زوبعة إقليمية في الفنجان الكوردستاني؟!

نوري بريمو

لمصلحة من هذه التظاهرات أو بالأحرى أعمال
الشغب التي تجري بشكل مفضوح في محافظة السليمانية بإقليم كوردستان؟، ولماذا تستهدف
مقرات الحزب الديموقراطي الكوردستاني؟، وهل ما يجري يندرج في إطار الحراك السلمي
الديموقراطي للمطالبة بالرواتب وتحسين الأوضاع؟، أم أنه كلام حق يراد به باطل محمول
على تدخلات اقليمية لتعكير صفوة الحياة في اقليم كوردستان ولعرقلة المشروع القومي
الذي يقوده سيادة الرئيس مسعود بارزاني السائر صوب إعلان دولة كوردستان المستقلة؟،
أم ماذا؟. 
وهل مايجري هو مجرد زوبعة إقليمية في فنجان كوردستان؟ أم أنها ظاهرة
خطيرة جداً، لما لها من أسباب ودواعي وخلفيات غامضة ونتائج قد تكون وخيمة؟، أم أن
قدرنا نحن معشر الكورد أن نبقى هكذا في حالة نزاع بيّني دائم؟، وإلى متى سيدوم مثل
هذا السيناريو المحزن والمؤذي في ذات الحين الذي يتربص فيه تنظيم داعش الإرهابي
وأخواته بحدود ووجود الكورد وكوردستان بحدود طولها حوالي من 1500كم؟ 
بهكذا تساؤلات محيّرة يمكن أن نغوص في حيثيات هكذا موضوع شائك، فالخلافات الداخلية
(الكوردية – الكوردية) التي أردنا لها مراراً وتكراراً أن تندثر وتنقبر دون رجعة،
ها قد رجعت وبرزت على السطح مرة أخرى وبمفاعيل إقليمية دخيلة، خاصةً وأن بعض الجهات
لازالت متمسكة بعقلية الماضي ومتعنتة في سلوكها ومصرّة على إثبات أحقيتها
ومشروعيتها في الحراك دون الآخرين، مما يخلق المزيد من حالات الفتنة والتحدي
والتنازع المرفوضة جملة وتفصيلاً.
حقاً إنه لمن دواعي الأسف الشديد، أن يتم في
هذه المرحلة بالذات افتعال الخلافات بين الأطراف الكوردستانية، والتي أدت وقد تؤدي
إلى ازدياد حدة التوتر والمشاحنات السلبية داخل البيت الكوردستاني المحتاج إلى
إصلاح ذات البين وإلى إعادة الترتيب من جديد ووفق أسس جديدة، والمؤسف الذي يحدث
الآن هو أن الخلافات قد تأزمت إلى درجة مداهمة وحرق مقرات البارتي وتقاذف الاتهامات
بشكل علني في مختلف وسائل الإعلام، مما يبعث على ارتياب وعدم ارتياح كل الكورد
الغيورين على قضيتهم القومية العادلة، ليس هذا فحسب بل وإن استمرار مثل هذه
النزاعات هي كالجرح النازف وهي أمر مريب وينذر بالمخاطر الجمة في هذه المرحلة
المصيرية التي تكتنف فرصة ذهبية للكورد.
وحيث أنه من الطبيعي أن تنشأ لدى الكورد
أيضاً، بعض الاختلافات والتباينات في الآراء والمواقف بين هذا الاتجاه أو ذاك، فلا
مانع إذاً والحال هكذا من أن يجري بينهم التنافس الحرّ الإيجابي، وأن تسعى كل
الاتجاهات المختلفة إلى البدء بالحوارات البناءة والمفيدة لتشكل معاً عبر الالتقاء
الدائم حراكاً نوعياً من شأنه تحويل البيت الكوردي من بيت ضعيف ومنشق على نفسه إلى
بيت قوي وموحّد، وليتشكل بجهود الجميع مناخ توافقي يتسع للجميع ويستوعب الجميع
ويستنهض بنهوض الجميع، وهنا لابد من التمييز ما بين مفهوم الكل المختلف أي التعددية
والتنوع الديموقراطي بأشكاله العديدة، وبين التشرزم والتعددية المفرطة التي ساقتنا
وقد تسوقنا إلى حالة الفوضى والتنازع والأزمات المستعصية.
لكن تحقيق مثل هذا
الأداء الحضاري لا يتم لا بالأقوال ولا بالوعود فقط، بل بالأفعال وبتوفير الحد
الأدنى من المصداقية المطلوبة لإنجاح مثل هكذا حالات تفاعلية تجري بين اتجاهات
مختلفة تعمل وتحتك معاً في ساحة نضالية واحدة، إضافة إلى ضرورة تحلي الجميع
بالإيمان المشترك بالحراك الجماعي صوب الجماعية في الفكر والممارسة وفي الطرح
والأداء، وضرورة العمل على تحديث عقل ومزاج إنساننا، على طريق تحقيق آمال وطموحات
شعبنا الكوردي التواق لنيل حقوقه القومية المشروعة إسوة بباقي شعوب
المعمورة.
ولعلّ من المفيد التنبُّه والتنبيه بأن الزوبعة أو بالأحرى العاصفة
القادمة حاليا من الجوار إلى إقليم كوردستان تستهدف حاضره ومستقبله بلا أدنى شك،
لأنّ محركي هذه الزوبعة يستخدمون أجنداتهم في هذه المرّة أيضا، لكي يعرّضوا كل
الإنجازات الكوردستانية التي تحققت بدماء الشهداء الى مختلف الأخطار وخاصة
المؤامرات الإقليمية التي تحاك في أروقة استخبارات الدول الغاصبة لكوردستان، وقد
يكون لها إنعكاسات سلبية على باقي أجزاء كوردستان، وفي هذه الحالة لا بديل عن
الإحتكام إلى جادة صواب التلاقي والتوحيد الصفوف في مواجهة الاخطار التي يشكلها
أعداء الكورد وأعوانهم هنا وهناك.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

