الدبّ الروسي في الكرم السوري

نوري بريمو 
 سبق للدب الروسي
أنْ داهم شرق أوسطنا في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ولعلّ المدلول الأكثر
إيحاءً بأنّ المارد الروسي قد إستفاق من سباته ليعربد مرة  أخرى في ديارنا، هو غزوه للساحة السورية لمناصرة
حليفه الأسد في حربه ضد الشعب السوري في هذه الجبهة المحتدمة التي قد لا تهدأ في الأفق
المنظور والتي قد تهدد سلم الجوار والمنطقة والعالم.

وإن لم يكن الأمر
كذلك، فما هو الدافع الروسي من إنتهاكه لحرمة هذه الدولة التي تشهد نزاعات دموية لاطائل
عليها؟ وهل وراء ذلك خلفيات قد تنجم عنها تداعيات لوجستية تفعل فعلها في اللاإستقرار
المخيم على الشرق أوسطية بمجمله، أم أنّ دائرة التناطح لن تتجاوز حدود بلاد الشام والعراق
وشبه الجزيرة العربية؟

أعتقد بأن الروس ينوون في هذه الجولة الإستفاقية أن يحركوا كافة أجنداتهم وخاصة في
سوريا، ويبدو أنّ تدخلهم يأتي لعرض عضلات إستباقية تمهيدية قبل الخوض في صراعات
ضارية مع أطراف دولية كبيرة كأمريكا التي تواجه صعوبات شرق أوسطية جمة.
القراءة
الأولية لهذه الأحداث المعاركية السورية المطبوخة على نيران مسعورة، تشير ثمة دوائر
إقليمية تجد منفعتها الطائفية في تأزيم هذا الملف، وترى بأنّ من مصلحتها أن تجلب
الدب الروسي ليسرح ويمرح في كرومنا التي تحوّلت إلى أرخبيل من الإمارات الإرهابية،
ما لا يمكن للدوائر الإقليمية تحقيقه إلا عبر التحرّك على شتى الصعد لتحريض روسيا
بإتجاه إعداد العدّة لإستعادة دورها المفقود ومكانتها المهزوزة في صراعات منطقتنا،
بعد أنْ خرجت سابقاً من أبوابها خائبة لتعود إليها من نوافذها منتصرة ومنصورة
بمساعدة ربائبها الإقليميين الذين يبدو أنهم لن يكفّوا عن المراهنة بأنّ الروس
سيأخذون بثأرهم من الأمريكان وحلفائهم، ما يوحي أنّ منطقتنا قد تشهد أحلافاً جديدة
تقودها روسيا التي يبدو أنها جادة في مسعى محاولة دوران عجلة التاريخ نحو الوراء أي
لجهة تكرار دَحرَجَتنا إلى فخاخ المعاهدات والإتفاقيات التي لطالما ألحقت مختلف
الأضرار بشعوبنا الباحثة عن سبل تحررها من الإستبداد عبر دمقرطة
بلدانها.
ومادامت روسيا غير مبالية بحاضر ومستقبل الشعب السوري وبمواقف غالبية
أطراف الأسرة الدولية، ومادامت ماتزال تـُبقي في الساحل السوري بأسطولها البحري
وبطيرانها وببعض من وحداتها العسكرية المتأهبة للإنقضاض على كل من يعارض الأسد، وما
دام الطيران الروسي يقصف مناطق النفوذ السني بحجة ملاحقة داعش، وما دامت هنالك
رشوحات خبرية تفيد بأنّ ثمة دول أخرى (كوبا وكوريا وغيرهما)قد تبارك التدخل الروسي
في الشأن السوري الذي يزداد تأزماً، فيبدو أنّ العلاقات (الروسية ـ الأمريكية) قد
تؤول من سيئ إلى أسوأ، لأنّ التطورات تدلّ بأنّ روسيا تنوي أن تمضي بلا تردد في
رحلة تدخلها في سوريا والشرق الأوسط وتحديها للأمريكان ولباقي حلفائها من الأسرة
الدولية، وقد يصل التحدي الروسي إلى درجة عدم إحترام قواعد الإشتباك الجوي بين
طيران الطرفين فوق سماء سوريا والعراق، مما قد ينجم عن ذلك إنعكاسات سلبية على حاضر
ومستقبل بلدان منطقتنا الغارقة في مختلف الحروب الداخلية المستعصية والإقليمية
التآمرية والدولية. وما قد يزيد من حظوظ وإحتمالات حصول حرب عالمية ثالثة تؤدي إلى
وقوع منطقتنا بين مطرقة هذا العملاق الدولي وسندان ذاك الآخر، في الوقت الذي نحن
أحوج ما نكون فيه اليوم إلى خيار تهدئة الأزمة والإحتكام للحلول السياسية وللتوافق
الديمقراطي بين المتحاربين، ومن المرجح أن تنقلب الآية بعكس مراد روسيا التي يبدو
أنها ستغوص في الوحل السوري الذي قد يبتلعها وحلفائها.
الجانب الكوردي كان
ومايزال يرفض عسكرة الحلول ويسعى على الدوام نحو المخارج السلمية مهما كثرت الخسائر
وطال أمد الأزمات والنزاعات، فالصلح سيد الأحكام في كل الأحوال ومهما ساءت الأحوال.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرهاد حبش صوّت مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان على إلغاء قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وذلك بأغلبية أصوات، أعقبها توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قرار إلغاء القانون. ويُعد هذا القرار خطوة من شأنها فتح آفاق جديدة أمام التحركات التجارية والاقتصادية والمعيشية، فضلًا عن تأثيره المحتمل في مستوى العلاقات السورية مع محيطها الإقليمي والدولي. غير أنّ ما ينتظر السوريين…

خالد حسو مع احترامي لجميع المناضلين والأوفياء في جميع مواقعهم الحزبية والثقافية والسياسية، أطرح هذا الرأي بصفتِه تحليلاً نقديًا لأداء المجلس الوطني الكوردي. في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية عمومًا، والساحة الكوردية على وجه الخصوص، يبرز تساؤل جوهري حول قدرة قيادات المجلس الوطني الكوردي على مواكبة متطلبات المرحلة الراهنة. فالمرحلة الحالية لم تعد مرحلة شعارات أو إدارة…

غسان المفلح كما كان القرار الدولي 2254 يؤبد الهيكل الاسدي، لدينا القرار الجديد 2799 يؤبد قادة المرحلة الانتقالية. بغض النظر عن الشكل الذي ستتوضع عليه الدولة. ربما يؤبد بقية الثلاثي الذهبي قسد والهجري وغزال. لا يعني ان حقوق السوريين ستكون مصانة مع هؤلاء. لهذا المعارضة التي تطالب هكذا قرارات، فإنها تتعامل وفق كيدية فارغة. فارغة من فهم حقيقي للسياق الانتقالي…

زينه عبدي أشارت تصريحات وزير الإعلام السوري خلال كلمته، بمناسبة يوم سقوط النظام البعثي العفلقي في 8 ديسمبر الجاري، إلى التحذير المباشر من خطورة الاستغلال والاستثمار المتعمد للصحافة والإعلام في ظل المرحلة الانتقالية، من قبل اللاعبين في المشهد السياسي. لذا هذا التحذير لا يقرأ بمنأى عن الضعف البنيوي في البيئة الإعلامية التي تتصف بسهولة التسييس وعدم الاستقرار. لكن، أليس من…