(الأسقاطات الفلسفية الحرفية على أرض الواقع لم يكتب لها النجاح والديمومة على مر التاريخ.)

إدريس خلو

 أن المشروع الفلسفي الذي أطلقه زعيم حزب العمال الكردستاني عبد
الله أوج الآن في مرافعته المعنونة ب ( القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية )
يفتح أمامنا جملة من التساؤلات ومن أبرزها – مصطلح الأمة الديمقراطية – وهنا لن
أدخل في شرح التعاريف الأصطلاحية والسياسة لماهية مفهومي الأمة والديمقراطية ولن
الجأ الى المقاربات الفلسفية للسيد أوجلان مع فلسفات أخرى ولكن يظهر جلياً تأثره
بالفلسفة الحديثة , ولكن ما يهمنا هنا هو طرحه لمشروع الأمة الديمقراطية مقابل
الدولة القومية, فبالعودة الى بدايات تأسيس حزب العمال الكردستاني وتحديداً في آب
من عام 1984 اعلن الحزب الثورة في كردستان الشمالية مطالباً بالاستقلال التام
لكردستان في الأجزاء الأربعة واعتبر كردستان مستعمرة من قبل دول عدة وأن هذه الحدود
مصطنعة يجب إزالتها بالقوة والعمل على ( تحرير وتوحيد كردستان) مما حفز الشباب
والشابات الكرد للألتحاق بالثورة وقدموا آيات الشجاعة والبطولة في الجبال وسجون
الدولة التركية 
فكانت نتيجة هذا العمل الثوري تفريغ وتشريد أربع آلاف قرية كردية وترحيلهم الى
ميتروبولات أسطنبول وأستشهاد أكثر من ثلاثين ألف مقاتل من خيرة أبناء شعبنا ولكن
السؤال الذي يفرض نفسه وبقوة لماذا جرى هذا التحول في فكر ومنهج حزب العمال
الكردستاني وتخليه عن فكرة الدولة القومية لصالح الأمة الديمقراطية وهنا لا بد أن
نلاحظ التحول الكبير مع بداية العام 2003 حيث أجريت تحولات كبيرة كانت مقدمة لظهور
فكرة أو مشروع الأمة الديمقراطية فمعظم فروع العمال الكرستاني قد ألغت اللاحقة
الكردية والكردستانية لمنظومته الحزبية في الأجزاء الأربعة من كردستان ليشمل حتى
الحزب الأم والشروع في عملية السلام مع تركيا لاحقاً حيث تخلى السيد أوجلان عن فكرة
القومية لصالح دولة المواطنة والعدالة والسلام مما لاقى أفكاره أستحساناً لدى الدول
الأقليمية التي تغتصب كردستان أضف الى ذلك خلق هذا التحول ارتياحاً لدى المجتمع
الدولي . 
وبالعودة الى الأمة الديمقراطية والتي تشبه في مفهومها الى حد كبير
الى مفهومي الأممية الشيوعية والأمة الأسلامية والتي أختبرها الكرد ولم يلقوا منها
سوى الظلم والتهميش والنكران لحقوقهم وأن دعوة السيد أوجلان بأمكانية تطبيق نظريته
في كامل الشرق الأوسط مجانبة للواقع والمنطق فكيف سيطبق هذه النظرية في منطقة تعج
بالصراعات الأثنية والعرقية والمذهبية وترفض التشاركية في الحياة الأجتماعية
والسياسية أضف الى أن الثقافة الرعوية والقبلية ما زالت سائدة في هذه البقعة
الجغرافية فالأسقاطات الفلسفية الحرفية على أرض الواقع لم يكتب لها النجاح
والديمومة على مر التاريخ والتجربة الماركسية مع وليدتها الأتحاد السوفياتي خير
مثال على ذلك, فالسيد أوجلان في معرض حديثه عن السبيل الأخلاقي والسياسي الصائب
للتخلص من الرأسمالية هو أنشاء الأمم الديمقراطية بديلاً عن الدولة القومية الجوفاء
ليستشهد بمثال لا يتوافق مع طبيعة مشروعه الشرق الأوسطي حيث يقول بأن دول الأتحاد
الأوربي تسير بشكل جزئي الى تطبيق مفاهيم الأمة الديمقراطية فأروبا التي تعيش
الرأسمالية تسير بشكل نسبي نحو مشروعه فكيف لمجتمع كردي لم يعرف ويعيش العلاقات
الرأسمالية بعد سوف يطبق عليه مشروعه,أن لجوء السيد أوجلان الى فلسفة حرق المراحل
بذريعة أن الدولة القومية قائمة على أساس الأنكار والأمحاء هو تهرب من شعاره
التأسيسي لحزب العمال الكردستاني في نشأتها وتأسيسها وذر الرماد في عيون أنصاره
الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل كردستان دولة الكرد القومية فالمشروع القومي
الكردي لم ينجز بعد وأشباع الحالة القومية لدى الكرد يفرضها الضرورات التاريخية
لحركات التحرر الوطني, فالمنجز القومي لا بد أن تتحقق في السياقات التاريخية لكل
الشعوب المضطهدة وشعبنا الكردي جزء من هذه الشعوب الطامحة للتحرر ليأتي بعدها ما
يأتي, وبنظرة سريعة الى الوليد البكر في روج آفا كردستان وتجربة الأدارة الذاتية
المستوحاة من نظرية الأمة الديمقراطية نرى البون شاسع بين النظرية والتطبيق
فالمركزية المطلقة سيدة الأدارة الذاتية وعدم قبول الآخر المختلف باتت السمة
البارزة لهذا النموذج الوليد من الأمة الديمقرراطية.
 
 20-12-2015

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…