شبابنا ومسلسل الترهيب والتجنيد والتهجير

نوري بريمو

يواجه مجتمعنا
الكوردي في كوردستان سوريا، تحدّيات جمّة في خضّم هذه الثورة السورية التي تحولت من
ربيع أراد الإتيان بسوريا جديدة، إلى أزمة داخلية وإقليمية ودولية عميقة ومستعصية
وعالقة، ولعل ظاهرة الهجرة الإضطرارية أو تهجير الشباب الكوردي تُعتَبَر من أخطر
الظواهر التي نواجهها اليوم على الإطلاق، حيث تكمن المعاناة في وقوع شبابنا بين
مطرقة الترهيب السلطوي والتجنيد الإجباري اللذان يفرضهما حزب الـ pyd وسندان الهجرة
والرحيل من الوطن خوفا من الوقوع في إحدى فخاخ الآبوجيين التي قد تسوقهم إلى
المجهول خاصة وأن بعض مسؤولي الـ pyd يصرحون جهاراً بأنهم قد يتركوا المناطق
الكوردية ويشمعوا الخيط ويشدوا رحالهم نحو باديتي الشام والحماد ومن ثم إلى دمشق
للدفاع عنها إن تطلب الأمر أو بالأحرى إذا أمرهم سيدهم نظام الأسد القابع حالياً
فوق ركام من رقاب السوريين الذين تهدّمت ديارهم وتقتّل أبناءهم وتشتّت شملهم هنا
وهناك وفي الشتات.
وتبقى الحلقة الأخطر في مسلسل تشتيت الشباب الكوردي، هي أنّ مَنْ يتدبّر أمره وينفد
بريشه ويهرب لينقذ نفسه من التجنيد الأبوجي، ما يلبث أن يعلق بين أيدي تجار البشر
أو بمعنى آخر الرقيق ويصبح صيدة ثمنية يتاجر بها سماسرة تهريب الشباب اللذين
يتربصون وراء الحدود لإقتناص الآدميين الفاريين من بلدانهم التي لفظتهم وليسوقهم
على متن قوارب الموت إلى أعماق البحار صوب المجهول الذي ينتظرهم في الشتات حيث
الإغتراب في بلاد الغربة التي باتت حيتاناً تبتلع بناتنا وأبناءنا وخاصة أجيال
الشباب الذين نحن أحوج ما نكون إليهم في وطننا الذي بات يفتقر إلى هذه الفئة الخصبة
التي قد ترحل ولا ولن تعود إلى كنفه مرة أخرى، مما يؤدي إلى حصول تغيير ديموغرافي
خطير في كوردستان سوريا التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الفرصة الذهبية التي
تكمن في إعلان الدولة الكوردية من خانقين حتى عفرين.
وإن مسؤولية ترهيب الشباب
بقصد تهجيرهم تقع بالدرجة الاولى على عاتق الآبوجيين الذين يسلكون حيالهم سلوكاً
ميليشياوياً لا بل بولبوتيا أشبه ما يكون بالخمير الحمر وكأننا نعيش في كامبوديا أو
كوريا الشمالية، والذي قد (أي السلوك الميليشياوي) يؤدي إلى إفراغ كوردستان سوريا
من محتواها البشري وخاصة من الفئة الشبابية التي تكسب المجتمع الخصوبة والإزدهار،
مما يستوجب على الآبوجيين مراجعة ذاتهم والكفّ عن ترهيب الشباب وترحيلهم خارج
الديار وصوب المجهول، وإن كانت قوات الـ ypg محتاجة فعلا إلى المؤازرة البشرية
والطاقات الشبايبة في أداء واجب ومهمة الدفاع عن الوطن، فليحتكم الأبوجيين إلى جادة
صواب قبول الآخر وليسمحوا بدخول قوات “بيشمركة روزئافايي كوردستان” المتكوّنة من
بنات وشباب كوردستان سوريا، وللعلم فإن هذه القوة الكوردية متدربة أحسن تدريب وتسجل
حاليا أكبر البطولات في جبهات القتال ضد إرهابيي داعش وأخواتها.
ولكن وفي كل
الأحوال فإن البئر يكذب الغطاس… كما يقال، ويوماً بعد أخر تنكشف مآرب الأبوجيين،
وإن أقل ما يمكن أن يقال عن تصرفاهتم السلطوية حيال شبابنا وشاباتنا، هو أنهم
يقدمون خدمة لأعداء شعبنا من خلال إفراغ مناطقنا من أهلها الكورد وأحلال النازحين
العرب محلهم، وهنا يكمن بيت القصيد، وتتراكم لعنات الشارع الكوردي الذي لن يرحم
الآبوجيين بعد رحيل نظام الأسد عاجلا أم آجلاً.
وإذا كان هناك ثمة من يتهمنا
بأننا نتجنى على الأبوجيين عندما نوجه إليهم أصابع الإتهام، فلسان حال الرأي العام
الكوردي ينطق بالجواب الشافي ويتهمهم ويؤكد تورطهم في مسلكية تغيير ديموغرافية
كوردستان سوريا لصالح العرب وغيرهم من الأقوام الأخرى الطامعة في بلاد الكورد
وكوردستان.
وفي الختام فإن المطلوب الآني من شبابنا المتبقيين في الوطن أو في
بلدان الجوار (تركيا، إقليم كوردستان، لبنان، الأردن) أن يبقوا في أمكنتهم ويتشبثوا
بمخيماتهم وأمكان إقامته بالقرب من مسقط رأسهم وديار آبائهم وأجدادهم، لعل في قادم
الأيام تنقلب الأية وتتهاوى الطاولة فوق رأس طاغية الشام وأعوانه، وتعود المياه إلى
مجاريها ويعود شبابنا إلى أحضان كوردستان سوريا ليخصبوها ويعمروها من جديد وبشكل
جديد، وإنّ المستقبل لناظره قريب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…