أعداء البارزاني: أعداء الكورد وكوردستان

جان كورد

 توضيح في البداية:
لست فرداً من أفراد عشيرة
البارزاني الكريمة، ولست من إقليم جنوب كوردستان، كما أنني لست عضواً في الحزب
الديموقراطي الكوردستاني، ولم أتلّق في يومٍ من الأيام فلساً واحداً من هذه العشيرة
أو من هذا الحزب، أو من أي جهة رسمية أو سياسية أخرى، وليس لي أي طموحٍ في منصبٍ أو
مركزٍ في أي حزبٍ من أحزاب كوردستان، إلاّ أنني بدافع الوطنية الحقة التي تعلمناها
من مدرسة المناضلين الكبار، أقول بأن مصير أمتنا الكوردية قد ارتبط بكفاح هذا الحزب
العريق في ظل البارزاني الخالد مصطفى وأنجاله المقاتلين، وتحققت انتصارات كفاحنا
بقوة البيشمركة التي أولاها البارزاني اهتماماً كبيراً ومتواصلاً، ولايزال انتصار
أمتنا في هذه المرحلة التاريخية مرتبطاً بمدى قدرة “حزب البارزاني” على قهر
التحديات المحيطة بكفاحنا القومي التحرري من كل الجهات، 
وبالتأكيد إن هذا الحزب الذي اهتم بتطوير قوات البيشمركه الضاربة للمثل على الشجاعة
والفداء والقتال في أصعب الظروف، يحتاج باستمرار إلى حلفائه الكورد قبل أي حليفٍ
آخر، والسيد البارزاني مسعود يدرك خطورة وأهمية موقعه، كما يدرك أهمية بناء حلفٍ
قومي كوردستاني متين من أجل بناء كوردستان حرة وقوية وديموقراطية تتسع لجميع مكونات
شعبها من دون استثناء. 
أقول بدون استخدام ألفاظ دبلوماسية وسياسية منمقة بأن
أعداء السيد مسعود البارزاني اليوم، هم أنفسهم أعداء البارزاني مصطفى ونجله إدريس
قبل عقودٍ من الزمن، يوم كان العالم لايعرف إلا القليل النادر عن كوردستان، ولكنه
لدى ذكر اسم البارزاني كان يقول:”نعم… الكورد هم شعب البارزاني.” وهم في الحقيقة
فراخٌ انتجتها ماكينات غريبة عن الكورد ليرثوا أدوار من سبقهم في وظائفهم. 
البعثيون اليمينيون واليساريون والطورانيون المتطرفون والمعتدلون والفرس
العنصريون، ومن تبع هذه التيارات المعادية للكورد وكوردستان، هم أعداء البارزاني،
سابقاً واليوم، ولهذه التيارات عملاء بين الشعب الكوردي تدثروا في الماضي بألوانٍ
من الأردية القومية والطبقة والتقدمية والدينية والمذهبية، بل والمناطقية، واليوم
يتدثرون بأشكالٍ زاهية من “الوطنية بلا وطن”، و”الديموقراطية بلا طعم ولا رائحة”،
وبأشكالٍ من “الدين بلا رحمة ولا حكمة”، وتوابعهم ينفذون أوامر الأعداء ويحاربون في
سبيل الأعداء، وهدفهم الأوّل هو انتزاع الترس القومي الصلد من يد الشعب الكوردي،
وهذا الترس الذي تلقى عبر العديد من المراحل التاريخية ليس إلا صدر البارزاني الذي
قاوم كل إغراءاتهم بالمال والمناصب، وكسر شوكة هجماتهم في مختلف المراحل بقوة
بيشمركته الأبطال ووفاء حزبه له… فهل كان اعتقال واختطاف 8000 إنسان من عشيرة
البارزاني وإبادتهم بهمجية “صدفةً” من الصدف أم أن العدو البعثي كان يعلم جيداً
ماذا تعني البارزانية لعموم الكفاح التحرري الكوردي. 
أعرف عن زعيمٍ كوردي شهير،
كان قد أرسل رسالةً كتبها بخط يده إلى الدكتور نور الدين ديرسملي (رحمه الله) مدحه
فيها مدحاً  رائعاً يستحقه حقاً، ثم طلب في نهاية رسالته، راجياً بحرارة وإصرار، أن
يتعاون الدكتور ديرسملي الشهير بوطنيته وتضحيته للكورد وكوردستان أن يتعاون مع حزب
البعث “التقدمي!” في دمشق ضد البارزاني مصطفى، ولم يجد سبباً لذلك سوى القول بأن
قائدنا المقدام “عدو للشعب الكوردي!!!”… وبعد عقودٍ من الزمن، وبعد أن فشل الزعيم
المتحالف مع البعثيين في القضاء مع حلفائه على الثورة الكوردية التي كان يقودها
“عدو الشعب الكوردي!!!” هذا، جاء ليقف وسط إحدى أكبر مدن كوردستان وليرفع يد الأخ
مسعود البارزاني عالياً ويقول بصوتٍ جهوري للكورد: “أنا والأخ مسعود ولدان من أولاد
البارزاني!!!” وهذا ما كان ليحدث لولا صمود البارزانيين في القتال وتضحياتهم
العظيمة من أجل الكورد وكوردستان. وهذا أحد الأمثلة في تاريخ أمتنا الكوردية الذي
فيه تجاربٌ مريرة أخرى تثير القرف والاشمئزاز عبر تاريخه العريق.
