في الحالة السياسية للكورد .. ومرايا التنظيم الحزوبي..!

دهام حسن 

إن الحالة السياسية في أيّ دولة، هي غالبا ما تعكس الحالة
التنظيمية لأحزاب الدولة ذاتها، لهذا فإيلاء الجانب التنظيمي لأي حزب يرقى إلى
مرتبة الضرورة، فالحزب المتقدم نسبيا، والناجح تنظيميا، طبيعيا أن يترك حالة من
الرضى والراحة لدى أعضاء الحزب ناهيك عن الأصدقاء والمتابعين من الجماهير الغفيرة،
ليكتسب على أثره صيتا وسمعة محمودة، وبأنه حزب جماهيري لما له من أثر بين سائر
ابناء البلد المعني، ليعكس بالتالي الجانب الإيجابي على صعيد البلاد، لأن الحركة
القومية غالبا لا تقدم فكرا بل برنامج تعبئة..
 بالمقابل فالوضع التنظيمي غير السويّ يتمخض عنه ميلاد قيادة انتهازية، وكوادر أمعة
لا رأي لهم، لأن القائد الفرد الضعيف لا يبحث عن أصحاب كفاءات وعمن يمتلكون قدرات
ذهنية، بل يبحث عن أتباع، من هنا فترقية الكادر يجب أن تخضع لاعتبارات عديدة، منها
صلاحية الفرد لبناء علاقات مع الناس، تنفيذ المهمات الموكلة إليه، فضلا عن سمات
أخرى يجب أن تتوفر في الكادر منها الإخلاص في العمل، الصلة بالناس، الإمكانات
الثقافية والقدرات على تحمّل المسؤولية واتخاذ القرار دون تردد أو خوف، وأخيرا
الإمكانات الثقافية، لأن (الذين يقرؤون فقط هم الأحرار، لأن القراءة تطرد الجهل
والخرافة، وهما من ألدّ أعداء الحرية..) بتعبير “جفرسون” وتأكيدا لهذه الفكرة يقول
ديمتروف: (إن أفضل قراراتنا ستبقى حبرا على ورق إذا لم يتوفر لها أناس جديرون
بتطبيقها في واقع الحياة..) إن العلاقات الحزبية يجب ألا تبنى على أساس الصداقة،
والمحسوبية، والمناطقية، وطغيان (الشلّة).. بالمقابل على كل عضوّ في الحزب أن يحس
بمسؤوليته تجاه حزبه، كما ينبغي على الحزب أن يكون مسؤولا عن كل فرد، حريصا عليه،
كما ينبغي (على القادة عدم الابتعاد قيد أنملة عن الجماهير التي يقودونها) بتعبير
لينين، بموازاة ذلك علينا ألا نتعوّد على تبجيل القائد، ولا نملي على القواعد بهذه
الظاهرة ذات الأثر السلبي على الحزب، أجل فهي ظاهرة مؤسفة ومضرة للحزب وللمتابعين
من غير الحزبيين لأنّ الأخيرين هم على دراية بإمكانات السكرتير الذين اختبروه في
لقاءات عديدة، وربما هذا ليس موقعه لافتقاره للمؤهلات التي تخوله لهذا الموقع
الرفيع، فقد احتلها مناورة وتكتلا فحسب، فضلا عن ذلك فثمة مسؤولون إذا اعترضتهم
معضلة سياسية، تراهم يقبعون ساكتين دون أن يشغلوا عقولهم، بل ينتظرون الإيحاء من
جهة ما، فتراهم بحالة عجز اتكالا على الآخرين، وفي هذا السياق ينبغي أن يكون هناك
اعتماد متبادل بين الهيئات الحزبية بعيدا عن التبعية بين هيئة وأخرى.. 
من هنا
نقول ينبغي على الحزب السياسي ان يكون عامرا بكوادر مثقفة، فالحزب السياسي عندما
يفتقر لهكذا كوادر لابد أن تأتيه انتكاسة ويعتريــه الترهل والذبول، لينتعش عوضا
عنهم بعض المرتزقة ممن يمتشق قلما دون خلفية معرفية، فينبري هؤلاء للدفاع عن سياسة
المسؤول الحزبي المتنفذ، وبالتالي لابد لهم أن يقفوا سـدّا منيعا في وجه أي دعوة
للإصلاح، وكأن لسان حالهم يردد مع الإمام الغزالي: (السلامة في الاتّباع، والخطر في
البحث..).. 
ثمة مسالة أخرى يجب التنبه لها، فالحزب السياسي في أي بلد ما عندما
يرتبط بحركة سياسية خارج البلاد بتبعية سياسية، يغدو تطوّره ونشاطه مرتبطان بعقلية
وإرادة وظروف الجهة الخارجية المعتمدة عليها حيث تكون التبعية مطلقة، وهذا ما أساء
إلى الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم الثالث التي كانت تدور في فلك الشيوعي
السوفييتي السابق، فعندما كانت موسكو تمطر ثلجا كان هؤلاء يلبسون المعاطف الشتوية
ولو كان الطقس مشمسا..! وهذا ما ينطبق على بعض فصائل الحركة السياسية الكوردية، وهم
بهذا كثيرا ما يسيئون إلى الأشقاء في الإقليم قبل أن يسيئوا إلى أحزابهم في الداخل،
فاعتمادهم على الإقليم جرّدهم من إحساسهم تجاه حزبهم، تجاه الجماهير، قبل أيام تقدم
أكثر من “160” مئة وستين عضوا باستقالاتهم الجماعية من الحزب، فلم يرفّ لهؤلاء جفن،
أي لقيادة الحزب، حتى لم يعقدوا اجتماعا لقراءة الحالة والوقوف عند ظاهرة الانسحاب
الجماعي من الحزب، وكأني بواحدهم يقول يكفيني ما يدرّ عليّ من مال وجاه، فما بالي
بالآخرين..! وهذا يذكرني بقول الخليفة العباس (بغداد تكفيني) قبل أيام صادفني أحد
محرري صحيفة “كوردستان” فطلب مني الكتابة لهم، وكان لي مقالة عن أدب المقاومة تنتهي
بقصيدة عن (شنكال وكوباني) وفيها إشادة بدور الرئيس مسعود البارزاني، لكنه صدمني
بجفاء قوله: (لا مكافأة مالية) وبدوري أنفت أن أدفع له بما كتبت، وفي الختام أقول
شعرا.. 
هؤلاء هم ساسة قومي يا سيدتي فأعينيني.. وابكي معي وعليّ وتخيلي كيف
تدار شؤوني..! 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خورشيد شوزي الإعلام، بوصفه السلطة الرابعة (كما يسميه البعض) في المجتمعات الحديثة، لم يكن يوماً مجرد ناقل للأخبار، بل هو فضاء مفتوح تتقاطع فيه الحقائق مع المصالح، وتنصهر فيه الموضوعية مع التوجهات السياسية والأيديولوجية. في عالم مثالي، يُفترض أن يكون الإعلام حارساً للحقيقة، يضيء زواياها المظلمة، ويكشف زيف الادعاءات والتضليل. لكنه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى أداة…

