الصمود للكورد الايزيدين

  نوري حســن

إن المرء يضطر إلى الكتابة عن حدث ما وأعطاءه الأهمية القصوى عندما يدق ناقوس الخطر ، الذي  ينبئ بهول وقوعه وافرازاته المستقبلية ، فالكل يدرك بان كوردستان العراق تمر بمرحلة دقيقة ، نتيجة حداثة تجريبتها الفيدرالية حيث تتكالب عليها قوى العدوان والشر من كل حدب وصوب بغية افشالها
لأن كوردستان بحد ذاتها تتمتع بموقع أستراتيجي هام وهي غنية بمواردها  الأقتصادية وبمياهها الجوفية ، إضافة إلى ذلك تمتاز بطبيعتها الخلابة ذات الألوان المتعددة ، وبتركيبتها الفسيفسائية التي تضم أعراقاً ومذاهبا كثيرة ، وهي سمة تمتاز بها عن غيرها من كيانات ودول المنطقة ، فالكورد الايزيدون يشكلون في الحقيقة إحدى المكونات الأساسية للشعب الكوردستاني والذي يعترف بعراقتهم وأصالتهم الكوردية جميع القادة الكوردستانيين بدون إستثناء ، لكونهم حافظوا على معتقدات أجدادهم السومريين والميتانيين والميديين رغم ما تعرضوا له خلال العصور الغابرة من ويلاتٍ وحملاتٍ وحشيةٍ ، يؤكد معظم المؤرخين والباحثين المختصين بشؤؤنهم بإنها بلغت لتاريخه ما يقارب / 72/ حملة وفرماناً .
ان إلقاء نظرة واقعية على الوضع العام للكورد الايزيدين في كوردستان العراق ، إستناداً إلى مجريات الأحداث التي تبرز على ساحتها  يصل المرء إلى نتيجة  بأن معظمها مفبركة وذات خلفية سياسية ، بدءاً من التصريحات والنداءات الداعية  إلى الجهاد المقدس ضد الكورد الايزيدين لبعض الأئمة السلفيين الذين يدعون إلى زرع روح الفتنة بين أبناء الشعب الكوردي بجميع مذاهبه ، والتي لم تقدم الإدارة الكوردية على وضع حد لها وهي في المهد، ومروراً بأحداث الشيخان المفجعة والتي أتسمت بالهمجية والغوغائية ، حيث لتاريخه لم تتخذ الإدارة الكوردية الأجراءات المطلوبة والرادعة بحق بعض من اللذين خططوا لها وأشرفوا عليها وساهموا في تنفيذها ولم تبادر إلى وضع حلول جذرية لها إستناداً على أحكام القانون ومبادئه الانسانية العادلة ، وإنتهاءً بالعمل الأجرامي المشين الذي أرتكبه مجموعة من المراهقين الايزيدين بحق الفتاة الايزيدية القاصرة وبأسلوب وحشي والذي تم إدانته من قبل معظم الجهات والمراكز الدينية والأجتماعية والبرلمانية الايزيدية وكذلك المختصين والباحثين في شؤونهم لأنه بحق يعتبر مخالفاً لشرائع ومبادئ الديانة الايزيدية السمحاء .

ويبدوا بأن هذا العمل الأجرامي لم يأتِ نتيجة رد فعل بل ليس من المستبعد أن تكون هناك آيادي خفية ودوائر أستخباراتية ضالعة فيها ، لكونه استغل مباشرة من قبل القوى الظلامية وتم تضخيمه إعلاميا وأتخذوا منه ذريعة لتنفيذ جريمتهم الشنعاء بحق كوكبة من عمال الكورد الايزيدين والبالغة عددهم /23 /عاملاً  كانوا يعملون في إحدى الشركات بمدينة الموصل ، وذلك بدون أي سبب ، سوى إنهم يعتنقون الديانة الايزيدية ، وتم فرزهم عن إخوتهم من المذاهب الأخرى وأعدموا جميعا أمام أنظار زملائهم وفي وضح النهار، بل إنهم لم يكتفوا بذلك فقد أعلنوا الجهاد المقدس ضد الكورد الايزيدين ومسؤوليهم على أعلى المستويات ، وبدأوا بارسال تهديداتهم لهم من خلال مواقعهم الإلكترونية ، تنذرهم بأنهم سيلقون مصير كوكبة الشهداء الأخيرة من أبناء جلدتهم ، ولكن ما يلفت النظر الهجوم الأخير لقوى الإرهاب في كوردستان العراق على فندق ميركسور في مدينة أربيل في ليلة 26/27 من هذا الشهر نتيجة تواجد عدد من العمال الايزيديين فيه ، بذريعة الانتقام من قتل الفتاة الايزيدية المغدورة، مما أضطر العمال الايزيديين إلى ترك أعمالهم في مدينة أربيل وتوجهوا  إلى مناطق سكناهم الأصلية ، ويبدوا للعيان بإن إخوتهم في الإرهاب لم يشفوا غليلهم بأرتكابهم المجزرة الرهيبة بحق/23/ عاملاً ايزيدياً برئياً في مدينة الموصل ، فبدأت خلايا الإرهاب النائمة في كوردستان بالتحرك ضد الكورد الايزيدين تنفيذاً للمهام الموكلة لها .
