البيان المشترك .. معاني ودلالات

صلاح بدرالدين

  تأملت كثيرا في نص
ومضمون البيان المشترك الصادر قبل عدة أيام بين كل من المكاتب السياسية لنحو ثمانين
فصيل عسكري من جهة وقيادة الائتلاف السوري من جهة ثانية يدور حول رفض مقترح الوسيط
الدولي – ديمستورا – بصيغته المطروحة بشأن الاعلان عن تشكيل مجموعات عمل أربعة
بمشاركة النظام والمعارضة واستخلصت جملة من الملاحظات من أبرزها :
 أولا – من
المفيد الاتفاق بين كل من يعارض نظام الاستبداد قوى ومجموعات وأفرادا حول كل مسألة
تتعلق بالقضية السورية ولكن ليس كافيا الاعلان عن رؤا مشتركة حول المسائل الفرعية
فحسب ( رغم أهميتها ) وترك الأمور الأساسية الاستراتيجية جانبا فالبيانات المشتركة
تصدر عادة بين قوى متباعدة أحيانا أو مختلفة وليس بين أطراف الجسم الواحد وأصحاب
القضية الواحدة دائما .
  ثانيا – يمكن لأي متابع أن يستشف من شكل ومضمون البيان المشترك فشل الائتلاف كجسم
سياسي معارض في تبني مبادىء وأهداف وشعارات الثورة في الواقع العملي فحسب بل حتى في
القدرة على توحيد تلك الفصائل ليس في تنظيم موحد بل حتى في تحالف جبهوي رغم كل
ادعاءاته في التمثيل الشرعي والاعتراف الدولي ولعب دور الوسيط في تلقي المعونات
وكان واضحا أن الائتلاف هو من سار وراء الفصائل المسلحة في مضمون البيان وبنوده
المعبرة عن ارادة السوريين وثورتهم والتحق بها وليس العكس لأنه لم يكن ضد خطط
ديميستورا ولا حتى ضد العلاقة مع الروس حتى زمن قريب .
  ثالثا – البيان ذاك
يؤكد مجددا على مأساة قوى الثورة والمعارضة وتشرذمها المخيف حيث الموقعون على
البيان يربو على الثمانين اسما من الفصائل العسكرية وهو تعبير سوداوي درامي عن حالة
تشكيلات الجيش الحر الذي كان بمثابة العمود الفقري للثورة السورية والمشتتة
والموزعة الآن بين الفصائل الأكثر حضورا والأوفر حظا في تلقي المساعدات من الخارج
وبينها من يرفع شعارات دينية ويخلط الدين بالسياسة بعكس مفاهيم غالبية عناصر الجيش
الحر الأقرب الى العلمانية والمبادىء الديموقراطية .
 رابعا – يعتبر – المجلس
الوطني السوري – السيء السمعة المسؤول الأول والأساسي عن تشرذم وتفتت تشكيلات الجيش
الحر ودفعهم الى الانخراط والتعامل مع منظمات بدون قناعتهم عندما حاول نشطاء –
الاخوان المسلمين – الذين كانوا يديرون المجلس منذ البداية بفضل الجغرافيا التركية
والمال القطري ( أخونة الثورة السورية ) ضمن المشروع الاقليمي – الدولي الأكبر في
أسلمة وأخونة ثورات الربيع ومعروف للكثير من المطلعين كيف تصدى العديد من قادة
وأفراد هذا الجيش لخطط الاخوان ولم يسمحوا لهم بمصادرة ارادتهم واغرائهم بالمال
للانتساب الى صفوفهم ومعروف أيضا أن البعض منهم كان مصيره الموت مثل المقدم حسين
هرموش أو التعرض لمحاولات التصفية مثل العقيد رياض الأسعد أو العزلة في المخيمات
مثل المئات من خيرة الضباط والأفراد الناشطين . 
  خامسا – كل وطني سوري يتمنى
أن يتحقق الاتحاد الحقيقي الكامل بين كل المعارضين لنظام الاستبداد والمؤمنين
بأهداف الثورة وبسوريا ديموقراطية تعددية جديدة قادمة خاصة في هذه الأيام التي نشهد
فيها تطورا خطيرا في قيام نظام الطغمة المافيوية الروسية بالتكشير عن أنيابها
وتحولها من العداء السافر التسليحي للنظام والدبلوماسي لحمايته الى الاحتلال
العسكري الاستعماري المباشر لأجزاء من بلادنا اسوة بنظام ايران وأدواته من الشيعية
السياسية والجماعات المسلحة الارهابية الأخرى الموزعة في مختلف المناطق السورية
.
  سادسا – لن يتحقق الاتحاد المنشود بين قوى الثورة والمعارضة الا على أرضية
الاتفاق بالالتزام بأهم أهداف الثورة وهو اسقاط النظام وليس تجميله أو الاكتفاء
بالمطالبة بعزل بعض رموزه والخلط المقصود بين مفاهيم ( الدولة والنظام والسلطة )
ونعود نكرر أن الدولة هي – الشعب والأرض والسلطة ومايريده شعبنا وترمي اليه ثورتنا
هو تفكيك سلطة نظام الاستبداد وليس تقويض البلديات بل تحسينها وليس ازالة الشعب بل
اعادة حريته والقرار المسلوب اليه وليس تقسيم الأرض بل تعزيز وحدته . 
  ولايمكن
تحقيق مايصبو اليه السورييون الا بالعمل على توفير شروط عقد المؤتمر الوطني الجامع
والخروج ببرنامج الانقاذ الوطني وانتخاب القيادة السياسة – العسكرية المشتركة
الكفوءة للتصدي لجميع التحديات الماثلة من داخلية وخارجية .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف من الخطة إلى الخيبة لا تزال ذاكرة الطفولة تحمل أصداء تلك العبارات الساخرة التي كان يطلقها بعض رجال القرية التي ولدت فيها، “تل أفندي”، عندما سمعت لأول مرة، في مجالسهم الحميمة، عن “الخطة الخمسية”. كنت حينها ابن العاشرة أو الحادية عشرة، وكانوا يتهكمون قائلين: “عيش يا كديش!”، في إشارة إلى عبثية الوعود الحكومية. بعد سنوات قليلة،…

