خذوا العبرة من أقوالهم

صلاح بدرالدين
 

في
مؤتمر عقد قبل أيام في العاصمة الأمريكية – واشنطن – نظمته جامعة – جورج واشنطن – حول
الاستخبارات بمنظورها الوطني والعالمي وعرض فيه الكثير من الأبحاث والمداخلات حول
قراءة أحداث الحاضر واستشراف المستقبل من وجهات نظر مدارس استخباراتية مختلفة
ومؤسسات عالمة بالأسرار وقريبة من مصادر قرار تتحكم بمصائر البشرية ومايهمنا قوله
هنا بالدرجة الأولى فان غالبية المداخلات – المنشورة – كادت أن تتماثل الى درجة
التوافق حول الحالة السورية المأساوية الراهنة ومآلها ومصيرها وكمثال نتناول رؤيتي
أعرق مؤسستين أمنيتين معنتين مباشرة بالقضية السورية قديما وحديثا وهما الأمريكية
والفرنسية .

   فمدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية “سي آي ايه” جون برينان يرى ان (
“الشرق الاوسط الذي نعرفه انتهى، وأشك بأن يعود مجددا”. التقسيم آت اضاف ” نحن نرى
ان سوريا مقسمة على الارض، النظام لا يسيطر الا على جزء صغير من البلد: ثلث البلد
الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. الشمال يسيطر عليه الاكراد، ولدينا هذه
المنطقة في الوسط التي يسيطر عليها داعش”، في اشارة الى تنظيم الدولة الاسلامية.
واكد ان “الامر نفسه ينطبق على العراق”، مضيفا “لا اعتقد ان هناك امكانية للعودة
الى الوضع السابق” وأضاف : “عندما انظر الى الدمار في سوريا وليبيا والعراق واليمن
يصعب عليّ ان اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه الدول قادرة على ممارسة سيطرة او سلطة
على هذه الحدود التي رسمت بعد الحرب العالمية الثانية”. من جهة ثانية اعتبر المسؤول
الاميركي ان “الحل العسكري مستحيل في اي من هذه الدول”. واعتبر انه من الخطأ الذهاب
مباشرة باتجاه البحث عن “تسوية نهائية” في الوقت الراهن، بل يجب اعتماد استراتيجية
الخطوات الصغيرة، عبر السعي اولا الى “خفض درجة الحرارة، خفض حدة النزاع، بناء بعض
الثقة بين الاطراف الموجودين هناك والراغبين فعلا في التوصل الى تسوية سلمية”.)
.
أما مدير الاستخبارات الفرنسية – الادارة العامة للفرع الخارجي برنار باجوليه
فيرى أن (  “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة”، مؤكدًا أن دولًا مثل
العراق أو سوريا لن تستعيد أبدًا حدودها السابقة واعرب باجوليه عن “ثقته” بأن
“المنطقة ستستقر مجددًا في المستقبل، ولكن وفق اية خطوط؟، في الوقت الراهن لست
اعلم. ولكن في مطلق الاحوال ستكون مختلفة عن تلك التي رسمت بعد الحرب العالمية
الثانية”. اضاف ان “الشرق الاوسط المقبل سيكون حتمًا مختلفًا عن الشرق الأوسط ما
بعد الحرب العالمية الثانية” ). 
  وهكذا نرى أن مسؤلي البلدين الكبيرين
المعنيين بالملف السوري والمصنفين في صدارة قائمة الدول ( الصديقة ) للشعب السوري
يذهبان في نظرتهما القريبة والمتوسطة لمآل القضية السورية الى تصورات مناقضة لما
يراها ويتمناها السورييون لحاضر ومستقبل بلدهم وذلك بخصوص المسائل التالية :
 1
– لاوجود للثورة وأهدافها في خطاب المندوبين بل التركيز ينصب الى وجود أزمة وحروب
ومواجهات حتى في مجال تناول منطقة الشرق الوسط يخلو الخطاب من أية اشارة الى ثورات
الربيع التي اندلعت منذ خمسة أعوام في أكثر من خمسة بلدان عربية وحملت أهدافا
وشعارات واضحة حول الحرية والكرامة والتغيير الديموقراطي .
 2 – الاختلاف واضح
بين كل من ارادة الشعب السوري المتمثلة بثورته من أجل سوريا مختلفة جديدة تعددية
تشاركية عادلة ديموقراطية موحدة من جهة وبين رؤية المسؤلين الأمريكي والفرنسي حول
سوريا مختلفة عن السابق ولكن منقسمة متشظية متناثرة من الجهة الأخرى .
 3 –
التسوية السياسية التي تنشدها الثورة وقدمت في سبيلها التضحيات تنحصر في اسقاط نظام
الاستبداد وتفكيك سلطته والانتقال الى فترة انتقالية لتنظيم نقل السلطة الى الشعب
عبر انتخابات حرة نزيهة وبرلمان يمثل كل المكونات الوطنية القومية والدينية
والمذهبية ويشرف على اقامة السلطة التنفيذية ومراقبتها أما رؤية المسؤلين الأمنيين
الأمريكي والفرنسي للتسوية فتختلف الى درجة النقيض وتنطلق من الاعتراف بالأمر
الواقع والتقسيمات الراهنة الحاصلة في ظروف الحرب والدمار والفراغ والتعامل مع من
في الميدان وخاصة النظام والميليشيات والعصابات المسلحة وسلطات الأمر الواقع وتحقيق
التسوية السياسية عبر خطوات جانبية مناطقية محدودة قد تطول سنوات وعقودا .
 4 –
السورييون يناضلون من أجل قضية عادلة ومبادىء سامية وينشدون المجتمع الدولي بتقديم
الدعم والمساندة أما خطاب الأمريكي والأوروبي فينطلق من حسابات الربح والخسارة
ومنطق تقاسم النفوذ حتى بين أعضاء تحالف (أصدقاء) الشعب السوري وبينهم وبين روسيا
طغمة بوتين الحاكمة ونظام جمهورية ايران الاسلامية .
    أمام هذا التحدي
المستجد خاصة بعد التدخل العسكري الروسي المعادي وبعد – خيانة الأصدقاء – الغربيين
نقولها للمرة الألف اذا لم تبادر النخبة الوطنية لقادة الجيش الحر وزملائهم من
مناضلي الفصائل الثورية الأخرى والحراك الوطني المدني الى التحرك والعمل من أجل
التئام مؤتمر وطني سوري انقاذي طارىء لانجاز مهمتين عاجلتين : صياغة البرنامج
السياسي المرحلي وانتخاب مجلس سياسي عسكري مشترك فان الوضع سيسوء الى درجة الانهيار
وسيعمل الروس والأجهزة السورية – الايرانية الأمنية على التواصل بوسائل (الاغراء
والتهديد) مع فرد هنا ومجموعة هناك لتفكيك ماتبقى من صفوف الثوار ونخب الجيش الحر
وهذا لايتمناه كل وطني شريف ينتمي الى شعبنا السوري العظيم .   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…