د. محمود عباس لا يمكن النظر إلى التحشيد العربي والإسلامي في دعم القضية الفلسطينية خارج هذا السياق، فكلما ازداد الخطاب العدائي ضد إسرائيل، ازداد بالمقابل دعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل، وتحول الصراع من فلسطيني-إسرائيلي إلى صراع بين الغرب من جهة والدول العربية والإسلامية من جهة أخرى. فبدل أن يكون هناك صراع سياسي يتمحور حول إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، بات…

زاكروس عثمان الاتاسي تشطب الكورد من الوجود تحدثت هدى الاتاسي عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني العام في سوريا في لقاء تلفزيوني عن اعمال اللجنة سابقة الذكر وعن عدم مشاركة الكورد فيها، مبينة ان المؤتمر سوف يضم كافة الاطياف السورية، ولكنها ناقضت نفسها وكذلك كل ما اعلن حول آليات ومهام اللجنة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه على ان…

بوتان زيباري أيتها الأرض التي شهدت مولد الحضارات، وارتوت بدماء الشهداء، وذرفت دموع الأبرياء… يا سوريا، يا أمَّ التاريخ وأخت الجغرافيا، كم حملتِ على ظهركِ من جراح، وكم احتملتِ في قلبكِ من أحلام! ها هي أصوات أبنائكِ تعلو من كل فج، تبحث عن خلاصٍ من ظلام الفوضى، وتنشد نورًا في ظل ديمقراطية تعددية، تلملم فيها شتات الهُويات تحت سماء…