يحاول بعض
المثقفين الثوريين، بل الفلاسفة والمنظرين، وصم الحراك البارزاني بالخيانة والعمالة
ويبحثون في تاريخنا طويلاً عن خطأٍ أو تاكتيك اضطراري للقيادة البارزانية ليثبتوا
تهمهم ومزاعهم، فيقولون: “ألم يستنجد السيد مسعود البارزاني بجيش النظام العراقي
الذي كان يحاربه للتغلب على قوات المعارضين الكورد والكوردستانيين له عندما ضاقت به
السبل؟” وجوابنا على ذلك هو “نعم” والسيد البارزاني لم ينكر ذلك في يومٍ من الأيام
وذلك للضرورة القصوى التي لابد منها لإنقاذ حزبه وبيشمركته من العدوان الغادر عليه،
ولكن كيف يرى هؤلاء استنجاد السيد البارزاني ليومٍ أو يومين فقط بجيش صدام الذي كان
عدوه حتى انتهاء عهده، ولاينبسون ببنت شفة بصدد السنوات الطويلة لأسيادهم ومعلميهم
الذين كانوا يتسابقون على مناصب الولاء ورئاسة كتائب الجاش لنظام صدام حسين، ومنهم
من كان يقوم لدى كل هجمة شرسة لقوات الحكومة المركزية على كوردستان بمهمة
“الاستطلاع” لها، وكانوا يرسلون جثامين الشهداء من قوات البيشمركه على ظهور البغال
“هديةً للبارزاني الخالد”… ومنهم من كان يتقدّم قوات طهران في الحرب ضد العراق
للوصول إلى مدينة كركوك بهدف تسليمها لجيش إيران… فهل نسي ذلك أم يتناساه هؤلاء
المحررون والكتبة وتجارالميديا الرخيصة؟ ومنهم من يستنجد اليوم عبر أتباعه ورفاق
حزبه من دون حياء وبلا ذرة من الشعور القومي الكوردي بالسيد  رئيس الوزراء العراقي
(حيدر العبادي) الذي لا حول ولاقوة له ليزيح “البارزاني” عن منصبه، على الرغم من أن
للبارزاني حق للبقاء دستورياً، حسب آراء العديد من رجال القانون والدستور، في منصب
رئيس الإقليم حتى انتخاب رئيسٍ جديد لكوردستان، رغم انتهاء مدة رئاسته الاعتيادية،
ونحن على ثقةٍ تامة بأن البارزاني سيحترم قرار الشعب الكوردي في حال إجراء استفتاء
شعبي ديموقراطي نزيه تحت إشرافٍ دولي شامل.
إنهم يحاربون البارزاني وقيادة حزبه
والبيشمركة، فيكررون أن هذه القوات هربت من أرض المعركة ضد داعش، في بداية هجومه
الفجائي الغادر على كوردستان، ولا يذكرون شيئاً عن بطولات وتضحيات هذه القوات طوال
سنواتٍ مريرة ومليئة بالأحزان، ثم يتجاهلون أن قوات البيشمركة قد حررت مناطق واسعة
من كوردستان، ومنها مدينة شنكال وسد الموصل وسواها حتى أطراف كركوك، مما جعل العالم
كله ينظر بإعجاب إلى شجاعة وقدرة هذه القوات الكوردية ويدعو زعماء العالم الحر
الديموقراطي إلى دعمها لأنها تحمي بلادهم وتصون حرياتهم وممتلكاتهم ومصالحهم الهامة
رغم ضعف تسليحها والظروف السياسية والعسكرية الصعبة المحيطة بها وكثرة الأعداء
المتربصين بها. أتباع حلف الظلام هذا يطنبون الحديث عن معركة واحدة ويهملون الحديث
عن حروب ومعارك انتصر فيها البيشمركة وسجلوا أروع صفحات التاريخ التي يدونها
العسكريون والخبراء السياسيون والإعلاميون في العالم كله بإطراءٍ لامثيل له. ومع
الأسف فإن بعض هؤلاء المتشدقين بالبطولة والفحولة ويتهمون البارزاني والبيشمركة
بالهروب وهم بأنفسهم يختبئون في كهوف جبلية في جنوب كوردستان، بعد أن هربوا من
ساحات قتالهم في مناطق أخرى خارج هذا الإقليم، فكيف هرب البيشمركة من شنكال وسرعان
ما طلبتهم نجدتها لرفاقكم في (كوباني) فلم تبخل عليكم بمساعدتها وكان ذلك درساً لكل
من أراد ويريد الاصطياد في الماء العكر، من كوردٍ وغير كورد.
