روسيا وسط الركام السوري؟

جان كورد

ظلت روسيا البوتينية، منذ اندلاع الثورة السورية المجيدة، والرّد
الأسدي عليها بالحديد والنار، متمسكّة ب”ضرورة العمل المشترك في مجلس الأمن الدولي”
للبحث عن “الحل السلمي” في سوريا التي تمدّ موسكو حكومتها بشتى أنواع السلاح
والخبرات العسكرية والاستخباراتية، وهي تعلم علم اليقين بأن ما يشنه النظام من حربٍ
على شعبه ليس إلاّ سلسلة طويلة من الجرائم ضد الإنسانية. ولقد صورّت علاقاتها مع
نظام الأسد الضاري وكأنها “ضرورة” من ضرورات السلام في سوريا. 
ومقابل ذلك، حيث
يسود “القلق” ردهات الأمم المتحدة فيمنع أمينها العام من النوم، وحيث يلف القلق
“البيت الأسود” الأمريكي من كل جوانبه، يبدو أن إدارة أوباما المتخبطة في أخطائها
الاستراتيجية حيال المنطقة قد أصابها السأم من سماع ما يجري في سوريا، فلجأ الرئيس
أوباما إلى تخدير الشرائح الواسعة من المجتمع الأمريكي بأحاديث مملة عن أهمية
“الاتفاق النووي مع إيران” مقابل عدم أهمية النزوح الجماعي الكبير لملايين السوريين
وعدم أهمية التوسّع الروسي على حساب الشعب الأوكراني، 
وكذلك عدم أهمية إلغاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لحدود سايكس – بيكو، واقامته
“دولة” معادية لأمريكا بالذات، بل عدم أهمية أي رد فعل أمريكي على الزحف الإيراني –
الروسي على منطقة الشرق الأوسط، طالما لم يبق لأوباما سوى القليل من الوقت الذي
سيقضيه في “بيت القلق”، وبعدها سينسى الأمريكيون أن آخر رؤسائهم كان فاشلاً وضعيفاً
ومرتبكاً وخائفاً من الروس، وسيذكرون لأجيالهم بأن أوباما هو أوّل رئيس “غير أبيض”
حكم الولايات المتحدة الأمريكية… فقط لا غير.
روسيا بوتين عملت سراً وعلى
الدوام من أجل تثبيت أقدامها في سوريا، منذ الأيام الأولى لحكم حافظ الأسد في
سبعينيات القرن الماضي، فكان السلاح السوري روسياً وكان بناء سد الفرات روسياً،
والتقاليد الاشتراكية غير التامة متلائمة مع تضعضع النظام الشيوغي السوفييتي، وكانت
دور النشرالشيوعية  ومن بعد ذلك المادحة للعلاقات الروسية – السورية مليئةً بالكتب
والمجلات التي تريد منها إيصال رسالة روسيا للشعب السوري كحليفٍ قوي ترهب جانبه
الإمبريالية والصهيونية والرجعية “العربية طبعاً!!!”، ولم يبق أمام الروس إلاّ
افتتاح قاعدة عسكريةٍ لهم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في الساحل السوري، وبذلك
تم تحقيق حلمهم التاريخي في نوم جنودهم على رمال هذا الشاطئ. فجاءت الحرب التي شنها
نجل حافظ الأسد على الشعب السوري لتمنح الروس فرصةً أكبر لانجاز مزيدٍ من المكاسب
المالية من بيع السلاح للنظام المتهور وانتزاع صلاحياتٍ واسعة منه، والتحكّم به
مناصفةً مع إيران الطائفية الممقوتة والدجل السياسي، وفرض السياسات التي تريدها
موسكو وطهران على البيت العلوي الضعيف في سوريا، ومن أهمها عدم إيقاف ماكينة الحرب
حتى يتم تصفية ما نسميه ب”سوريا” كدولة وتحويلها إلى مزرعتين كبيرتين، مزرعة طهران
ومزرعة موسكو، وذلك في أهم وأجمل مناطق البلاد من حيث الإنتاج والعمران وترك ما
تبقى من فيافي ومراعي وصحارى للإرهابيين يعيثون فيه إجراماً ويسيئون إلى سمعة الدين
والإنسانية معاً، فيصبح الروس ومرتزقة طهران في أعين العالم أجمع، من “ضرورات
التصدي” للإرهاب في المنطقة.
