درجت موضة محاربة الحركة الكردية في سوريا وسياستها الواقعية والموضوعية خلال السنوات الأخيرة ، وقد نال الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا النصيب الأكبر من هذه الحملة التضليلية والغوغائية الشرسة ، من جانب البعض من المثقفين وأفراد الجاليات الكردية المنتشرة في أوربا ، المهوسة بترف معيشتها وحياتها الكريمة
وباختصار ان هؤلاء الجوقة الجالسة في أوربا لا تهمهم حتى لو أبيد الشعب الكردي في سوريا عن بكرة أبيه ، لأنهم لا يئنون تحت وطأة نار الاضطهاد والقمع والملاحقة والسجن والفصل من الوظيفة او الجامعة والظروف المعيشية البالغة السوء، والبحث عن لقمة العيش ، إنهم ببساطة يحاولون بناء إمبراطورياتهم الشخصية على حساب دماء وأشلاء وجماجم الشعب الكردي المعذب ، وجعله وقود عنترياتهم الخاوية ، اذا يودون تحميل الحركة الكردية باثقالا لا تستطيع حملها وجرها الى ساحات وميادين غير ميادينها ، تحت يافطة الزهد والاعتكاف والهروب من الاستحقاقات وغيرها من الاتهامات الباطلة ، وهذا ما لا ولن تسمح بها الحركة الكردية ومن وراءها أبناء شعبها الرزين .
ومثال هذه العقلية الشمولية السيد دجوار سيريني احد ابرز فطاحل السياسة الكردية في العصر الحديث !!!!
حيث أدل هو الآخر بدلوه ليتهم التقدمي باتهامات بما انزل الله من سلطان ، والتي حملت طابع الشخصانية في الكثير من النقاط الواردة في دعايته السوداء (المقال) ان جاز لنا القول ، فقد سخر وشكك بعدم صوابية قرار التقدمي حول مقاطعة الانتخابات البرلمانية والذي هو قرار الحركة الكردية بجلها ، حيث جاء السيد المذكور لينظر على مواقف 10 أحزاب كردية بل ومعظم الشارع الكردي في سوريا .
ولعل أكثر الأمور التي استوقفتني في المقال هو محاولة الكاتب إسقاط حماقته وجهله على التقدمي ، فمع يقينه التام الذي لا يرق الى الشك بأننا سنخسر الانتخابات هذه المرة أيضا مثل المرات السابقة ، ومع ذلك يحمل الحركة الكردية مسؤولية المقاطعة ، ومع اعتبار المشاركة في الانتخابات حتى ضم هامش المستقلين احد وجهات النظر في الشارع الكردي مهما قل أنصار هذه الوجهة التي احترم رأيها واجلها ، لكن أليس من الجهل الاستخفاف والحماقة ان تقدم على فعل سياسي ما محسوم النتائج سلفا ومع ذلك يدعوك احدهم ان لا تتخلف عنه فباعتقادي ان الموقف السياسي لأحزاب الحركة الكردية من الانتخابات الحالية كان تطورا كبيرا في خطابها السياسي ، فإضافة الى الإجماع على المقاطعة أرى وللمرة الاولى هذا الموقف الجدي المتبلور من مسالة المقاطعة من حيث عدم توافر الحريات التي يجب ان ترافق أي عملية انتخابية ، ورفض قانون الانتخابات المعمول به ،وإجراءها في ظل قانون الطوارئ ، ومعاناة 150ألف انسان كردي محروم من حق التصويت او الترشيح ، والاهم من ذلك رفض الدخول الى البرلمان الا وفق نسبتنا وحجمنا الطبيعي ، الا تستحق كل هذه المطالب المشروعة التأييد والمناصرة ودفع الحركة الكردية لتثبيتها في السنوا ت القادمة وإلزامها بها ، بدل التشكيك في قرار المقاطعة الذي اثبت صوابيته .