إن هذه الظاهرة الفريدة من نوعها والخطيرة التي تستهدف الأقليات العرقية والدينية بالدرجة الأولى في العراق الجديد ، أدت إلى بث الرعب والخوف بين صفوف أبناء هذه الأقليات التي لا حول لها ولا قوة ، حيث لم يعد بمقدرتهم تأمين لقمة العيش لعوائلهم البرئية ، إضافة إلى حرمان أبنائها من الطلبة الجامعيين من إتمام دراساتهم  ، نظراً للتهديدات التي يتلقونها من قوى الأرهاب المنظم والسائرين في ركابها ، إلى جانب عدم مقدرة الحكومة العراقية من القضاء على هذه القوى الإرهابية ، وتأمين الأمن والاستقرار لمواطنيها ، ونتيجة للوضع الأمني المتأزم في العراق الجديد بعد سقوط نظام طاغية العراق صدام حسين المقبور ، بادرت أمريكا وبعض الدول الغربية في الآونة الأخيرة إلى فتح باب الهجرة لأبناء العراق بشكل عام وأبناء الأقليات القومية والمذهبية بشكل خاص، وبناءً عليه فان الكورد الايزيديون ونتيجة لأمور عديدة أقدموا على تسجيل اسمائهم لدى الجهات الدولية المختصة ، حيث معظم المصادر تؤكد بان آلاف العوائل تمكنت من تسجيل أسمائها وخاصة من منطقة شنكال (سنجار) مما يشكل خطراً كبيراً عليها مستقبلا من الناحية الديمغرافية ، حيث سيتم الإستفتاء عليها خلال هذا العام إستناداً إلى المادة /140 / من الدستور العراقي لإقرار مصيرها ، وإن هذه الهجرة الجماعية للكورد الايزيدين إن تمت ستؤدي إلى قلب الموازين إثناء عملية الإستفتاء وليس من المستبعد أن يتم إلحاقها بولاية الموصل وهنا تكمن الطامة الكبرى ، وحينها ماذا سيكون مصير الايزيدين ؟!!! إما سيتعرضون للإبادة الجماعية على أيدي القوى السلفية المتزمتة ، وإما سيضطرون إلى إشهار إسلامهم رغماً عنهم.
لذا من الضروري وحفاظاً على هذا الجزء الغالي من كوردستان الحبيبة ، وحرصاً على عدم ضياعه وفقدانه من خلال إلحاقه بالحكومة المركزية في المرحلة الراهنة ،على حكومة أقليم كوردستان أن تبادر مباشرة  إلى إتخاذ اجراءات فورية للحد من ظاهرة الهجرة الجماعية القاتلة للكورد الايزيدين وافشالها ، وبرأي إنها تتجسد في  الأمور التالية:
1- الأعتراف الدستوري بالخصوصية الايزيدية على صعيد العقيدة والإيمان  ، وإيلاء أماكن عباداته ومزاراتهم الدينية وخاصة معبد لالش النوراني الأهتمام اللازم وتوفير كافة المرافق الخدمية لها.
2- الأهتمام الجدي بمناطق الايزيدين وخاصة منطقتي شنكال وشيخان مع تقديم الخدمات الضرورية المطلوبة لها من مرافق صحية وتعليمية وخدماتية .
3- عدم التمييز بين أبناء الشعب الكوردستاني مع افساح المجال للكورد الايزيدين لتبؤ جميع المناصب بما فيها القيادية منها في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لأقليم  كوردستان ، إنطلاقا من المقولة (الرجل المناسب في المكان المناسب ) وأخذ المؤهلات العلمية بعين الأعتبار والإبتعاد كل البعد عن روح المحسوبية والولاءات الشخصية والحزبية التي تلحق أفدح الاضرار بالمصلحة القومية العليا في المرحلة الراهنة .
4 – مسائلة ومحاكمة الذين خططوا وساهموا في تأجيج روح الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب الكوردي على أثر أحداث شيخان المؤسفة والتي كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية لولا التصرف الحكيم للقيادة الكوردستانية والتعاون الجدي للمسؤولين الايزيدين معها وفي المقدمة سمو الأمير تحسين بك .
5-  إتباع  شتى السبل القانونية المطلوبة مع الحكومة المركزية للأسراع في تنفيذ عملية الإستفتاء على مصير المناطق الكوردستانية التي لم تلحق بكوردستان لتاريخه كمدن كركوك وخانقين وزمار وشنكال .
