ما وراء الستار في الأزمة السورية

أحمد حسن

 

الوضع السوري يتعقد
ويتأزم يوما بعد يوم منذ انطلاقة الثورة السورية في 15/3/2011 ثورة شعب ضد أعتى
الأنظمة الدكتاتورية والشمولية في العالم وبات المشهد السوري من أكثر المشاهد
تعقيدا وتشابكا في المنطقة والعالم بحيث عملت جميع الأنظمة الإقليمية والدولية
وأدواتهما من منظمات وميليشيات مسلحة على سرقة الثورة من الشعب السوري الجبار
بكافة مكوناته العرقية والاثنية والمذهبية…. لما لهذه الدول من تداخلات وتشابكات
لمصالحهم الاقتصادية الحيوية والاستراتيجية في هذه المنطقة, كون سوريا تمتلك موقعا
استراتيجيا حيويا هاما بين الشرق والغرب وبوابة على البحر الأبيض المتوسط كممر
حيوي هام وشريان التدفق للنفط والطاقة على أوروبا كأقصر طريق وبأقل كلفة

 وعليه فجوهر الصراع الإقليمي والدولي في سوريا هو المصالح الاقتصادية وتوزيع
الكعكة أما ظاهرها محاربة الإرهاب (داعش – النصرة – …..) المزروع أصلا من قبلهم
(إقليميا ودوليا) لتنفيذ أجنداتهم ومآربهم ومن هنا فلا بد من توضيح مايلي لفهم ما
يدور في الفلك السوري من صراعات
وتجاذبات:


1)  المحور الأول: محور
الشر (روسيا – سوريا – إيران – العراق):

روسيا حاولت
منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الاشتراكية في عام 1917 (بعد ان تحولت الى
الاتحاد السوفيتي) الى طرح نفسها كقطب ثاني الى جانب القطب الرأسمالي المتمثل
بأمريكا وحلفائه وحاولت إقامة أوسع العلاقات مع العديد من الأحزاب والمنظمات والدول
لتقوية حلفها وبحثا عن مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى. ففي سوريا بدأت بإقامة
علاقات ثقافية وتعليمية من خلال ارسال البعثات العلمية للطلبة السوريين وفتح مراكز
ثقافية روسية في دمشق وجمعية الصداقة الروسية السورية ثم أن الاتحاد السوفيتي من
أولى الدول التي اعترفت باستقلال سوريا وأقامت علاقات دبلوماسية وتعززت هذه العلاقة
أكثر بعد عام 1970 عندما وصل حافظ الأسد الى سدة الحكم بحركة انقلابية فبلغت هذه
العلاقات مستوى التحالف الاستراتيجي (سياسيا – اقتصاديا – عسكريا – …….) فقام
بتدفق السلاح الى سوريا ودعمت سوريا سياسيا في المحافل الدولية وساعدت على تنفيذ
العديد من المشاريع الاقتصادية كركائز استراتيجية (سد الفرات نموذجا) وإقامة العديد
من المعامل والمصانع وأقامت قواعد استراتيجية بحرية في الساحل السوري لنواياها
وأطماعها القديمة في الوصول الى المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط) والبحث عن
موطأ قدم لها في هذه المياه لما لها من أهمية استراتيجية (سياسيا – اقتصاديا –
تجاريا – أمنيا – ……..) فمن جهة هي نافذتها على أوروبا لإيصال الغاز الروسي
اليها بأقصر الطرق وبأقل كلفة ومن جهة ثانية استخدام اسطولها المتمركز في طرطوس
لأغراض حربية وعسكرية ومن ثم إمداد سفنها الحربية في المحيط الهندي بالوقود والغذاء
ولإجراءات الصيانة على سفنها.
أما إيران التي تفكر بعقلية الإمبراطورية الصفوية
من خلال العمل على إقامة الهلال الشيعي وبسط سيطرتها على العديد من الدول في
المنطقة فتعود علاقاتها مع سورية إلى العام 1979، وهو العام الذي تأسست فيه
الجمهورية الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني ومنظر هذه العلاقة وواضع
فلسفتها هو مؤسس الحرس الثوري الإيراني محمد حسين منتظري الذي كان صلة الوصل بين
الخميني وعدد من القوى السياسية على الساحة العربية حتى قبل الثورة الإيرانية وهذه
العلاقات لها أبعادها العقائدية وتعزز ذلك من خلال إقامة شبكة من العلاقات في هذا
الاطار من دعم مشترك لحزب الله اللبناني ودعم الميليشيات الشيعية في العراق
وأبعادها العسكرية بحيث أصبحت إيران داعما رئيسيا للتصنيع العسكري السوري عامة،
والصاروخي خاصة وأبعادها الاقتصادية وهي تتركز في ممرات الطاقة الرخيصة (الغاز)
بالدرجة الأولى، فالإيرانيون وقعوا اتفاقاً مع نظام الأسد في تموز ـ
يوليو 2013 لتصدير الغاز بين إيران والعراق وسوريا لضمان وصول إنتاجهم إلى أوروبا
عبر المتوسط، وبأقل الأسعار.
ومنذ بداية الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة
عمل النظامين الروسي والإيراني ومعها الميليشيات الشيعية في العراق بقيادة (المالكي
– العبادي) على دعم النظام السوري سياسيا وعسكريا وأمنيا واقتصاديا …. فالفيتو
الروسي في مجلس الأمن ولـ ( 4 ) مرات هو الذي دفع النظام السوري الى المزيد من
الاجرام والوحشية ضد الشعب والطائرات الروسية هي التي تقوم بقصف مواقع المعارضة
والمدنيين بحجة ضرب الإرهاب والحرس الثوري الإيراني وبكامل سلاحه وعتاده يقاتل
الشعب السوري فاكل يبحث عن مصالحه ومآربه وإن كان على حساب الوطن والشعب السوري
.