بكل تأكيد ان مقال السيد دجوار جاء أتهاميا دون أي إثبات ، بل كان الواضح فيه لهجة التشفي من التقدمي والنيل منه منذ السطر الثاني فيه ، فلم يحتوي على فكرة سياسية واحدة يجعلني أناقشها معه ، وان جميع النقاط الواردة فيه عن التقدمي جاءت كلاسيكية مغبرة تعود الى زمن الأسود والأبيض ، ولا تعود الى زمن ومكان دجوار الذي يعيش في ظل اعرق الديمقراطيات ، ويبدو انه لم يتعلم منها قط ، فجاءت أفكاره شمولية العمق ، واتهاماته مثل اتهامات اشد البشر تخلفا في العالم الثالث.
لقد اعتاد أعداء العقلانية (الغوغاء) ان يشوه أي خطوة ايجابية او أي فعل نضالي عقلاني قامت بها الحركة الكردية ومن وراءها التقدمي ، وهم يحاولون ان يلبسوا الحركة الكردية جميع إخفاقاتهم الشخصية السخيفة ، فالتقدمي سيبقى صمام الأمان لشعبنا الكردي في سوريا ، وسوف يبقى من اشد المعارضين لزج شعبنا في مقامرات البعض السياسية .
الشيء الآخر الذي استوقفني في ( المقال ) سخرية وانزعاج السيد دجوار ومحرضه من امتلاك التقدمي للطاقات الشبابية والكوادر الحزبية والإمكانيات المادية أي كان مصدرها ، ما الضير الذي يصيب السيد دجوار من ذلك هل سرق احد فلسا واحدا من جيبه ، ثم انه أليس من الفخر ان يمتلك أي حزب كان من حركتنا الوطنية كل هذه الطاقات والإمكانيات ، ان لم تكن المسألة حقد وضغينة ، فالتقدمي والاتحاد الوطني الكردستاني كحزبان حليفان يتعاونان في جميع المجالات وكلاهما يفتخران بهذا التعاون ، والشيء الذي اعرفه ان التقدمي قد تقاسم الرغيف مع الاتحاد في شدائده ومحنه ، ومع ذلك لا اعتقد بان رواية السيد دجوار صحيحة ، وان كانت كذلك فأنني لا أرى العيب في هذا .
أما النقطة الأخيرة التي استوقفتني فهي أسلوب الكاتب في التهجم على الأستاذ عبد الحميد درويش الذي يعتبر احد الآباء الروحيين للحركة الكردية في سوريا ، فهكذا شخص يجب احترام تاريخه النضالي مهما اتفقنا معه او اختلفنا ، وعندما بادر هو واثنين من رفاقه المناضلين بتأسيس أول حزب كردي في سوريا ، الم يكن السيد دجوار بيضة غير ملقحة في أحشاء والدته الكريمة ، اعتقد بان مسألة كلاسيكية القيادة الكردية أمر مبالغ فيه للغاية وحمل هذا الموضوع أكثر مما يتحمل ، فالمشكلة هي مشكلة العقلية وليس مشكلة السن ، ولا مجال هنا لشرح هذه النقطة لكن محاولات التشويش والتضليل على دور الأستاذ عبد الحميد ليس وليدة اليوم او البارحة ، بل تعود الى ستينيات وسبعينيات من القرن المنصرم ، اما السيد دجوار فهو امتداد و نتاج تلك المرحلة تم تصديره وتحسين صناعته في النرويج ومع ذلك اثبت انه غير عملي ، فجميع القيادات الكردية والكردستانية هي من جيل السيد حميد وتكبره أيضا ، وإذا ما شرعنا وعممنا هذا المطلب ، فالكل معني به وليس الأستاذ عبد الحميد وحده ، فمحاولات تحييده في هذا المجال تخلق صراحة لدي جملة من الاستفهامات .
