من يقرر بالنيابة عن الأمة الكوردية؟

جان كورد

كافحت أمتنا الكوردية المضطهدة ولاتزال تكافح
منذ مئات السنين من أجل الحرية والاستقلال والعيش في أمانٍ على أرض وطنها كوردستان،
شامخة الرأس مثل كل الأمم الحرة، وسط جيرانها، في عالم يسوده السلام والعدل
والرخاء. ولقد ضحت بخيرة رجالها وقادتها الكرام الذين لم يبخلوا عليها بثمن الحرية
الباهظ حقاً، كما قدمت الملايين من أفرادها، وبخاصةٍ من المدنيين الذين راحوا ضحايا
الثورات والانتكاسات والهزائم المريرة عبر التاريخ، بل ليس هناك جبل أو وادٍ أو سهل
في كوردستان كلها لم يشهد مجازر مرعبة ارتكبها أعداء الإنسانية والحرية ضد أبناء
وبنات هذه الأمة التي تعرضت بسبب الحروب الدينية والمذهبية والغزوات الكبرى ومن ثم
بسبب المطامح الاستعمارية إلى التقسيم والتجزئة لتصبح أكبر أمةٍ ليس لها كيان سياسي
وحدود سياسية معترف بها دولياً، 
بل واستمرت السياسات العنصرية التي تسلمت أجزاء كوردستان الجريحة من الاستعمارين
البريطاني والفرنسي وهي في حالٍ يرثى لها، وفي ضعفٍ لامثيل له، ليستمر التهجير
والتقتيل والتعريب والتفريس والتتريك ضد الوجود القومي الكوردي، وكأن هذه الأمة
ليست موجودة أصلاً، وكل ما يتم ضدها من إجراءات عنصرية وتمييز وتحقير وسلب ونهب
لثرواتها “حلالٌ” حسب الشرائع والقوانين الدولية، بل صار المستعمرون الجدد، الذين
تشكلت دولهم في أحضان المستعمرين أولاً يسمون أجزاء كوردستان (الشرقية والغربية
والشمالية والجنوبية) بغرب إيران وشرق تركيا وشمال سوريا وشمال العراق، فلا ذكر
لكوردستان (وطن الكورد منذ فجر التاريخ الإنساني، ولا ذكر لحقوق الكورد ولا اعتبار
للغتهم أو تاريخهم أو تضحياتهم أو حتى وجودهم كمجموعة بشرية متميزة الخصائص بين
المجموعات البشرية (التركية والعربية والفارسية) في المنطقة، وقرر المستعمرون
بالنيابة عن الأمة الكوردية أن (الدين هو الجامع) في حين أنهم اغتصبوا أرض الكورد
وأنكروا وجوده القومي ونهبوا ثروات كوردستان وعملوا السيف والنار في الأمة الكوردية
باسم الدين ذاته لقرونٍ من الزمن، بل مكنوا أنفسهم للتمتّع بقومياتهم والتغني
بأمجادها في ظل الدين ذاته، فالمقصود ب”الأخوة الدينية” لدى معظم من يتسترون بالدين
مسح الوجود الكوردي وتذويبهم في بوتقات القوميات العربية والفارسية
والطورانية.
إلا أن الأمة الكوردية، رغم إضعافها وتقسيمها وسلبها كل أسباب القوة
لم ولن تتخلى عن كفاحها من أجل الحرية والوحدة والاستقلال، وستظل صامدةً في وجه كل
المؤامرات التي تستهدف إصرارها ودوام كفاحها، مهما بلغت التضحيات. 
بعد أن فشل
الغاصبون المعتدون في تسخير الدين والمذهب والطائفة لاستعباد الكورد، وتأثر
المثقفون الكورد بالفكرة القومية من خلال احتكاكهم بالقوميين العرب والفرس والترك،
وكذلك بتأثير المجتمعات الأوروبية التي درس بعضهم فيها، لجأ مستعمرو كوردستان إلى
نشر الأفكار الشيوعية بين أبنائها بشكل خاص، وبالفعل تمكنوا من كسب الملايين من
شبابنا إلى صفوف ما كان يسمى ب”النضال الأممي”، وراح هؤلاء الشباب يقضون أعمارهم في
سبيل اقناع سواهم من بني قومهم بأن “الشيوعية ستؤسس لهم الجنة الأرضية وستزول
الحدود بين الشعوب والقوميات وسيحصل الكورد على ما لهم من حقوق في ظلها”، وانخدعت
الملايين بهذا الحلم وتطور الصراع يوماً بعد يوم بين المد الشيوعي العارم والفكرة
القومية التي كانت تأخذ مكانها في المجتمع الكوردستاني. ثم عندما انهارت الشيوعية
في الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، وتقلص نفوذ الأحزاب الشيوعية، خرج
المستعمرون في كوردستان بنشر فكرٍ مشوه ومبتذلٍ عن “الديموقراطية” عن طريق أزلامٍ
وجنودٍ لهم من بين الشعب الكوردي، مثلما دفعوا سابقاً زعماء كورد شيوعيين للعمل من
