في الأبعاد الداخلية والخارجية لانتخابات تركيا

 صلاح بدرالدين 
اذا
كانت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة التي حققت الفوز فاجأت الجميع
وتجاوزت بنظر معظم المراقبين كل التوقعات فانها في الوقت ذاته كانت من أكثر
العمليات الانتخابية في المنطقة اثارة ومرتبطة عضويا  بالأحداث والتطورات المتداخلة والمتكاملة
الجارية داخل تركيا وجوارها والاقليم وبقية
بلدان العالم ذات الصلة بقضايا الشرق الأوسط وبحكم ذلك التماذج سيكون التأثير
متبادلا وستتبدل عوامل معادلة ماقبل الانتخابات عندما كانت تركيا – العدالة
والتنمية – مستهدفة ومتهمة ومرتبكة تمر بمرحلة الترقب والدفاع نحو الموقع الأقوى
والدور المؤثر في الأحداث في المرحلة التالية مابعد الانتصار الانتخابي خاصة  اذا ما نجح الحزب الحاكم في تذليل مجموعة من الشروط ومن أهمها على الاطلاق
اثنان : مواصلة نهج الحل السلمي
للقضية الكردية وتطوير سبل الدعم للثورة السورية 
    الصراع الذي يخوضه الحزب الحاكم على الصعيد الداخلي وخصوصا مع المعارضة الكردية
المتمثلة بحزب الشعوب الديموقراطي وحزب الشعب الجمهوري الذي يستحوذ القاعدة العلوية
الواسعة لايقتصر ميدان ذلك الصراع على الداخل التركي فحسب بل يشمل العمق المجاور
لتركيا من أطراف ثلاث بكل تجلياته القومية الكردية والمذهبية والسياسية والاقتصادية
والثقافية ومن ضمن ذلك أجندات وخطط المحور الايراني – السوري – الروسي من دون تجاهل
التزاماتها العسكرية – الأمنية كعضو في حلف الناتو تجاه النزعات العدوانية التوسعية
الروسية المستجدة على مقربة من حدودها الجنوبية .

 في البعد الداخلي :
  في
الجولة الجديدة انتصر الناخبون لحزب – العدالة والتنمية – سعيا وراء الاستقرار
والسلم الأهلي والحفاظ على الرخاء الاقتصادي بمستوياته المتقدمة الراهنة وصيانة
الديموقراطية النسبية التي تعم تركيا بعيدا عن تسلط حكم العسكر ونشدان الحكم القوي
حتى لو كان بلون واحد الذي يمكن أن يصد الارهاب الذي بدأ يواجه الأتراك في عقر
دارهم ولايمكن اغفال رغبات المصوتين لحزب (آ ك ب) في مسألة دعم العملية السلمية لحل
القضية الكردية والوقوف الى جانب الشعب السوري في محنته ليس في عملية التصويت
للسياسة المتبعة فحسب بل في عقابه لأحزاب المعارضة التي تقف في موقع التأييد لنظام
الأسد الاستبدادي والتشكيك ازاء الحوار التركي – الكردي .
  بعد انتخابات حزيران
الماضي وظهور طرف كردي مدني استحصل ثمانين مقعدا بالبرلمان كان متوقعا تعزيز عملية
السلام بمشاركة حزب الشعوب الديموقراطي في حكومة ائتلافية مع حزب – آ ك ب – الذي
كان الطرف السياسي التركي الأول الذي تصدى بشجاعة ومسؤلية للقضية الكردية وأبدى
استعداده لحلها وقطع شوطا في المحادثات مع زعيم – ب ك ك – المعتقل وصولا الى
الاتفاق على نوع من خطة عمل عرفت – بوثيقة هاكان – أوجلان ولكن وبسبب ضغوط القيادة
العسكرية بجبال قنديل أضاعت قيادة حزب – ها د ب – الفرصة وألحقت بذلك الأذى البالغ
بعملية السلام وبحقوق كرد تركيا خاصة وأنها انضمت الى صفوف المعارضة التركية
المعادية للكرد وللثورة السورية .
  لقد عاقب الناخبون في كردستان تركيا ومناطق
الشتات وحتى الديموقراطييون الترك حزب – ها د ب – وحرمانه من أكثر من مليون من
الأصوات بسبب سياسته الخاطئة ومواقفه المترددة تجاه القضايا المصيرية وخصوصا حول
مسألة السلام والرضوخ لحملة السلاح والحاقه الأضرار بقضية الشعب الكردي في سوريا
عندما تمادى في التدخل بشؤنه الداخلية والتحول طرفا في خلافات كرد سوريا الى جانب
جماعات – ب ك ك – وبالضد من ارادة غالبية الكرد السوريين ومصالحهم المرتبطة بمصالح
شركائهم بالثورة السورية وعلى النقيض من نظام الاستبداد .

  في البعد الخارجي
:
  الحدث الانتخابي التركي لم يكن معزولا عن المؤثرات والتفاعلات الاقليمية في
خضم الصراع الدائر بين شعوب المنطقة وفي المقدمة الشعب السوري وقوى الحرية من جهة
ومحور الممانعة والارهاب والعدوان الذي تتصدره بشكل عام نظاما دمشق وطهران وروسيا
وحكومة بغداد وسائر الميليشيات المذهبية وجماعات الارهاب وخاصة داعش والقاعدة (مع
كل التناقضات الثانوية في صفوفه) ومن الواضح أن تركيا التي تشارك الحدود مع سوريا
بحوالي ألف كيلو متر وبدعمها النسبي – غير الكافي طبعا – لقوى الثورة والمعارضة
جعلها تشكل بكل شعوبها ومكوناتها هدفا لمخططات الفتنة والحروب الأهلية والعمليات
الارهابية من جانب المحور المشار اليه الذي ليس من مصلحته تحقيق السلام التركي –
الكردي وتحقيق الأمن والاستقرار في عموم البلاد .
  من حق شعوب تركيا أن تنتظر
من الحزب الحاكم الذي تضاعفت مسؤلياته بانتصاره الكاسح الايفاء بوعوده تجاه عملية
السلام والثورة السورية وتحسين أوضاع المهاجرين والنازحين والحريات العامة والنظام
الديموقراطي والرفاه الاقتصادي وتحقيق العدالة واحترام استقلالية القضاء ومواجهة
الارهاب وبخلاف ذلك فان مواطني تركيا قدبلغوا منزلة متقدمة من خبرة  التميز بين
الخير والشر بحيث تؤهلهم معاقبة كل حزب أو جماعة لايفي بالوعود ولاينفذ العهود
.
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…