6- توفير الحماية اللازمة للكورد الايزيدين من بطش القوى الظلامية وتوفير الأمن والأستقرار لمناطق سكناهم ،وإتخا ذ أقسى الأجراءات بحق المخالفين لحكم القانون والعمل للقضاء التام على جذور الأرهاب الإسلامي السياسي في كوردستان لأنه يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل كوردستان وتطورها .
7- حرصاً على المصلحة القومية العليا ، وتمتيناً لأواصر الأخوة التاريخية بين أبناء الشعب الكوردي بجميع مكوناته ، وتفويتا للفرصة على المرتزقة المأجورين من فلول النظام البعثي البائد ، والذين يحاولون التلاعب بمشاعر الجماهير البسيطة من الكورد الايزيدين من خلال الاصطياد في الماء العكر واستغلال بعض الثغرات المتواجدة في إدارة حكومة أقليم كوردستان والتصرفات اللامسؤولة لبعض الأشخاص المحسوبين على الأحزاب الكوردستانية الحاكمة ، من الضروري افساح المجال للكورد الايزيدين  لإدارة مناطقهم في ظل حكومة أقليم كوردستان ، هذه المناطق التي ستلحق بها عاجلا أم آجلا .


8 – حفاظاً على الوحدة القومية وتعزيزا للتلاحم الكفاحي بين أبناء الشعب الكوردستاني الواحد ، ودرءاً للخطر المحدق وافشالاً للمؤامرات التي تحا ك من قبل الدول المجاورة والمعادية لتطلعات الشعب الكوردي وتجريبته الديمقراطية الفتية ،على حكومة أقليم كوردستان منح الكورد الايزيدين وغيرهم من الأقليات العرقية والمذهبية الأخرى امتيازات ملموسة كخطوة أولية على المسار الصحيح في المرحلة الراهنة لكي لا يشعروا  بأي غبن أ و إجحاف بحقهم  .
9 – العمل على ترسيخ دعائم الديمقراطية في المجتمع الكوردستاني ، وفصل الدين عن الدولة ، والسعي الحثيث لبناء مجتمع كوردستاني يتسم بالعلمانية والرقي والتحضر ، ومكافحة الظواهر الفاسدة بحزمٍ ووضع حلول جذرية لها لكي لاتقف عائقا أمام مسيرة تطور المجتمع الكوردستاني  .
إن الإسراع في تنفيذ الأجراءات التي بيناها من قبل حكومة أقليم كوردستان سوف يساهم في تقوية وتعزيز ثقة جميع مكونات الشعب الكوردستاني بها ، وبذلك ستتمكن من مواجهة كافة المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل القوى المعادية والمتربصة بها ، لإنها ستغدوا في المستقبل القريب واحة للديمقراطية  ونموذجاً يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط  ، إلى جانب ذلك تقع على عاتق مكونات المجتمع الكوردستاني بجميع فئاتها وشرائحها بغض النظر عن إنتمائها  القومي والمذهبي مسؤوليات جمة ، فعليها  أن تدرك خطورة المرحلة ومتطلباتها ، وفي المقدمة الدفاع عن هذا الإنجاز العظيم الذي حققه الشعب الكوردستاني الأبي ، وأن تحرص عليه وتحميه من مؤامرات قوى الشر والعدوان ، وعليها جميعاً النضال معاً في خندق واحد لافشال كافة المخططات التي تحاك ضد كوردستان وشعبها البطل ، كالمشروع التآمري الرهيب الذي يخطط له الدوائر المعادية للكورد بغية إفراغ منطقتي شيخان وشنكال من سكانها الأصليين وذلك من خلال افساح المجال لهم للهجرة إلى أمريكا وكندا  وغيرهما من الدول الأخرى بشكل جماعي تحت ذرائع جمة .
لذا من الضروري أن يدرك الكورد الايزيدين خطورة هذا المشروع وافرازاته على مستقبلهم العقائدي بالدرجة الأولى والمهدد بالانصهار والانحلال  ، وإنطلاقا من هذه المسلمات على الكورد الايزيديين أن يتصدوا لهذا المخطط التآمري بكل بطولة ورجولة ، وأن يصمدوا في وجه الغزاة المعتدين كصمود جبال شنكال الشامخة ، وأن يتشبثوا بموطن أجدادهم السومريين والميديين ، وأن لا يفسحوا المجال للقوى الإرهابية الظلامية والتكفيرية  بتدنيس ذرة من تراب شنكال وشيخان، وذلك من خلال التعاون التام مع حكومة أقليم كوردستان التي من المفترض أن تبذل قصارى جهدها لتلبية المطالب المشروعة للكورد الايزيدين الأصلاء .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…