أجل نشر ما يريدون، والغريب أن دعاة هذه “الديموقراطية المبتذلة” التي لا صوت فيها
يعلو فوق صوت “الحزب القائد”، ولا مرجعية قومية أو وطنية سوى “القائد”، ولا مجال
فيها لأي مطلبٍ قومي للأمة الكوردية، بل إن العلم الذي تعشقه هذه الأمة ممنوع،
والكلام عن “كوردستان حرة ومستقلة” أصبح في نظرهم تخلفاً حضارياً، هم أنفسهم الذين
كانوا يعتبرون “الديموقراطية” افتراءً إمبريالياً للسيطرة من خلالها على العالم،
وهم “الديموقراطيون الحقيقيون!” بعد عدائهم التام لها، وإن “إداراتهم الذاتية”
ستصبح مثالاً يقتدى بها في العالم أجمع، مثلما كان التطبيل والتزمير للشيوعية من
قبلهم سابقاً، ولا يحق لأحدٍ تأسيس حزب أو جمعية تخالف لوائحهم التي لا تختلف عن
لوائح الطورانيين والبعثيين بصدد الكورد وكوردستان. 
نعم، بقدر ما يشتد الكفاح
التحرري للأمة الكوردية تتعقد الأمور أكثر لأن المستعمرين رغم تناحرهم وتباغضهم
وتحاربهم متفقون فيما بينهم على ألا تقوم للكورد دولة، وعلى هذا يتفق العلمانيون مع
المتطرفين دينياً، بل مع الإرهابيين أيضاً، كما يتفق الأمميون مع القوميين والذين
يتدثرون ب”الديموقراطية”، من عربٍ وتركٍ وفرسٍ وسواهم، ممن له ثارات قديمة مع
الكورد أو يسعى للسيطرة على بلادنا وتراثنا الثقافي وحتى فلوكلورنا بكل السبل
الممكنة لإقامة كيان لهم عوضاً عن السماح لهذه الأمة العظيمة أن تتمتّع بحريتها على
أرض وطنها في يومٍ من الأيام. 
المؤامرة على كوردستان وأمة الكورد عظيمة،
والأشنع فيها هو محاولة بعضهم وضع برنامج حزبه وسياسات من وراء حزبه فوق إرادة هذه
الأمة بأسرها، فيرفض كل أشكال التمتع بحق تقرير المصير لها، ويصدر التصريحات
العلنية المتتالية التي تستهزأ بهذا الحق المنصوص عليه في الوثائق الدولية لكل
الشعوب والأمم دون استثناء، وينفذ ما يريده أعداؤنا على كافة المستويات، وكأنه مخول
ليقرر بالنيابة عن هذه الأمة مستقبلها ومصيرها وشكل حياتها، لمجرّد أنه يمتلك بعض
أسباب القوة العسكرية والمالية والإعلامية، ولكن علينا ألا ننسى أن بعض الناس كانوا
أقوى منهم فصاروا هباءً منثورا، ومنهم بيونشيت وفرانكو وموسوليني وهتلر وصدام حسين
وبول بوت وغيرهم ممن كانت لهم قوى عسكرية مرعبة وأحزاب كبيرة وإعلام مؤثر، فلن تدوم
الحال هكذا وسيسقط كل من يقف في وجه إرادة الأمة الكوردية، وسيرمى به إلى سلة
مهملات التاريخ، إذ لا أحد من هذه الأمة ولا أي حزبٍ من أحزابها مخوّل للتقرير وحده
بالنيابة عن الأمة، فدعوها تقرر من خلال أحزابها وتنظيماتها وجمعياتها وروابطها
ومثقفيها، ومن خلال صناديق الاقتراع والانتخاب، حسب الظروف السانحة لذلك، قبل أن
يلتهمكم طوفان الحرية الذي لن تتمكنوا من الثبات في وجهه…
وإن غداً لناظره
قريب. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

النقل عن الفرنسية إبراهيم محمود باريس – أكد البروفيسور حميد بوزأرسلان على ضرورة تحقيق الكُرد للاندماج الداخلي، وشدد على أن المسألة الكردية، بسبب الاستعمار فوق الوطني لكردستان، لا تقتصر على دولة واحدة بل هي شأن إقليمي. وتحدثت وكالة الأنباء ANF عن المسألة الكردية مع حميد بوزأرسلان، مؤرخ وعالم سياسي متخصص في الشرق الأوسط وتركيا والمسألة الكردية، يقوم بالتدريس في كلية…

درويش محما* خلال الاعوام الستة الماضية، لم اتابع فيها نشرة اخبار واحدة، وقاطعت كل منتج سياسي الموالي منه والمعادي، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم اتواصل معها ولا من خلالها، والكتابة لم اعد اكتب واصبحت جزءا من الماضي، كنت طريح الخيبة والكآبة، محبطا يائسا وفاقدا للامل، ولم أتصور للحظة واحدة خلال كل هذه الأعوام ان يسقط الاسد ويهزم. صباح يوم…

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…