باختصار ، لماذا الدولة الكوردية؟

 

جان كورد
 

 

يعتقد بعض الجهلة أو المتجاهلين والمغرضين من السياسيين أن الكورد
متعصبون لقوميتهم ولذا فإنهم يسعون لبناء دولةٍ مستقلة لهم، ومنهم من يكذب فيضيف
بأن الكورد يريدون بناء كيانٍ لهم على أرض العرب والترك والفرس، في حين يتنكرون
للتاريخ البشري الذي يثبت لنا أن العرب قد جاؤوا من الجزيرة العربية والترك جاؤوا
من آسيا، في حين أن الكورد منذ أقدم العصور يعيشون على ذات الأرض التي عمروها حتى
من قبل حدوث هجرة الآريين الكبرى إلى سفوح سلسلة جبال  زاغروس وامتزاجهم بالأقوام
التي كانت تقطن في المنطقة منذ أن نزلت سفينة النبي نوح (عليه السلام) على جبل
الجودي (غوديين) والتي سماها العثمانيون والفرس معاً باسم (كوردستان: أي وطن
الكورد).  وليس ناك أي دليل يثبت لما بأن قوم نوح كانوا عرباً أو فرساً أو تركاً،
أو انهم من هذه المنطقة القريبة لكوردستان.

 

