بحثت عن اطفالي في كل مكان … ولم أجدهم

 

 لافا خالد – سويسرا 

 

في رحلة انطلقت بتاريخ 10-10-2013
بتمام العاشرة ليلاً,  وضمن مركب صيد مهترئ حُشر فيه أربعمئة وخمسين راكباً من
بينهم أربعون طبيباً سوري مع عائلاتهم , كانت رحلة الموت التي نقلتني من الشواطئ
الليبية وتحديداً من مدينة زوارة, إلى الشواطئ الإيطالية.
كان المركب كقشة من
الكبريت تطفو في عرض البحر, تأخذنا الأمواج وتتلاعب بنا كما تشاء, و بدا الرعب
واضحاً على وجوهنا ونحن نترقب كل موجة قادمة باتجاهنا, لكن الرعب لم يقتصر على هذه
التفاصيل ,فقد تبين أن هنالك خلاف بين المسؤول عن مركبنا وهو مهرب للبشر, وبين
مهربين آخرين يرفعون العلم الأمازيغي, حيث أدى هذا الخلاف إلى ملاحقتهم لمركبنا
وإطلاق النار نحونا بشكل مباشر بعد أن رفض المهرب الانصياع لأوامرهم بالوقوف في
البحر وحل الخلاف, نتيجة لذلك أصيب المهرب الذي يقود المركب ومعه ثلاثة من الركاب
وتشكلت  ثقوب في أسفل المركب جعلت المياه تتسرب إلى الداخل .

 

على الرغم من ذلك فقد تابع سيره  نحو المياه الاقليمية الإيطالية وبقينا لساعات
طويلة مع مسلسل آخر من الرعب وهو إخراج المياه التي تجمعت في أسفل المركب عبر مضخات
بسيطة استطعنا من خلالها  سحب المياه نحو الخارج, وبقينا على هذه الحال حتى الساعة
الثانية عشرة  ظهراً من اليوم التالي ,أي بتاريخ 11-10-2013 , حيث توقفت المضخات عن
العمل وبدأنا بعد ذلك بالمرحلة الثانية وهي إخراج المياه بالأواني المتوفرة في
المركب .
نسيت أن أعرفكم بنفسي , أنا الدكتور وحيد يوسف , كردي سوري , تركت
سورية نتيجة الحرب وتوجهت إلى ليبيا , ولكن بعد أن عرفت بعض الجماعات الارهابية
التابعة لتنظيم القاعدة هويتي الكردية وسعت لقتلي وقتل زوجتي وأطفالي,  بدلاً من
البقاء في ليبيا اتخذت قرار ركوب البحر الذي كان لا مفر منه حينها.
 بالعودة
للبحر.. أصبحت الأمواج أكثر قوة ولم تتمكن كل جهودنا التي بذلناها في إخراج المياه
عبر الأواني من منعها  من إغراق القارب شيئا فشيئاً حيث كنا قد اقتربنا من مدينة
لامبيدوزا الإيطالية, وفعلا كنا على بعد ستين ميل بحري من لامبيدوزا,  وعلى بعد مئة
وعشرة أميال  بحرية من جزيرة مالطا , حيث قمنا بالاتصال بخفر السواحل الايطالية على
أمل إنقاذنا إلا أنهم لم يلبوا نداءاتنا .
بقينا في البحر نصارع خطر الغرق,
محاولين إخراج المياه حتى الساعة الرابعة ظهراً, وقد أصبحنا أكثر قرباً من الشواطئ
الايطالية , لكن المياه تمكنت من إغراقنا, حينها كان صراخ الأطفال والنساء مرعباً
.
كنت أسمع البعض يختنق ولم أستطع فعل أي شيء, كما أني فقدت أطفالي نتيجة لقوة
الأمواج, من ثم فقدت زوجتي وبدأت بالصراخ على أمل أن يسمعني أحد منهم لأسبح
باتجاهه, والمؤلم أن كل هذا قد حصل على مرأى من البوارج الحربية الايطالية  التي
كنا نراها واضحة تماما أمامنا, دون أن ينقذنا أحد قبل مرور ساعة ونصف على الكارثة,
أتت بعد ذلك بارجة عسكرية مالطية وأخرى إيطالية تابعة لحلف الناتو مع قارب صيد
إيطالي يعمل عليه طاقم صيد تونسي, وراحوا ينقذون من تبقى من الأحياء في البحر
.
لم أعرف بداية من  بقي من أفراد عائلتي حياً, حتى تم أخلاؤنا جميعاً إلى
الشواطئ الايطالية , لأجد زوجتي ما زالت حية , في حين تضاربت الأنباء عن مصير
أطفالي , ولم أجد لهم صوراً بين صور الأموات الذين تم سحب جثثهم, كما أني لم أجد
لهم صوراً بين الأحياء.

بحثنا كثيراً بين المراكب التي قامت بعملية الإنقاذ, لكن
صديقي الدكتور لؤي خالد حسين الذي كان معنا بنفس الرحلة, أكد لي أنه شاهد ابنتي
شريهان على متن القارب الأسود الذي شارك بعملية الإخلاء إلا أننا وبعد البحث
الطويل, لم نجد لشريهان أي أثر.
سافرت في سبتمبر 2014 بصحبة زوجتي إلى جزيرة
صقلية بعد وصول انباء تفيد بوجود اطفالي هناك, مع الضبط عند البوليس وفتح محضر
وتحليل الحمض النووي لازال كل ذلك سرابا.
  ” رندة شيريهان نورهان وكريستينا”
اسماء اطفالي حتى اليوم هم في اعداد المفقودين، لازال قلبي مؤمنا انهم احياء ومازلت
ابحث عنهم.
الصور المرافقة للمقال هي صور اطفال الدكتور وحيد يوسف ونحن في اسرة
تحرير ” أنا قصة إنسان ” نرفق ايميل الدكتور يوسف ورقم هاتفه في حال قرأ احد المقال
وكان لديه اي معلومة عن الاطفال للتواصل معه
رقم الهاتف :
0041786455625
الايميل : wahidyousef1962

 

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…