2)   المحور الثاني: أمريكا –
تركيا -أوروبا – دول الخليج:

أما المحور الثاني فهو
أيضا لم يتعامل مع الوضع السوري بالشكل المطلوب بل انطلقت من مصالحها وباتت الإدارة
الامريكية الحالية برئاسة أوباما من أسوء الإدارات التي حكمت أمريكا الى درجة انها
أفقدت هيبة الدولة الامريكية ومكانتها عالميا وبات تعامل هذا المحور مقصرا حتى من
الناحية الإنسانية والالتزام الأخلاقي بمواثيق حقوق الانسان ومبادئ مجلس الأمن
والأمم المتحدة وتعامل هذا المحور وفق الكيل بمكاييل عديدة حسبما تتطلب مصالحها
وأجنداتها ففي الموضوع اليمني استطاعوا أن يشكلوا تحالفا دوليا لضرب الحوثيين بين
ليلة وضحاها وفي مصر خططوا ورتبوا الأمور كما يريدون كذلك في ليبيا وتونس …..ما
يستشف من ذلك أن الجدول الزمني والبرنامج الموضوع لمآلات الوضع السوري لم تكتمل بعد
بل تحتاج الى المزيد من القتل والتهجير والتدمير للوطن والمواطن .
وبين هذا
المحور وذاك يطحن الشعب السوري بين حجري رحى حيث مئات الآلاف من القتلى والجرحى
وعشرات الآلاف من المعتقلين وملايين من المهجرين والمشردين في ديار الغربة وآلاف
مؤلفة من الأرامل واليتامى وتدمير البنية التحتية من معامل وشركات ومؤسسات ومدارس
ومستشفيات ….. مما دفع الاقتصاد السوري الى الهاوية وفوق هذا وذاك بات التقسيم
مطروحا في جسد الوطن السوري ويكرس على أرض الواقع يوما بعد يوم فكما أننا لم نختار
سايكس – بيكو ولم يكن بإرادتنا ففي هذه المرة أيضا يبدو أنه لاحول لنا ولاقوة
((طالما أن الكل عدو الحجل والحجل عدو نفسه)) 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…