سمير عطا الله ظهر عميد الكوميديا السورية دريد لحام في رسالة يعتذر فيها بإباء عن مسايرته للحكم السابق. كذلك فعل فنانون آخرون. وسارع عدد من النقاد إلى السخرية من «تكويع» الفنانين والنيل من كراماتهم. وفي ذلك ظلم كبير. ساعة نعرض برنامج عن صيدنايا وفرع فلسطين، وساعة نتهم الفنانين والكتّاب بالجبن و«التكويع»، أي التنكّر للماضي. فنانو سوريا مثل فناني الاتحاد السوفياتي،…

بوتان زيباري في صباح تملؤه رائحة البارود وصرخات الأرض المنهكة، تلتقي خيوط السياسة بنسيج الأزمات التي لا تنتهي، بينما تتسلل أيادٍ خفية تعبث بمصائر الشعوب خلف ستار كثيف من البيانات الأممية. يطل جير بيدرسن، المبعوث الأممي إلى سوريا، من نافذة التصريحات، يكرر ذات التحذيرات التي أصبحت أشبه بأصداء تتلاشى في صحراء متعطشة للسلام. كأن مهمته باتت مجرد تسجيل نقاط…

صلاح بدرالدين نحن في حراك ” بزاف ” أصحاب مشروع سياسي قومي ووطني في غاية الوضوح طرحناه للمناقشة منذ اكثر من تسعة أعوام ، وبناء على مخرجات اكثر من تسعين اجتماع للجان تنسيق الحراك، وأربعة لقاءات تشاورية افتراضية واسعة ، ومئات الاتصالات الفردية مع أصحاب الشأن ، تم تعديل المشروع لمرات أربعة ، وتقويم الوسائل ، والمبادرات نحو الأفضل ،…