إنهم مصرون على
انتخاب رئيس الإقليم من خلال البرلمان. وفي الحقيقة فإن الرؤساء يكلفون أقوى الكتل
البرلمانية بمهام تشكيل الحكومة، والحزب الذي يختار الرجل أو المرأة من بين صفوفه
كمرشحٍ لرئاسة الحكومة ينتظر موافقة الرئيس على ذلك التكليف، في حين أن الرئيس في
معظم دول العالم غير الشيوعية ينتخب من قبل الشعب مباشرةً، في الجزائر وإسرائيل وفي
فرنسا ومصر وفي تركيا والولايات المتحدة  وسواها نرى ذلك واضحاً ومقبولاً من سائر
الأحزاب، حتى تلك التي تشكّل أقلية ضئيلة في برلمانات دولها، فلماذا تصر الأحزاب
التي تدغدغ عقولها المصالح والعلاقات المشبوهة على انتخاب الرئيس الكوردي من قبل
البرلمان؟ فهل تجد البرلمان بديلاً عن الشعب؟ أم أنها تخاف اختيار شعبها؟ وبرأيي،
إن سلسلةً من التوافقات الحزبية منذ عام 1992 هي السبب الأساس في انتاج كل هذه
المشاكل… فمعلوم  أن الحزب الديموقراطي الكوردستاني قد فاز بنسبة 51% من الأصوات
في أوّل انتخاب جرى في الإقليم آنذاك، وكنت أتابع المشهد عن كثب في جنوب كوردستان،
بل مررت على العديد من المراكز الانتخابية في ذلك اليوم  وقلبي يخفق فرحاً للاقبال
الشديد للشعب الكوردي على صناديق الاقتراع، إلاّ أن سياسية (الفيفتي فيفتي) اللاحقة
قد أضرت بالشعب وكفاحه وبولادة الديموقراطية الكوردية وهي قد خرجت لتوها إلى
النور.
فلماذا كل هذه المشاكل التي يثيرها البعض اليوم، طالما يؤمنون
ب”الديموقراطية” وب”صندوق الانتخاب” وبأن “مصدر السلطات هو الشعب”؟ ألأن السيد
البارزاني عازم على استفتاء شعبي بصدد الإعلان عن دولة كوردية “مستقلة” في حال قبول
الشعب وتصويته ب”نعم”؟ أم لأن البارزاني يتمتّع باحترام وتأييد كل الأحزاب
الديموقراطية في دول الاتحاد الديموقراطي والولايات المتحدة الأمريكية واليابان
وأستراليا وكوريا الجنوبية والعديد من الدول العربية التي لاترى مانعاً من قيام
دولة كوردية في ظل رئاسة البارزاني، وأخيراً كسبه لتأييد الحلف الإسلامي الكبير
الذي يتقدم صفوفه عاهل المملكة العربية السعودية؟ أم لأن البارزاني يدعم الحركة
الوطنية الكوردستانية خارج إقليم جنوب كوردستان، وبخاصة في غربها؟ أم أنه يريد
استقلال الكورد بإنتاج وبيع بترولهم وتقوية البيشمركة بالدعم الضروري عبر الأصدقاء
والحلفاء دون المرور من خلال مقص الرقابة البغدادية في أيدي الحكومة
العراقية؟
في الحقيقة، أعداء البارزاني كانوا في الماضي واليوم أوفياء لرؤساء
الدول التي تقتسم كوردستان فيما بينها وتراسلها باحترامٍ جم مؤكدة على تبعيتها
ووفائها لها، على الرغم من أن بعضهم يدوس على الديموقراطية وحقوق الإنسان وحريات
شعبه بكعب حذائه، إلاّ أنهم لايستطيعون تقبّل رئاسة السيد البارزاني الذي يستحق
جائزة نوبل للسلام بجدارة حسب آراء بعض الخبراء المطلعين على الأوضاع في
المنطقة.
نعم، الشعب الكوردي هو وحده صاحب الحق في أن يقرر من يستحق رئاسته،
وليس أي حزبٍ من الأحزاب أو الحكومة أو البرلمان أو بعض “فلاسفة” الأقنية
التلفزيونية التي تتقاضى أموالاً طائلة من هنا وهناك لصب الحمم والنيران على السيد
البارزاني وحزبه وبيشمركته، وصدقوني فإن منهم من هو مستعد لاستدعاء حسن أبو زميرة
من لبنان لحكم كوردستان أو فض موضوع الإقليم الفيدرالي تماماً إلا أنه غير مستعد
لقبول رئاسة البارزاني… وهذه هي حقيقة مؤسفة في حياتنا السياسية الكوردية،
اكتشفها قبلنا بعض المثقفين الكبار منذ أمدٍ بعيد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…