سعيد يوسف ظهر الدين الإسلامي بحسب المصادر التاريخية…في المنطقة الجغرافية التي تسمى الآن بشبه الجزيرة العربية. منذ البداية استعان المسلمون الاوائل بنسق من المفاهيم الفكرية المستمدة من أنساق دينية سابقة كان لها أتباع في الجغرافية المذكورة، أومن أنساق دينية أخرى أو مفاهيم أفرزتها الحياة الاجتماعية الجديدة كمفهومي الأنصار والمهاجرين والصحابة …ثم تمّ توظيفها توظيفاً براجماتياً في خدمة أهدافهم السياسية والاجتماعية…..

خالد بهلوي عاش الإنسان السوري سنوات طويلة في خوف ورعب؛ خوفًا من البراميل المتفجرة، والغرق في البحار أثناء الهجرة، والفقر والجوع، والخوف على مستقبل الأجيال المتعاقبة وتعليمهم. من الطبيعي أن تنتهي كل هذه العوامل مع نهاية حكم الطاغية بشار الأسد، الذي خلق الخوف والرعب لكل أسرة بنِسبٍ وأشكال مختلفة. بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية في العديد من الدول، غالبًا ما…

صلاح بدرالدين الاكاديمي والثورة السورية حوار قصير بين وطني سوري وبسمة القضماني عندما شكلت جماعة – الاخوان المسلمين – ( المجلس الوطني السوري ) باستانبول بعد اندلاع الثورة السلمية العفوية الدفاعية بعدة اشهر عام ٢٠١١ ، وارادوا – تطعيمه – كعمل تكتيكي بحت برموز ليبرالية ، ويسارية ، والاحتفاظ بسلطة القرار ، والمفاصل الأساسية المالية ، والعسكرية…

«شهداء ثورة القرن»: عنوان الملف الذي نشرته مجلة العربي القديم في عدده الخاص، الذي صدر بمناسبة انتصار الثورة السورية ، وثقت فيه ابرز شهداء الثورة، وضمت القائمة الشهيدين مشعل التمو وحسين عيسو. فيما يلي ننشر رابط المجلة ورابط الشهيدين (مشعل التمو وحسين عيسو): رابط الشهيد حسين عيسو بقلم الكاتب حسين جلبي: Hisen_Iso رابط الشهيد مشعل التمو بقلم الكاتب محمد عبدالستار…