إدراك الكوردي لذاته ولملمة ملامحها، بات حاجة ملحة

محمد قاسم “ابن الجزيرة”

 

 منذ فجر التاريخ ظهرت التمايزات بين
البشر، بعضهم ينتمي الى من يعمل قوته العضلية فعرف بالكادح، وبعضهم انصرف الى
التأمل و فهم العلاقات والروابط بين الموجودات والأحداث، وبعضهم برع في كل ما يخص
التفكير والفلسفة ودراسة الأفكار وابتكار المفاهيم واكتساب خبرة التنبؤ خارج
“العرافة والكهانة اللتين كانتا -أيضا- تمارسان دورا فيه نوع من القفز على
الحقائق الى مغازلة الروح القلقة عند الانسان تجاه الطبيعة وما فيها … وتوالت
الظواهر في حياة البشر، ونشطت الدراسات عنها . في المجتمعات التي نشط التفكير والتأملات
الفلسفية لديها ،برز ذلك أكثر لدى اليونان -او وصلنا منهم اكثر … مع وجود دلائل
على وجود نشاط فكري متقدم في بلدان كالصين والهند ومصر وبلاد الرافدين…الخ. 
وسجل التاريخ كثيرا من هذه الحقائق
وان كان بعضها يحتاج دوما الى التثبت منها وتنقيتها مما قد يكون علق بها عمدا ام
سهوا. ظهر كخلاصة لهذه الجهود والانشطة ثقافة أصبحنا جميعا قادرين على الاطلاع
عليها وفهم معظم مفاهيمها وأطرها ،بل وبُناها أيضا لمن ملك الارادة والاصرار
والاستعداد ايضا…وهذا ما يحدد الفروقات والاختلافات بين الأفراد
والمجتمعات…لاسيما بعد ان تأسس العلم على المنطق التجريبي واصبح قادرا على
التثبت من نتائج الفرضيات والأبحاث وامكن تطبيق نتائج ابحاثه على الواقع فيما عرف
بالتكنولوجيا… وقد ادى امتلاك الغرب ودول اخرى هذه الخاصة الى تقدم نشاهده اليوم
… في بلدان لم تمتلك علما ولا فلسفة ولا استعدادا للتفكير والتأمل إلا على قدر
ما يظن أبناؤها انه يحقق طموحا لا تستطيع قدرتهم الذهنية ومكتسباتهم العلمية
والفكرية والفلسفية للارتقاء به وتطويره … فيظلون كالمياه الراكدة يعيدون ذواتهم
في حركة اقرب الى الدوران حول النفس بلا قوة ابداع … فاليونان مثلا اعطوا
الاولية للفروسية ثم الفلسفة ثم الأشياء الأخرى… واتبعت ممالك اخرى مسالك شبيهة
وتقدم الفكر والفلسفة في الغرب قبل أن يخطف العلم البريق…وتشكلت قوة مثقفة
بمسميات مختلفة تقوم بالقراءة النظرية وتحليل الأحداث وتكوين رؤى وتصورات تطرحها
جميعا الى جانب مقترحات احيانا لتشكل جميعا نورا يضيء المتاهات ، و بحرا يغترف منه
الاخرون ما يلهمهم او يمدهم بمادة لفاعليتهم على اختلاف تجلياتها … ماذا يفعل
الكورد؟ يمارس المثقف السياسة بلا اعتناق جدي، ويمارس الساسة عمل الثقافة بلا
كفاءة ،وتختلط الأوراق و”تضيع الطاسة” كما يقال. فالمعروف ان الغالب على
عمل المثقفين القراءة والاطلاع والمتابعة وصيد الأفكار والمعاني والمفاهيم
والمصطلحات وضبطها وتوليفها لما يناسب الزمان والمكان والحالة الاجتماعية وما فيها
من طبيعة او حالة ثقافية بمعناها العام. (المعرفي والتمثيلي الاجتماعي) … وان
الغالب على عمل السياسيين انشاء احزاب تمثل قدرة تنفيذية للرؤى التي تجدلها من
واقع الحالة الثقافية والغايات التي تسعى اليها. فإذا تراجعت الى حالة التنظير
والتحليل واستشراف نظري … ما الذي يبرر وجودها ويعطيها الأهمية إذا؟ يحتاج
الكورد الى وعي الأشياء كما هي لا كما يشتهون … وان يتكيفوا مع الواقع ثم
ينطلقوا من معطياته والعناصر المتوفرة فيه لأداء ما يمكن من فعاليات تنفيذية تخدم
وجودهم وتطلعاتهم واهداف يفترض انهم يعملون من اجل تحقيقها وإن ذلك لا يتحقق
مادامت العطالة وتكرار الذات يسم الفكر والقوة الثقافية، ومادام السياسيون يتكلسون
في مواقع ومراكز يبحثون عن مجد ذواتهم فيها بلا انجاز وفاعلية ملموسة، وما دام
الجمهور اتخذ التصفيق وترديد شعارات -كثيرا ما لا يعنيها او لا يدرك مراميها -… 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…