في دلالات صورة الطفل آلان الكردي

هوشنك أوسي

فاق تأثير صورة جثّة الطفل السوري آلان عبدالله
شنو، الغريق على ساحل بحر إيجة، كل صور المجازر التي ارتكبها نظام الإجرام الأسدي
في سورية منذ أربع سنوات. كما تجاوز بكثير دور المعارضة السوريّة السياسيّة
وتأثيرها في التعريف والتسويق للقضيّة السوريّة. إلى ذلك، فضحت الصورة مدى ضلوع
العالم وتورّطه في محنة سورية وشعبها، المتروكين لإجرام نظام الأسد الذي أنتج وأفرز
إجرام «داعش» و»النصرة» وكل التنظيمات التكفيريّة الإرهابيّة التي تفتك بالسوريين.
وأكّدت عمق الشراكة الأميركيّة – الروسيّة – الأوروبيّة – الإيرانيّة… في استمرار
المأساة السوريّة، وأن كل ما يقال عن خلاف غربي – روسي – عربي، حول بقاء نظام
الأسد، محض هراء، وللتضليل والخداع. فحتى لو وافقت موسكو على ضرب نظام الأسد
عسكريّاً، بقيت واشنطن وعواصم الغرب عاجزة أمام هذا الإحراج! ما يعني أن النيّة
الأميركيّة – الإسرائيليّة – الأوروبيّة في إبقاء هذا النظام جاثماً على صدر سورية
والسوريين موجودة ومستمرّة، وتختبئ خلف الممانعة الروسيّة!
وفي سياق هذه الهزّة العميقة، أخلاقيّاً وسياسيّاً وإنسانيّاً التي أحدثتها الصورة
الأليمة للطفل السوري، كحمامةٍ غافية على شطّ البحر، بحيث جعلت منه سفيراً لمأساة
سورية، وما رافق ذلك من تغطية إعلاميّة ومتابعات تحليليّة لدلالات الحدث، لفت
انتباهي تجاهل قيادات «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي (PYD) هذا الحدث وصورته
المؤلمة، علماً أن الطفل من مدينة كوباني التي يتحدّر منها رئيس الحزب صالح مسلم،
ومسؤول الحزب في أوروبا زوهات كوباني! ليس هذا وحسب، بل تجاهل الكثير من
«ديناصورات» إعلام هذا الحزب في أوروبا، هذه الصورة، ولم يعلّقوا على صفحاتهم
الشخصيّة في الـ «فايسبوك» ولو بكلمة واحدة! وغالب الظنّ أن صمت هؤلاء مؤشّر ضمني
إلى وجود مسؤوليّة أخلاقيّة وسياسيّة، لسلطة هذا الحزب في مأساة الطفل آلان
وعائلته. هذا الحزب الذي يدير المناطق الكرديّة السوريّة، بالتنسيق الخفي مع النظام
السوري، تحت مسمّى «الإدارة الذاتيّة الديموقراطيّة»، لم يثق والد الطفل بـ «أمن
واستقرار» إدارته، واختار تركيا، بما فيها من ظروف شديدة القسوة على اللاجئين، ثم
ألقى بنفسه وعائلته في أحضان مهرّبي البشر، بدلاً من الإقامة في كوباني أو عفرين أو
الجزيرة، وفضّل الإبحار في قوارب الموت، وجرى له ما جرى.
هذه الصورة دفعت لندن
وبرلين وعواصم أوروبيّة كثيرة إلى مراجعة نفسها، ولو على مستوى قضايا الهجرة، ولم
تدفع قيادات السلطة الكرديّة إلى مراجعة نفسها، والبحث عن منسوب مسؤوليّتها،
الذاتيّة أو الموضوعيّة، في هذه الكارثة! فهذه «الإدارة الكرديّة» السوريّة، والتي
تسمّي نفسها بـ «الديموقراطيّة»، لا تسأل نفسها: لماذا يهرب المواطنون الكرد من
مناطق سلطتها، بعد أن كانوا يحلمون على مدى عقود بنيل قسط يسير من حقوقهم المشروعة
من النظام السوري؟! هذه الإدارة – السلطة الذاتيّة (وهي ليست ذاتية، بسبب تحكّم
العمال الكردستاني (التركي) بها، من وراء الستار، مضافاً إليه تأثير نظام الأسد
عليها عبر البعثيين والموالين له الموجودين في هذه السلطة)، علاوةً على أنه ليس
لديها أي مشروع سياسي، اقتصادي، اجتماعي، حقيقي وعلمي، يعالج أو يخفف أو يحدّ من
هجرة الكرد السوريين، أصدرت تصريحات قبل فترة على لسان نائب رئيس «حزب الاتحاد
الديموقراطي»، السيدة إلهام أحمد، تقول فيها: «من لا يعجبه نظامنا السياسي
والإداري، فليغادر المنطقة»! وسبقتها إلى إصدار تصريحات كهذه، قيادات سياسيّة
وأمنيّة، تابعة للحزب نفسه! من ثم يأتي الحزب ويتحدّث عن أخطار الهجرة! الأنكى من
كل ذلك، أن هنالك قيادات بارزة في «الإدارة الذاتية الديموقراطيّة»، أرسلت وترسل
أولادها إلى أوروبا، بينما «تلعن» الهجرة من الوطن، وتثرثر حول الدور التآمري
لتركيا الهادف إلى إفراغ المناطق الكرديّة السوريّة!
وإذا افترضنا جدلاً أن
تركيا «متآمرة» ولها مخططاتها ومشاريعها التي تستهدف الكرد وكردستان سورية، وتريد
إجراء تغيير ديموغرافي فيها… فلماذا لا يصدر «حزب الاتحاد الديموقراطي» قراراً
سياسياً»، يلزم معظم قيادته التنظيميّة والسياسيّة والإعلاميّة، وكل عناصره
والمؤيدين له، بترك البلدان الأوروبيّة، (وهم بالآلاف، ويحملون الجنسيّات
الأوروبيّة)، وبالعودة إلى المناطق التي للحزب فيها سلطة سياسيّة وتنظيميّة
وعسكريّة مطلقة؟! وبهذا يفشلون مخططات تركيا.
ذلك أنه طالما بقيت قيادات الحزب
في المهجر، وتقدّم طلبات لجوء سياسي، فيما حزبهم سلطة إداريّة وتنظيميّة وعسكريّة،
صار معيباً ومؤسفاً أن ينتقد الحزب هجرةَ الناس من المناطق الكرديّة ومن سورية
عموماً! مضافاً إليه، تناقض غريب في سلوك قيادات هذا الحزب حيال تجارب المعارضات في
البلدان الأخرى. فالمعارضة، حين تصبح سلطة أو جزءاً منها، تترك قياداتُها المهجر
وتعود إلى الوطن، باعتبارها أوّل من يجب عليه أن يطبّق على نفسه نظريات الحزب في
الحكم والإدارة، قبل تطبيقها على الآخرين، وليس العكس!؟
يبقى أن صورة الطفل آلان
التي هزّت العالم، فضحت عري المجتمع الدولي، ومجلس الأمن، وكل القوى الدوليّة
والإقليميّة والمحليّة، الضالعة في تفاقم محنة الشعب السوري ومأساته. وهي صورة
سيبقى تأثيرها في ذاكرة الإنسانيّة.
* كاتب كردي سوري

عن جريدة
الحياة


شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…