ألفاً بينهم سبعون ألفاً من الكورد؟. وأيضاً في مصر هناك عشرات الآلاف من الكورد منتشرون فيها بدءاً من صعيد مصر وانتهاءاً بـمدينة (أبو سمبل) التاريخية على حدود جمهورية السودان. إن الفرق بين الكورد في إسرائيل والكورد في فلسطين المتاخمة لها, أن الكورد في الدولة العبرية يتمتعون بكافة الحقوق التي تمنح للجاليات الأجنبية في الدولة المضيفة, لأن اليهود الكورد في إسرائيل بخلاف غالبية يهود العالم الذين توجهوا إلى إسرائيل بعد تأسيسها عام (1948) أن ديانتهم يهودية, ألا أن غالبيتهم العظمى عرقهم كوردي ليس عبري؟ تماماً كما كان يهود العرب في صدر الإسلام في جزيرة العرب ثم رحلوا عنها أو انقرضوا بعد مجيء الإسلام حين قال النبي محمد:” لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”. بينما اليهود الآخرون, ديانتهم يهودية وعرقهم أيضاً عبري, ليس لهم أي اختلاف عرقي أو ديني مع الشعب العبري. أما فيما يتعلق الأمر بالشعب الكوردي, من حيث (العلاقة) مع إسرائيل نأمل أن يفهمه الآخرون جيداً, لأن هناك مئات الآلاف من الكورد اليهود مقيمون فيها وواجب القيادة الكوردستانية متابعة أوضاعهم ,لأنهم جزءاً من الشعب الكوردي وحالهم كحال الجاليات الكوردية الأخرى في دول العالم التي هي موضع اهتمام رأس القيادة الكوردستانية في الإقليم والمتمثلة بالرئيس (مسعود البارزاني) وليس بأحد سواه. دعونا الآن نقارن بين حال الجاليتين في كل من إسرائيل وفلسطين. في دولة إسرائيل للجالية الكوردية جمعيات خاصة بهم وتقوم بمهامها الثقافية والاجتماعية على أكمل وجه. وفي إسرائيل تأسست جمعية الصداقة الكوردستانية الإسرائيلية ويرأسها الشخصية الإسرائيلية المعروفة (أكرم بارزاني) وهو يحمل لقب بارزاني لأنه كوردي من كوردستان ولد في منطقة (بارزان) فلذا يحمل هذا اللقب الذي يشرف حامله. وفي لقاء صحفي مع (أكرم بارزاني) قال: أنا وزوجتي من مواليد كوردستان, ولا نزال نتكلم في بيتنا مع الأهل والأصدقاء باللغة الكوردية, أن الكثير من العائلات في منطقتنا في (القسطل) هم من مواليد كوردستان, ومازلنا نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا الكوردية, ولنا جوقة موسيقية كوردية وبلباس كوردي تقليدي وتشارك في الاحتفالات وحفلات الزفاف والأعياد بموسيقاها التقليدية ولنا مغنون يغنون الأغاني الكوردية التقليدية والحديثة. أضاف (أكرم البارزاني): إننا نفتخر بانتمائنا للكورد الشجعان. وقال في سياق حديث الصحفي: إن آبائي وأجدادي نشأوا وترعرعوا في عقرة (آكري) ودائماً كانوا يتحدثون عن تلك المدينة بشكل خاص وكل ما يتعلق بكوردستان عام. يقول البارزاني سبق وأن قلتها وأقولها الآن أيضاً: أنا بالدرجة الأولى كوردي وإسرائيلي ثانياً, ومن ثم يهودي. ثم يستمر (أكرم البارزاني) بحرقة وألم: وعندما قصفت مدينة حلبجة بالكيماوي لم يتحمل الكثيرون منا تلك المأساة المروعة وبكوا بحرقة. وعن معاناة الشعب الكوردي في شمال كوردستان يقول البارزاني: عندما أرى الشعب الكوردي في تركيا مهضومة الحقوق فإنه تنتابني حالة من الحزن والضجر, هنالك إجحاف كبير بحق هذا الشعب في تركيا وكل ذلك يجري لأنهم كورد!. نتساءل, هل هذا شعور وإحساس شخص غريب عن الكورد؟ أم إحساس وشعور إنسان كوردي يتعاطف مع شعبه وبينه وبين وطنه كوردستان مسافة طويلة. وفي إسرائيل يوجد مكتب لمجلة “إسرائيل – كورد” بمثابة مركز ثقافي كوردي يهتم بالجالية الكوردية هناك, وعند افتتاحه حضره جمعاً من الكورد اليهود في إسرائيل وعبروا عن سعادتهم بهذا الحدث الثقافي. وقال القائمون على المكتب المذكور أنهم بصدد فتح دورات خاصة لتعليم اللغة الكوردية للجالية الكوردية في إسرائيل من الجيل الثاني والثالث. باختصار شديد جداً هذا هو وضع الجالية الكوردية في إسرائيل يعيشون في هناء ونعيم ورفاهية. أما الجالية الكوردية في فلسطين لا ذكر لها ألا في بواطن كتب التاريخ وأحياناً يذكرون في الصحافة بشكل خجول. وليست لهم أية جمعيات أو مراكز ثقافية أو نشاطات تذكر, وهذا بسبب طبيعة الشعب العربي الذي يرفض الآخر ويقبله في حالة واحدة فقط وهي أن ينصهر في بوتقته أي: تترك جميع مفردات ثقافتك القومية و تصبح عربياً. للعلم ليست هذه حال الجالية الكوردية التعيسة في فلسطين فقط بل في مصر حالهم أسوأ من وضعهم المزري في فلسطين وكذلك في الأردن ولبنان. أما سوريا والعراق البلدان (العربيان) اللذان لازال يحتلان مساحات شاسعة من جنوب وغرب كوردستان فحدث عن معاناة الكورد ولا حرج. بالإضافة إلى المدن السليبة التي لا زالت ترزح تحت جبروتهما, بالأمس كشفت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية, تعرض عشرات الأسر الكوردية الأصيلة التي تسكن في مدينة الصدر (الثورة) إلى تهديدات وتطالبها بترك العاصمة بغداد. عجبي على هذا الزمن الرديء الذي أصبحنا فيه نرى الهمج الرعاع, عديمي الأصل والفصل, لا ندري من أي ثقب ملعون جاؤوا إلى بلاد الرافدين والآن يطالبوا الكورد أحفاد الكيشيون الأشاوس الذين حكموا العراق لعدة قرون بدءاً من القرن السادس عشر قبل الميلاد بترك مدينة بغداد التي بنيت بسواعدهم الكوردية قبل آلاف السنين, وهم الذين سموها بهذا الاسم الكوردي الأصيل (بَغ داد) أي: عطية الإله بَغ. باختصار شديد, هذه هي حال الكورد كما سردناها في أسطر قليلة عند اليهود (الصهاينة) حيث ينعمون برغد العيش الكريم وبالأمن والأمان. بينما يشاهدوا عند إخوانهم العرب والمسلمين, وهم يضطهدوا ويهجروا بدافع عنصري مقيت من أجل استئصالهم من الأرض التي وقفوا عليها قبل الجميع بآلاف السنين, وهذا الإجحاف الظالم الغادر مستمر ضدهم دون توقف رسمياً وشعبياً وفي كل العهود, الإسلامية والملكية والجمهورية.