وظل الرئيس الموضوع في قفص “دمشق” مع بعض طباليه من
وزراء و”خطباء” وإعلاميين، وحشدٍ غير مبارك من الشبيحة المجرمين، ينكر وجود “قوات
عسكرية روسية” في بلاده، إلى أن فضحته وزارة الخارجية الروسية بذاتها، في حين بررت
إيران احتلالها لسوريا منذ البداية بذريعة أن “طريق القدس يمرّ من باب القصير بحلب
والقريتين ومزارع الحسكة السورية”، وأن هذا الرئيس المستعد لتشريد كل شعب سوريا هو
الأمل في نصرة كفاح الشعب الفلسطيني، والحقيقة تقول بأن من لايهمه بناء بيته لن
يبني لسواه، وبأن ملالي إيران ساعون لتحقيق هلالهم الشيعي في المنطقة في وضح
النهار، ورغماً عن أنف أمريكا وحلفائها الذين يغطون في نومٍ تعيس لاتسمع منهم سوى
الشخير ويزداد قلقهم كلما فاقوا.
روسيا لن تكتفي بسوريا، مثلما لم تكتفِ بانتزاع
جزيرة القرم، وبوتين له أيضاً أطماع توسعية مثل ملالي إيران، والاتحاد بين روسيا
وإيران يرغم أمريكا وحلفاءها العرب على إطلاق تصريحاتٍ متباينة ومتضاربة تبدأ
بإظهار “القلق” وتنتهي بالتأكيد على “القلق”. 
لقد استدعت موسكو كثيرين من حكام
العرب وأوروبا وبعض “رجالات” المعارضة المعترضة من السوريين، في الفترة القصيرة
الماضية، وأكّد بوتين لضيوفه “الأحباب الأعزاء” على 3 نقاط أساسية:
-إنه ضد
الحرب ومع الحل السلمي والتشارك في السلطة مع بقاء الأسد على ذروة الحكم في
سوريا
-إنه ضد الإرهاب وهو مستعدٌ للعمل دائماً مع الولايات المتحدة والعرب
للقضاء على الإرهاب الإسلامي
-إنه يؤمن بالدور الكبير لمجلس الأمن الدولي
والمؤسسات الدولية
وفي الحقيقة فإن بوتين يكذب وينافق ويخادع في النقاط الثلاث
كلها، ومع الأسف فإن الولايات المتحدة رغم ما تظهره من “القلق” حيال التدخل العسكري
الروسي، بعد إظهارها “الامتعاض” حيال التدخل الإيراني، تبدو وكأنها استسلمت لقدرها
وتركت سوريا لإيران والروس يقررون مصيرها كيفما شاؤوا.
بوتين ليس ضد الحرب، فلو
كان ضدها لما زوّد نظام الأسد بالسلاح، حتى بعد كل المذابح التي ارتكبها، فهل
التزام موسكو باتفاقيات التسليح أهم من إراقة دم السوريين وتشريدهم بهذا الشكل
المأساوي الكبير، الذي ستكون له نتائج كارثية على المنطقة وأوروبا في
المستقبل؟
بوتين ليس ضد الإرهاب، فلو كان ضده لحاول أولاً منع مرتزقة حسن نصر
الله الموصوف حزبه دولياً ب”الإرهابي” من التدخل في الشأن السوري، قبل أي شيءٍ آخر،
ولما ساند الإرهابيين ضد دولة وشعب أوكرايينا.
وبوتين لايؤمن بمجلس الأمن
والمؤسسات الدولية التي رفض الموافقة على مقترحاتها وقراراتها باستخدام حق الفيتو،
في الشأنين السوري والأوكراييني، باستمرار.
وبالـتأكيد، فإن قلق الأمين العام
للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، يكبر ويكبر لا لأن بوتين يزحف بتؤدة ودون ضجيج
عالٍ غرباً صوب أوروبا وجنوباً عبر سوريا، وإنما لأن الرئيس الأمريكي لايكف عن حقن
المجتمعات الغربية بمورفين هدفه تخدير وتنويم الشعوب، واحالتها إلى التقاعد سياسياً
وثقافياً وإنسانياً…
إنه زمن العار الدولي، فلربما يستيقظ الأوروبيون ليمنعوا
بوتين من الاستمرار في غزو سوريا وأوكرايينا وليصيحوا في شعوب الغرب أن السيل قد
بلغ الزبى…
والعرب… دعهم يخوضون في لهوهم ويلعبون… فهم في نظري اليوم خارج
دائرة “الحضارة”، فلو كانوا بداخلها لما تركوا شعباً غالبيته من العرب في سوريا يتم
سوقه إلى المسالخ الطائفية كل يوم، ويأمر قادته ضباط إيران وروسيا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…