لو كان الكورد متعصبين لقوميتهم لتمكنوا من بناء امبراطوريات باسمهم، في حين أن
تاريخ الشرق الأوسط يروي قصة طويلة من مشاركاتهم العظيمة في بناء امبراطوريات للعرب
والترك والفرس، لإيمانهم العميق بأن تعايش الشعوب أهم من الاستفراد بالحكم والثروة
والقوة العسكرية.  ولا حاجة لنا بسردٍ طويل لهذا التاريخ الذي يثبت أن ملوكاً
عديدين من عظماء المشرق العربي وبلاد فارس وبلاد الترك كانوا من رجال الكورد، بل إن
امرأة كوردية حكمت أيضاً في حلب في نهاية حكم الأيوبيين (ضيفة خاتون) وقاتلت
الصليبيين في غرب المدينة والتتار في شرقها لمدة ست سنوات دون أن تخاف أو تيأس، إلا
أن الكورد لم يظهروا وجههم القومي في كل المراحل التاريخية، حتى بعد قيام الدولتين
العراقية والسورية اللتين أهملتا أبسط الحقوق المشروعة لهم، رغم أن رؤساء ورؤساء
وزراء كورد حكموا أيضاً في هاتين الدولتين. وساعدوا كلاً من شاه إيران وآتاتورك على
الوصول إلى السلطة من دون أن يستغلوا الظروف الدولية والإقليمية لفرض مطالبهم
القومية، وكانوا قادرين على ذلك من الناحية القتالية والسياسية.
إذاً، فلماذا
يطالب الكورد اليوم ب”دولة قومية” والمؤمنون كما نقرأ ونسمع كل يوم “إخوة” وطالما
الكورد ليسوا عنصريين مثل من استبد بهم عبر التاريخ وحاول صهرهم في بوتقة القوميات
المجاورة؟
ما من شعب في العالم أصابه الغبن والاقصاء والاضطهاد القومي أكثر مما
عاناه الشعب الكوردي في طول التاريخ وعرض الجغرافيا. وسواءً أكانت الدول ملكية أو
جمهورية، دستورية أو استبدادية، دينية أو علمانية، إسلامية أو اشتراكية أو
ديموقراطية، عربية أو فارسية أو تركية، فلم ينعم هذا الشعب في ظلٍ أي منها بحق
المساواة بينه وبين الشعوب السائدة في تلك الدول. بل ظل الكوردي “مواطناً من الدرجة
الثانية” على مدى تاريخ الدول والإمارات التي تكونت في الشرق الأوسط
تاريخياً.
الكلام الغزير كمطر الشتاء، والوعود المعسولة من قبل كافة الحركات
الدينية والعلمانية باسم الأخوة الإيمانية والتآخي القومي، والنضال الطبقي للشعوب
المضطهدة، والحراك الديموقراطي، كان لاستغلال الكورد وتسخيرهم في الحروب والعمران،
ليس إلآً. حتى أن غالبية العرب وقفت مع صدام حسين الذي سموه ب(حارس البوابة
الشرقية!) والذي يسميه الكورد بأبي الجحور، في حربه القذرة على الشعب الكوردي،
ومنهم من يسعى لتبرئته من جريمة قصف مدينة حلبجة وسواها من البلدات الكوردية
بالسلاح الكيميائي في عام 1988، رغم اعترافه وابن عمه بتلك الجريمة ضد الإنسانية
أمام محكمة عراقية وأمام كاميرات التلفزيون.
الحكومة التركية
(الاس….لا….مية!!) تريد الاثبات بأن المقاتلين الكورد في سوريا “إرهابيون!”
لأنهم يحملون السلاح ويقاتلون، رغم أنهم يتبرؤون من أي مطلبٍ قومي لهم… وتحاول
هذه الحكومة تقليل حجم التواجد الكوردي في سوريا باستهزاء واحتقار، وفي الوقت ذاته
تدعم الأقلية التركمانية في سوريا بكل أنواع السلاح والدعاية والمال والخبرات
الأمنية والعسكرية وتقوم بتضخيم تواجدها القومي، كما فعلت سابقاً في العراق، وظهرت
الحقيقة عارية لدى أول انتخاب شبه ديموقراطي فيه.
ملالي إيران الذين يصدحون صباح
مساء بأناشيد “الثورة الخمينية ذروة الثورة الإسلامية في العالم”، إلا أنهم منذ
إزاحة الشاه يعدمون يوميا، أو لنقل أسبوعيا، شباب الكورد، الذين في معظمهم مسلمون
سنة، إلا أن العالم الإسلامي أو العربي (السني) برمته يقف ساكتاً عن تلك المجازر
لأن بعض دول المنطقة تخاف أن ينجح الكورد في مساعيهم لتأسيس حكم ذاتي لهم في إيران
التي منهم من يخافها لبطشها ومنهم من يتودد إليها لثرائها ومنهم من له مصالح سرية
أو علنية معها، إلا أنهم جميعاً (باستثناء بعض الأصوات القليلة العادلة) سيقفون مع
إيران والعراق وسوريا ضد الطموح القومي الكوردي الذي بدون تحقيقه سيعاني هذا الشعب
من المجازر والاضطهاد والاعدامات الجماعية والتهجير باستمرار، مثلما عانى منه في
التاريخ الطويل له تحت حكم من لم يكن يرحمه من عربٍ وترك وفرس ومن مستعمرين وغزاة
للمنطقة.
نعم، لقد جرب الكورد سائر أنواع الحكومات التي سادت على وطنهم المقسّم
المجزأ، ولم يتخلصوا من تكرار الجرائم ضد الإنسانية، وظلوا موضع الشبهات باستمرار،
فهم “مجوس” رغم أنهم في غالبيتهم العظمى مسلمون سنة، وهم “عملاء الغرب” رغم أنهم
حاربوا إلى جانب شعوب المنطقة من أجل الحرية والاستقلال ضد الفرنسيين والانجليز، في
سوريا والعراق، بل حاربوا إلى جانب الفلسطينيين، (حلفاء صدام حسين)، ضد إسرائيل، في
كل الحروب التي خاضها العرب ضد اليهود وأثناء الحرب اللبنانية واجتياح جنوب لبنان
من قبل الجيش الإسرائيلي، رغم أن ليس بين الكورد والإسرائيليين حدود مشتركة أو
مصالح متضاربة أو نزاعات على الماء والكلأ.  كما أن الكورد “كفار!!!” لدى الحركات
التدعيشية ومن وراءهم من أصحاب المال والفتاوى الرخيصة التي لا سند لها في أي دينٍ
من الأديان، ومسموح للعربي والتركي والشيعي قصف مدنه وقراه وتطبيق الشريعة (حسب
الأهواء والأذواق القومية) بحق أملاكه وأعراضه، بل وإبادته كلياً…
لذا، على
الكورد أن يجربوا بعد اليوم حكم أنفسهم بأنفسهم، وبدون وصايةٍ من نظمٍ تسعى لصهره
وابادته وشطب تاريخه من الألف إلى الياء… وليروا هل سيستمر مسلسل الاضطهاد
والتعسف والتشريد والاقصاء والتصفية الجسدية والثقافية بحقهم أما لا…
هناك من
يدعونا إلى الوحدة والتوحد والتآخي ويهمس في آذان شبابنا: “دعوها (أي العصبية
القومية) فإنها نتنة!!!” فنقول له:” نعم… إنها نتنة 100%، ولكن لماذا لا تبدؤون
من عندكم؟ ولماذا تنهمر دموعكم وأنتم ترددون يومياً: “الكورد يغيرون الديموغرافيا
القومية في الجزيرة وأسماء المدن والقرى!!!”، وتنسون أو تتناسون أنهم يستعيدون
الأسماء التي تم تعريبها من قبل أبناء جلدتكم وحكام بلادكم ومن زعم أنهم المنافحون
عن قضايا قومكم، ولماذا تنكرون أو لا تذكرون السياسة الاستيطانية الطويلة الأمد
التي طبقها نظامان عربيان بعثيان شرس ضد الوجود القومي الكوردي في الجزأين من
كوردستان (في العراق وسوريا)، ونظام تركي طوراني في شمال كوردستان، ونظام فارسي
محتال على الإسلام في شرق كوردستان… ومارست تلك الأنظمة التشريد والتهجير
والإخلاء القسري واستخدمت النار والحديد ضد الكورد في وطنهم؟ أتريدون دولة التآخي
والسلام والحرية والكف عن أذى الناس… فابدؤوا من عندكم أولاً … ودعونا نجرب
ممارسة “الدولة القومية” مثلكم مرة في التاريخ، فهل من العدالة أن تكون للفرس دولة
وللترك دولة وللعرب دول ولا يكون بينها للكورد حتى حق الحكم الذاتي؟
أذكركم أيها
القوميون العنصريون المتدثرون بعباءة الدين البريء من هرطقتكم التخوينية ب:
” لا
يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” أم تشطبون على ما لا يحلو لكم من الدين؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…