انه لمن السخف حقا ، ان أوساط واسعة من غير الكرد تشيد بالدور السياسي والنضالي للأستاذ عبد الحميد وتعتبره صمام الأمان للوحدة الوطنية ، في حين نرى بأن اصواتا نشاذة وعقليات متفتقة بالأنانية في مجتمعنا الكردي تحاول التقليل والتقزيم من حنكته السياسية وتجربته النضالية .
وختاما حتى لا أضع نفسي في موقع لا احسد عليه كما وضع السيد دجوار نفسه فيه ، لا بد لي ان أوضح بعض النقاط للسادة القراء ، حتى لا اتهم بأني انظر لفكر شمولي او أني مناهض للتجديد والتغيير في الحركة الكردية او لا أؤمن بالنقد طريقا لتصويب الأخطاء وتقويمها :
1ـ لكل فرد من أبناء الشعب الكردي كامل الحق والمشروعية في ان ينتقد نقدا بناءا سياسة أي حزب من أحزاب الحركة الكردية ، والكشف عن النواقص والعيوب والأخطاء والسلبيات والتي هي كثيرة بالتأكيد ولا يستطيع احد ان ينفيها ، وطرح الأفكار الجادة التي تخدم حلها وذلك عن طريق المناقشة والحوار وإيجاد وتحديد الآلية النضالية المناسبة ، بحيث لا يعكس تطبيقها بشكل سلبي على فرد واحد من أبناء شعبنا الكردي ، أي ضمن أسلوب النضال السلمي غير المتهور .
2 ـ اني من الجادين والمنشدين للتغيير والتجديد في روح حركتنا السياسية ، باعتباري قبل كل شيء من جيل الشباب ، فهذا الأمر يخلق راحة نفسية لدي من الناحية العملية ، لكني أرى بان حماسة الشباب واندفاعهم في العمل السياسي غير كافية ، ما لم يطعم هذه الحماسة والاندفاع بالنضوج السياسي والتجربة النضالية وهذا ما يفتقده اغلب الشباب في الحركة الكردية ، مما يجعلنا نعتمد على القيادات الحالية رغم جميع جوانب القصور فيها لكنها بالطبع مطالبة بتأهيل وتدريب شبابها ، حتى يتمكنوا من استلام زمام الأمور في المراحل اللاحقة ، اذا فالمسألة هي عملية تدريجية تحتاج الى بعض الوقت .
3 ـ رغم كل السلبيات والأخطاء التي تغرق بها حركتنا السياسية من رأسها حتى أخمص قدميها ، لكني أرى واجب الدفاع عنها وهي مهمة مقدسة بالنسبة الي ، ضد كل من يحاول النيل منها والتعالي عليها او من احد أحزابها وخاصة كالحزب التقدمي المشهود بدوره النضالي الفعال داخلها ، لأن هذه الحركة هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الكردي وهي سفيرة لقضية عادلة ومشروعة كالقضية الكردية ، وبمعنى آخر لا يوجد بديل سياسي أفضل منها لخدمة قضية شعبا ، وعندما نجد ذلك البديل بكل تأكيد سنلجأ إليه ، لأن هم أي كردي هو قضيته القومية وليس الأحزاب حتى لا يفهم رائي خطا .
أتمنى من الأخ دجوار ان يتحلى بروح المسؤولية وترك الثقافة الاتهامية والمتعالية التي تعود بجذورها الى العالم الثالث ، وكونه يعيش في أكثر المجتمعات رقيا، من مبادئه احترم الانسان والرأي الاخر ، ونبذ ثقافة الاتهام وتصغير الآخر، فضلا على كونه طالب علم من المفروض ان يكون واسع الأفق ومدركا للأمور أكثر من غيره ، وإذا لم يكن مطلوبا منه ان يسجل في رصيد حركته الوطنية ، فليس مطلوبا منه في نفس الوقت ان يحاربها او يحارب احد احزابها .
* صحفي كردي سوري